للفتنة وجوه عدة منها ما يدخل في سياق الفعل ومنها ما يدخل في سياق القول، ومنها جامع للاثنين معاً.. ورغم أن الفتنة ملعون من أيقظها إلا أن هذا اللعن الموجه لهذا أو ذاك من رموز الفتن والاحتراب الساعين لإدخال اليمن في فتنة محرقة لا تبقي ولا تذر أصبح يمثل لهم نوعاً من البطولة في هذا الزمن الذي تداخلت فيه المعاني وأصبح معه المفتن بطلاً وداعية أمن وسلام، والمسالم الباحث عن أمن وسلامة الوطن والمجتمع قائد فتنة ومروجاً للكراهية. ما الذي يحدث اليوم في يمن الإيمان والحكمة، وأين موقع أمن وسلامة المجتمع فيما يحدث؟ وهل أصبحنا لا نفرق بين حلال وحرام وبين ما هو آمن وغير آمن؟!. ما يحدث اليوم هو نتاج طبيعي لاستغلال مناخ الحرية وهامشها الكبير المتاح الذي أصبح غير مرتبط بحدود ولا سقف له. استغلال مناخ الحرية بطرق سيئة دفع إلى بروز أوجه كثيرة للخلاف والاختلاف ونراه اليوم يقود للفتنة والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد. ما أن نخرج من مشكلة أو بعبارة أصح من أزمة إلا وندخل في أزمة أخرى لاسيما منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية في العام 2006م التي أسهمت كثيراً في كشف هذا الاستغلال الواضح والملموس لمناخ الحرية في البلاد. هذا الاستغلال كان له مسببات كثيرة قادت في مجموعها إلى هذه الصورة المليئة بالقلق والقلاقل التي نعيشها حالياً وننتظر معها الوصول لساعة الصفر لاسيما وأن أحد الأطراف في المنظومة السياسية في البلاد لم يعد يرحب بسماع أية وجهة نظر مخالفة له أو حتى ناصحة وداعية للعودة إلى العقلانية والحوار وصوت الحكمة!!. ما يحدث اليوم هو وجه من وجوه الفتنة التي صحت من نومها وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من العامة من الناس. الاستغلال السيئ للحرية قاد إلى هذا التحريض المقيت والذي كان من نتائجه سقوط 46 شهيداً وأكثر من 200 جريحاً في صنعاء يوم الجمعة الماضية، وهو ما أدمى قلوبنا جميعاً، ولولا العناد والمكابرة والتعنت والتصلب في الآراء والكفر بالقيم والثوابت الوطنية التي لا ينبغي الاختلاف حولها أو إخضاعها لأنصاف وأرباع الحسابات السوداوية الملطخة بدماء الأبرياء لما وقع هذا الحادث المأساوي الجلل. هناك فتنة نرى اليوم من يسعى لتعميمها نتيجة الاستغلال السيئ لمناخ الحرية التي أدت إلى إعلاء المصالح الشخصية والأنانية الضيقة وفقد معها البعض التفريق بين ما هو خاص وما هو عام.. بين ما هو ثابت وما هو غير ذلك! ليس من السهل أو اليسير تصور ما ستؤول إليه البلاد لو اشتعلت الفتنة واتسع نطاقها.. وليس من المقبول أيضاً أن نستسلم وننقاد وراء تجار السياسة ووكلاء الحروب، ودعاة التطرف والتحريض الأعمى من أصحاب المصالح والغايات الشخصية الذين تجمعهم اليوم الثارات السوداء وستفرقهم غداً الصراعات فيما بينهم!. هناك ثوابت ينبغي التوقف عندها وعدم تجاوزها، أولاها أمن وسلامة المجتمع، فأي أمن وأية سلامة سنبحث عنهما إن اختلط الحابل بالنابل وسقط العقل صريعاً في متاهات الاحتراب.. متاهات الفتنة. إن ضاع الأمن وفقد المجتمع سلامته وأمانه ضاع الوطن وعاش الناس وسط خوف ورعب حقيقيين. والشباب اليوم وبصفتهم قادة الغد وكل المستقبل مطالبون أكثر من أية فئة أخرى من فئات المجتمع بالتصدي لكل من يسعى ويحاول الإضرار بأمن وسلامة المجتمع.. بالنصيحة والكلمة الطيبة وذلك أضعف الإيمان. ويقيناً لن يرحم التاريخ كل دعاة التطرف والتحريض والفتن والحروب .. والفتنة نائمة ملعون من أيقظها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!. [email protected]