بدأت حكومة حمادي الجبالي الإسلامية ترفع أولى الإشارات الحمراء بوجه تيار السلفية، بمنعها سلفيّين مغربيَين من دخول البلاد، في أول إجراء يوحي بوجود قيود على توافد عناصر التيار على تونس بعد أن بدا أنّ البلد أصبح مفتوحا حتى أمام أكثرهم إثارة للجدل مثل الداعية المصري وجدي غنيم الذي سبق وأن زار البلاد وأثار نخبها بطروحاته المتشدّدة. يأتي ذلك يوما بعد إبداء الحكومة التونسية غضبها من إقدام سلفيين على هدم زوايا وأضرحة صوفية يعتبرون زيارتها ضربا من الشرك بالله، وذلك في مؤشر على قرب نهاية ما يسميه ناشطون ليبراليون تونسيون ب"شهر العسل" بين حكومة النهضة الرافعة للواء الاسلام المعتدل وتيار السلفية الذي يسلك شق منه مسلك الجهادية. وتشير عبارة "شهر العسل" إلى سياسة التساهل التي سلكتها حكومة الجبالي تجاه السلفيين، رغم تسببهم بحوادث أثارت الفزع بين شرائح واسعة بالمجتمع التونسي، على غرار منعهم بالقوة اجتماعات وتظاهرات سياسية، وتعرضهم لمسرحيين كانوا يحتفلون باليوم العالمي للمسرح وتوقيفهم الدروس بجامعة الآداب للمطالبة بحق المنقبات في الدراسة، وإنزالهم علم البلاد من فوق بعض المباني الرسمية ودعوة أحدهم على الملإ بالموت على رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي، بل دعوة أحدهم الصريحة إلى "الجهاد" ضد اليهود. وطيلة الأشهر الماضية، دفعت الحكومة التونسية باتجاه اعتبار السلفيين طرفا سياسيا يحق له المشاركة والنشاط. ولتجسيد ذلك أسندت لهم تأشيرة تأسيس حزب حمل اسم "جبهة الإصلاح" في خطوة لتقييد نشاطهم وضبطه تحت راية القانون. ويبدو الأمر محاولة جادة من حكومة الإسلاميين في تونس لتجاوز تناقض جوهري وصعوبة في التوفيق بين غض الطرف عن السلفيين الذين أبدى قسم منهم قدرا من التشدّد، ووعودها باحترام الحريات ومكاسب المرأة.. وخصوصا الحفاظ على ركيزتي الاقتصاد: الاستثمار الخارجي والسياحة التي يستحيل ممارستها في ظل فرض لباس معين على المرأة وتقييد أنشطة ترفيهية معينة بالنزل والشواطئ والفضاءات العامة يعتبرها سلفيون ماجنة ومخالفة للإسلام. وتأتي إجراءات الحكومة التونسية متزامنة مع بداية موسم سياحي واعد يوسع الأمل بتجاوز مصاعب اقتصادية كبيرة تعيشها تونس. ويسجل في الكثير من المدن والمناطق التونسية حضور لافت للسياح، بينما يُلمس بوضوح تراجع في ظهور السلفيين بأزيائهم ومظهرهم الخاص بعد أن كانوا اكتسحوا المشهد العام في الأشهر الأخيرة. ويرى نشطاء تونسيون أن في ذلك دليلا على أن لعناصر في حركة النهضة الحاكمة نفوذا على السلفيين بحيث أمكنها أن تطلب منهم الانسحاب المؤقت من الفضاء العمومي تأمينا لنجاح الموسم السياحي. وفي المقابل يرى آخرون أن المواجهة بين النهضة والسلفيين في تونس حتمية لكنها مؤجلة. ومن مؤشرات تغير نبرة حكومة النهضة تجاه السلفيين منعها سلفيَين مغربيَين، سبق أن حوكما في قضايا إرهابية بالمغرب، من الدخول إلى البلاد رغم احتجاج العشرات من السلفيين التونسيين. وكان مصدر أمني تونسي قال إنه تم ترحيل المغربيين عمر الحدوشي وحسن الكتاني، بعد منعهما من دخول التراب التونسي تنفيذاً لقرار صادر في العام 2003. وينتمي عمر الحدوشي وحسن الكتاني إلى التيار السلفي الجهادي، حيث سبق للأمن المغربي أن اعتقلهما في العام 2003 بسبب تورطهما في تفجيرات الدار البيضاء الانتحارية. وكانت وزارة الثقافة التونسية استنكرت الاثنين أعمال هدم طالت زوايا أضرحة صوفية في البلاد، وهددت بمقاضاة الضالعين في هذه الاعمال. وذكرت وسائل إعلامية محلية خلال الفترة الاخيرة أن جماعات "سلفية وهابية" قامت بهدم أضرحة صوفية في عدد من مناطق البلاد ودعت المواطنين إلى الكف عن زيارتها لأن في ذلك "شركا بالله" *(العرب اون لاين)