• صدقوني لو كان قُدِّرَ لعسس الظلام من حافري القبور والأنفاق والسراديب الليلية النجاح في مسعاهم التآمري والتصفوي ضد الرئيس السابق صالح وأفراد أسرته وحراسته الخاصة، لكانوا زعموا من فورهم بأن صالح هو من فجَّز نفسه، مفضلاً الانتحار ومغادرة عالمنا الدنيوي طوعاً مع حاشيته وأفراد أسرته على رؤية إنجازاتهم الثورية المذهلة والمحققة في أذهانهم فقط. • وأمور كتلك باتت ممكنة وبديهية للغاية في بلادنا الغارقة حتى أذنيها في حبائل الكذب والفوضى والتزلف والنفاق والابتذال السياسي والأخلاقي الذي يعد في نظر البعض من أساسيات النجاح والإبداع السياسي، بالصورة التي جسدها على سبيل المثال أوائل الشهر الحالي نائب الجماعة المخضرم شوقي القاضي.. أو شوقي الفاضي.. لا فرق.. حينما برر جرعة باسندوة الأخيرة وعقب الإعلان عن إقرارها مباشرة بأنها من فعل النظام السابق.. وحينما سئل كيف أمكن لهذا النظام السابق فعل مثل هذا الأمر المشين بحق الأغلبية الشعبية الساحقة والمغدورة؟ رد بكل ثقة بأن قرار الجرعة وبصيغته الحالية كان معداً وجاهزاً للتنفيذ من قبل نظام صالح الذي ترك القرار خلسة قبل تنحيه عن السلطة في أحد الأدراج الحكومية، وما فعلوه هم كنخبة حكم ثورية سوى أنهم أخرجوا القرار من مخبئه في الدرج وباشروا في تنفيذه، قاتلهم الله. • المهم أن منفذي مشروع النفق وإن كانوا قد أخفقوا هذه المرة كما أخفقوا في سابقتها (عملية جامع دار الرئاسة) في الثالث من يونيو العام 2011م ولأسباب خارجة عن إرادتهم بالطبع.. إلا أن هذا لا يلغي خطرهم الآخذ في التصاعد بالطبع بتنامي نفوذهم السلطوي الذي جعل من الإرهاب بحد ذاته سمة التحول الحداثي السائد في بلادنا. • فالمدى الكارثي الذي بلغته عملية حفر النفق والتي كانت قد شارفت على نهايتها في الواقع، لولا لطف المشيئة، وكذا الستار المحكم من السرية والتخطيط المنظم والدقيق الذي شاب جميع مراحلها، أمور لا تنم فحسب عن حجم القوة والمثابرة والنفوذ السلطوي والإمكانيات المادية واللوجستية الهائلة التي يتمتع بها معدو المشروع؛ بقدر ما تبرهن وبصورة لا لبس فيها أيضاً على مدى القدرة والاستعداد اللامتناهي لدى تلك العصابات التصفوية لإلحاق الأذى بكامل الوطن والشعب في سبيل ضمان مصالحهم الآنية بالنظر إلى أبعاد وخفايا ذاك المخطط التآمري المرسوم بأهدافه المتعددة والرامية، من وجهة نظري، ليس فقط إلى ضرب جهود المصالحة الوطنية المزمعة قبل ولادتها الفعلية عبر التخلص النهائي من صالح وإزاحته من على المشهد السياسي الوطني، بوصفه أبرز المعيقات أمام مستقبلهم السلطوي، وإنما أيضاً إلى التخلص، وبصورة مؤكدة، من جميع خصومهم الطبقيين دفعة واحدة، وعلى رأسهم جماعة أنصار الله بالطبع الذين كانوا سيتصدرون ولا شك في حال نجاح المخطط التصفوي ضد صالح قائمة الاتهام كما هو متوقع، انطلاقاً ليس فحسب من تعدد أسباب الصراع المحفزة لنقمة الجماعة المتنامية ضد أنصار الله، وإنما بالنظر أيضاً إلى ما بات يشكله الوجود الحوثي اليوم من قوة سياسية وجماهيرية طليعية ومؤثرة في المعترك السياسي والوطني ككل. الأمر الذي كان من شأنه ليس فحسب وضع الحوثيين في مواجهة محتملة ومباشرة مع أغلب القوى السياسية والجماهيرية في الداخل وعلى رأسها نظام الحكم المهيمن عليه أصلاً من قبل العصابات الإخوانجية، وبما ينذر بإشعال فتيل حرب أهلية ومذهبية طاحنة ومدمرة في البلاد إلى أجل غير مسمى.. وإنما وضعهم أيضاً، أي الحوثيين، في مرمى الاستهداف العلني والمباشر للعديد من القوى الإقليمية والدولية المتضررة أصلاً من تنامي المشروع الثوري للحوثيين وتوسع نفوذهم السياسي والجماهيري والحركي على امتداد الخارطة الوطنية.. • في النهاية يمكن اعتبار هذا النفق إحدى فضائل التحول الثوري الحاصل في بلادنا.. ولكن ما يثير الحيرة حقاً في هذا الصدد يتمحور، ربما وبشكل أساسي، بتلك الرتابة المحيرة والمثيرة للريبة التي اتسم بها منذ البداية أداء النظام الحاكم بهيئاته السيادية والسياسية والتنفيذية والأمنية حيال المسألة برمتها، قياساً بتلك الحدة والعنجهية التي تعاطت بها قبلاً هذه الهيئات وأكثر من مرة مع بعض القضايا الثانوية ذات المشروعية المطلبية بوصفها أعمالاً انقلابية وتخريبية، على غرار ما حدث لقناة اليمن اليوم ومسجد الصالح. • فمن ناحية أولى يمكن اعتبار مساعي التحقيق الرسمي، الرامية بحسب تصريحات المسؤولين الحكوميين والأمنيين إلى كشف ملابسات المؤامرة وملاحقة منفذيها، أمراً فيه الكثير من المغالاة والتضليل العمدي الهادف بدرجة مؤكدة إلى طمس الحقائق والتستر على القتلة.. كون ظروف وملابسات واقعة التآمر ذاتها وأهدافها وكذا توقيتها الزمني أموراً لا تتطلب بأي حال توافر الكثير من الجهد والذكاء للتعرف على هوية الفاعلين المفترضين ومن يقف وراءهم أيضاً.. كما أن مسارعة الأفندم هادي عقب اكتشاف النفق بتشكيل لجنة أمنية مناطة بكشف ملابسات الواقعة وملاحقة المتورطين فيها، دليل على إيغاله في اختبار سذاجتنا حتى النهاية.. • والأمر اللافت هنا أيضاً يكمن في عدم صدور أي بادرة شجب أو تنديد من قبل الرجل، جمال بنعمُر، الذي عادة ما يفتتح أي حديث له بعبارة "إنني أقف على مسافة واحدة من جميع اليمنيين واليمنيات"، حتى إذا كان يخاطب نادلاً في مطعم ما لطلب شطيرة همبرجر على سبيل المثال.. • ويبقى السؤال هنا ماثلاً حول ما إذا كان في مقدورنا التعايش مع صيغتي العدالة والمواطنة المبنيَّتين وفق مفهومي القوة والتفوق، والقول إن الديمقراطية تسير من نصر إلى نصر؟ • رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن.