اليمن الذي اشتهر قديما بالزراعة وبناء المدرجات وإنشاء السدود والحواجز المائية يبدو اليوم وأكثر من أي وقت مضى مرتهنا في غذائه للخارج، فيما تدهور الزراعة تبقى هي الملمح الأبرز في بلد ظل ينعت قديما بأنه الأرض السعيدة لما تميز به من زراعة واخضرار مقارنة بالامتداد الشاسع للصحاري والأراضي الجافة وشبه الجافة في المنطقة العربية. ويواجه الأمن الغذائي لليمن حاضرا ومستقبلا تحديات مركبة ومضاعفة، فهناك زيادة متواترة للسكان بواقع 3% سنويا يترتب عليها زيادة في الطلب على المنتجات الزراعية والغذائية في الوقت الذي لا يغطي الإنتاج المحلي حاجات السكان من الغذاء خاصة منها الأكثر استهلاكا من قبل السكان كالحبوب، والبقوليات، وبعض الخضروات، والفواكه التي لا تنتج في البلاد وتغطى بالواردات ومع أن الإنتاج الزراعي اليمني كان إلى مطلع السبعينيات من القرن الماضي يفيض عن حاجات السكان الغذائية، ويصدر الحبوب إلى دول المنطقة، إلا أنه خلا ل الثلاثة العقود الأخيرة أصبح أكثر اعتمادا في غذائه على الواردات الخارجية، الأمر الذي كرس تبعيته الغذائية للخارج بشكل غير مسبوق من سنة إلى أخرى وتعمق الاعتماد على الواردات من الحبوب إلى مستوى قياسي والانتاج المحلي لم يعد يشكل سوى 6 % مقابل 94 % واردات وفقا للإحصائيات الرسمية. وتشير البيانات المتاحة إلى أنه بالقدر الذي تعمقت فيه التبعية الغذائية للخارج تقلصت المساحات المزروعة بشكل مخيف وأصبحت السمة الغالبة على هذا القطاع هي تقلص المساحات المزروعة للمواد الغذائية مقابل التوسع المتواصل لزراعة القات في بلد يعاني أصلا من محدودية الأراضي الزراعية ومن شح المواد المائية ما يبقي الأمن الغذائي بعيد المنال. وحسب إحصاءات وزارعة الزراعة، فإن المساحة المزروعة بالقات ارتفعت من (108) ألف هكتار في 2001م إلى (149) ألف هكتار في 2006، بزيادة مقدارها (38%) كما ارتفعت القيمة الإنتاجية للقات العام 1990، من 14 مليار ريال، إلى 200 مليار العام 2006 مقابل تقلص قيمة القمح من (893) مليون ريال العام 1990 إلى(12) مليون ريال فقط عام 2006. ومع أن هناك دعوات دائمة إلى إيلاء هذه المشكلة أولوية قصوى في رسم وتنفيذ السياسات العامة للحكومة اليمنية المتعلقة بتوفير الغذاء للسكان، إلا أن الإمكانات المحلية المأمولة وكما تبرزها المعطيات الإحصائية المتعلقة بهذه المسألة ترسم صورة مقلقة، إذ أن 92% من الأراضي اليمنية هي جافة وشبه جافة تصل معدلات تساقط الأمطار فيها 50 ملليتر في السنة، والأراضي الصالحة للزراعة معظمها مطرية، إلا أن ومسألة توافر المياه سواء للزراعة أو للاستهلاك المنزلي يطرح كمشكلة مزمنة خصوصاً في المناطق المرتفعة، والتركز السكاني المختل. ويرى الدكتور خليل المقطري أستاذ الزراعة والمساقط المائية في جامعة ذمار : أن ما يعيق الزراعة في البلاد تواضع الثروة المائية وتعرض المخزون المائي للاستنزاف الجائر، ولسوء استخدام، ما يضع البلاد في وضع حرج تلوح فيه خطر أزمة مائية مؤكدة وفقا للدراسات المسحية التي تبرز أن إجمالي التغذية المتجددة للمياه السطحية والجوفية الناشئة عن هطول الأمطار تقدر سنويا وفقا لتلك الدراسات ب5 .2 مليار متر مكعب فيما الكمية المستخدمة سنويا تبلغ حوالي 5 .3 مليار متر مكعب موزعة بواقع 93 في المائة للزراعة، (تذهب منها 60 % لري القات)، و6% للاستهلاك المنزلي، 1% للصناعة. وفي تشخيص للوضع الإشكالي الذي يحيط بالزراعة ويعيقها في أن واحد ذهب الدكتور ناصر العولقي وزير الزراعة السابق وأستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء في مداخلة له في مركز سبا للدراسات الإستراتيجية إلى: «أنه قبل توحيد شطري اليمن وبعد الوحدة، كانت السياسة المعلنة للحكومات المتعاقبة هي التوسع في الزراعة المروية المعتمدة على المياه الجوفية. فمنذ عام 1973 اتجهت الحكومة والمغتربون للاستثمار في هذا المجال واستخدمت الوسائل التكنولوجية الحديثة الذي نتج عنها توسع كبير في حفر الآبار الإرتوازية واتسعت المساحات المزروعة فبعد أن كان إجمالي المساحة المروية بمياه الآبار في عام 1974 حوالي 30 ألف هكتار وصلت اليوم إلى أكثر من 400 ألف هكتار، وهذا أدى إلى استنزاف كبير، للمياه الجوفية. وبالمقابل تراجع الاهتمام بالزراعة المطرية، وأهملت المدرجات الزراعية التي بناها الأجداد وخير مثال على ذلك في موسم 1976 و1977 وصل إنتاج اليمن من الحبوب إلى مليون و200 ألف طن إلا أنه في السنوات الأخيرة تراجع إلى النصف من ذلك والسبب إهمال الزراعة المطرية والاعتماد على المياه الجوفية». وهذا الوضع أصبح وفقا لأراء العديد من الخبراء والمخصيين في القطاع الزراعي يطرح مشكلة ليس على هذا القطاع فحسب بل وعلى توفير المياه للسكان الذين يزيدون بوتيرة عالية، ويقدر نصيب الفرد اليمني من المياه ب 125 متر مكعب في العام وهو من أقل المعدلات العالمية. فيما متوسط حصة الفرد في المنطقة العربية والشرق الأوسط من المياه تقدر ب 1250 متر مكعب ،ويرتفع المعدل على المستوى العالمي إلى 7500 متر مكعب في السنة و إذا ما بقت نسبة التجدد السنوي للمياه في هذا المستوى سيتقلص نصيب الفرد اليمني في حدود العام 2025 إلى 62 حسب تقدير الدراسات والأبحاث المكرسة لهذه المشكلة. ( البيان الإماراتية )