عادة ما تظهر النكتة السياسية في بلدان كثيرة في أوقات الأزمات وسط مناخ سياسي تنعدم فيه حرية التعبير، لكن الأمر يبدو مختلفا في اليمن، حيث يلجأ عامة الناس إلى إطلاق النكت كوسيلة مشاركة سهلة في السياسة وانتقاد المؤسسة السياسية والتندر بأدائها حتى مع توفر حرية التعبير عبر وسائل أكثر تأثيرا كالصحافة والاحتجاجات السلمية. ويعتقد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أنه "عند غياب حرية الكلمة، قد يستخدم الناس النكتة عندما يشعرون بممارسة الظلم عليهم". ويرى أيضا أنه "أحيانا قد تتوفر حرية التعبير لقوى معينة ولا تتوفر لقوى أخرى تكون قدرتها على إطلاق النكتة أكبر، فهي إذن تعبر عن نفسها عن طريق النكتة، وبالأخص على المستويات الشعبية، فالقادرون على الكتابة هم النخبة فقط".
وقال المتوكل لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) انه قد تتوفر مظاهر الحرية للتعبير عن طريق الكتابة ولا تتوفر مظاهر التعبير الأخرى كالمسيرات والمظاهرات والاعتصامات فيلجأ الناس للتعبير عن أنفسهم عن طريق النكتة.
ولا تعبر النكتة السياسية التي تتحرك في الاتجاهين بين الشمال والجنوب في الغالب عن رأي حول ظاهرة سياسية أو توجه نقدا لقرار أو إجراء تتخذه السلطة المركزية في صنعاء فقط، بل تعبر أيضا عن موقف يركز على الترويج لفكرة تقوم على نقد العنصر الشمالي أو الجنوبي كفرد أو مجتمع.
وتعتمد النكتة السياسية في هذه الحالة على التصور النمطي القائم على التفرقة البيئية بين الشمالي والجنوبي، والتي ترافقها تفرقة ثقافية تصف الجنوبي بالمتعلم والشمالي بالأقل تعليما وذكاء.
ويسمي الجنوبيون سكان المناطق الشمالية من اليمن ب"الدحابشة" نسبة إلى مسلسل كوميدي أنتجه التلفزيون اليمني في عام 1989 وكانت شخصية بطل المسلسل "دحباش" تصور الغباء الفطري والبساطة وعدم الرغبة في مجاراة التطور.
وإن كنت من سكان صنعاء أو غيرها من مناطق الشمال وتزور عدن كبرى مدن الجنوب فلا يمكنك أن تلقى صديقا أو زميلا لك أو حتى سائق تاكسي في تلك المدينة دون أن يباغتك بنتكة جديدة عن "الدحابشة".
وتقول سماح علي قاسم طالبة الاقتصاد بجامعة عدن أنها وزميلاتها في الدراسة يمضين أوقات الاستراحة في تبادل النكت عن "الدحابشة". وتقول: "لأننا في العادة لا نستخدم أساليب الشتائم أو النقد الصريح، نفضل تداول الكثير من النكت عن إخواننا في الشمال وأحيانا في حضرتهم".
وتضيف: "نقول لهم يادحابشة ونستحضر أي من الطرائف الحديثة ونمزح ولا أعتقد أنهم يغضبون، فهذه الصفة علقت بهم منذ التسعينيات".
ويرى الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء أن النكتة السياسية هي نمط من التعبير السيكولوجي يلجأ إليها الناس لتفريغ شحنة انفعالية تجاه الأوضاع العامة".
وقال الصلاحي ل (د ب أ)، "في اليمن هذه الأمور كثيرة، فالسياسات والأشخاص محل الانتقاد كثيرون والوضع السياسي والاجتماعي يوفر المناخ للتندر". وأضاف أن "النكت بين الشمال والجنوب تنتقد الحكومة والمحافظين وأداءهم وخطابات المسئولين كنوع من التذمر السائد".
وفي هذا السياق، ابتكرت المخيلة الشعبية في حضرموت تفسيرا ساخرا لخطاب مسئول رفيع قال فيه إن "على المعارضة أن تشرب من ماء البحر" في غمرة احتجاجات قادتها في مدن جنوبية العام الماضي. وتقول النكتة إن المسئول أراد بذلك أن يشرب الجنوبيون ماء البحر ليجففوه كي يتسنى للشماليين بعد ذلك بناء منازل فيه. وتشير النكتة إلى تضايق سكان الجنوب من إقبال الأثرياء من الشماليين على امتلاك منازل في المدن الساحلية الجنوبية.
وتتركز الطرائف التي يطلقها سكان الشمال في الغالب على سكان حضرموت الذين يتهمونهم بحب المال والبخل. وتتحدث أحدث تلك النكت عن تاجر إطارات حضرمي نشر تعزية في إحدى الصحف المحلية تقول: "نعزي أسرة الفقيد في مصابهم الجلل ونعلن عن وصول كمية جديدة من إطارات السيارات". ويقول الصلاحي، أستاذ الاجتماع السياسي، أن اللجوء إلى النكتة السياسية هي "نمط من التحايل والالتفاف في التعبير عن مواقف سياسية معينة لا تحسب على مطلقها. فالنكتة السياسية في ظهورها وانتشارها لا يمكن تتبع مصدرها، ولكن تكشف عن الجهة أو الأشخاص الذين يوجه لهم الانتقاد". ويوضح أنه تبعا لذلك، فإن النكتة السياسية توجد في مناخ حرية أو غيره ولا ترتبط بوجود الحرية أو غيابها لأنها تعبير شفوي غير منشور يتم تناقله في أماكن خاصة وعامة. ويرى الصلاحي أن انتشار النكت السياسية "ليست حالة سلبية، بل هي دليل وعي ناقد وساخر للمجتمع ويجب على دوائر صنع القرار أن تدرك المغزى والمعاني والدلالات لهذه النكت".