يبرر الحوثيون قيادات وأتباع و (مشعبين ) حروبهم المسلحة بغياب الدولة ، ينغمسون في الدم ومن بين أكوام الجثث والدمار يرفعون رؤوسهم ليقولوا " طالما والدولة غائبة ولا يوجد نظام أو قانون فسندافع عن أنفسنا بطريقتنا " ، ثم يواصلون الانغماس فيما هم فيه مرة أخرى. والمثير للسخرية هنا أنهم يتعاملون مع فكرة الدولة وكأنها رضاعة ،ومع أنفسهم كأنهم صبية صغار لا سبيل أمامهم سوى الصراخ والبكاء وتحطيم أثاث المنزل حتى يأت من يضع رضاعة الدولة في فمهم ليهدءوا بعدها ويكونوا أبناء صالحين. يعتقد الحوثيون أن ما تعرضوا له من ظلم هو مبرر كاف للجنون والعبث ، وحين يكونوا ضعفاء يطالبون بوجود الدولة ، وحين يظنون أنهم أقوياء يرفضون تدخل الدولة، والحقيقة أنه لا يحق لجماعة أن تحول ما تعرضت له من ظلم إلى شماعة لارتكاب مزيد من الجرائم بحق الناس والوطن. خوض الحروب بحجة الدفاع عن المظالم هي مهزلة كبرى تعرف قيادات الحرب أنها مجرد كذبة ودعاية إعلامية لتغطية أهداف سياسية في السيطرة على مساحات أوسع من الأرض ، لأنه عملياً لا شيء ينتج المظالم كالحرب ولم يحدث أن أعادت الحروب المسلحة حق مظلوم أبداً ، بل صنعت عشرات ومئات وآلآف الضحايا وإلى جانبهم عدد من أمراء الحروب وتجارها، هذه الدعاية يصدقها قطيع الأتباع المخلصون وهذا متوقع ، ما لم يكن متوقعاً أن يقع في فخها متعلمون مدنيون لم ولن يحملوا السلاح يوماً في حياتهم، ولكنهم مع ذلك اختاروا أن يكونوا أبواقاً للحرب وأطرافها. بناء الدولة مسؤولية الجميع ، أفراد وجماعات ، ولو قرر كل من يتعرض للظلم في هذا البلد وما أكثرهم إلى انتهاج العمل المسلح بحجة الدفاع عن النفس فمن سيبني الدولة إذاً؟ أو من سيضع الرضاعة في فم هذه الجماعات المسلحة؟ لا يقل خطاب حزب الإصلاح وحلفائه المسلحين في الميدان سخفاً وتضليلاً ، فهم منغمسون ومنذ سنوات في السلطة والفساد والسلاح والخراب والدم ثم فجأة يرفعون رؤوسهم من داخل ركام أفعالهم ليصرخوا " أين الدولة ؟" ، مجدداً وكأن الدولة هي مجرد رضاعة وظيفتها إشباعهم حين يحتاجون إليها، وكأنهم بأدائهم وتحالفاتهم لم يقوضوا ويلتهموا يوماً هذه الدولة ، وكأن الدولة ليس من ضمنها نحن ، نحن الناس العاديون بما نحتاجه من نظام وقانون وخدمات وعدل ، الدولة بالنسبة إليهم هي سيارة إسعاف حصرية لمصالحهم ونفوذهم. تلك المجاميع المسلحة في عمران وأرحب وحاشد والجوف وغيرها من المناطق تتحارب مع الحوثيين بعقلية ونفسية من اعتاد أن تكون هذه الأرض له خارج إطار الدولة ونفوذها ، ولكنها حالياً تتعامل مع الأمر وكأن هذه المناطق كانت تعيش نعيم الحياة وحضور الدولة ولا خطر عليها سوى هذا المسلح الجديد القادم ، لهذا سألت لأول مرة في تاريخها " أين الدولة ؟ ". تستخدم هذه المجاميع المسلحة في حربها - سواء كانت آل الأحمر أو غيرها من الجماعات التي يجمع بينها جميعاً وجود قيادات عليا لها في حزب الإصلاح – مصطلح الدفاع عن الجمهورية ، نعم ..يقولون ذلك لأنهم يعتبرون أنفسهم الجمهورية والوطن .. وإلا فما علاقة الجمهورية والوطن بحروب عبثية لميليشيات تدوس تحت أعقاب بنادقها الجمهورية والوطن والمواطن؟ للأسف هذه القوى المتحاربة بكل أطرافها لا تستشعر مسؤوليتها الوطنية في بناء الدولة ، ولا تستشعر حقيقة أن جميع المشاريع المسلحة ليست في الأساس سوى خطوات عملية قاتلة بعكس اتجاه الدولة ، وكأن هذه الدولة هي قطعة حلوى يجب أن تنزل من السماء وعليها شمعة ليطفئها المسلحون احتفالاً بها ومن ثم يضعون أسلحتهم جانباً ويتعانقون ويصبحون مدنيون في لحظة ويغنون بفرح ( عيد ميلاد سعيد يا دولتنا المدنية ) !