المتتبع لتاريخ اليمن يدرك أن هذا الشعب المغلوب على أمره لم يعرف شيئا اسمه الاستقرار السياسي. الاستقرار الوحيد الذي عرفناه هو الاستقرار على حالة عدم الاستقرار، وحالة التكيف هذه تشبه حالة تعاطي القات مع علمنا المسبق أنه مسموم. الاستقرار بمعنى الثبوت، "محلك قف"، "يومك عيدك"، الريال يستقر في القاع والأسعار تستقر في القمة، الفقر يستقر في اليمن، وكل واحد حر في استقراره؛ ذلك أن الواقع السياسي غير المستقر جعلنا نقاطع كل أنواع وصور النمو، باستثناء: النمو السكاني، ونمو الكروش، وتنامي العنف والأوبئة، والنمو الدرامي في الأكشن بين "داحس والغبراء"؛ ولذلك يقال لنا "بلد نامٍ"؛ لأن التطور نام والمال العام عام، والشعب صام صام وفطر بلصام. حتى الفيروسات تنمو وتطور نفسها، ونحن لا ننمو إلا نائمين، وهو نمو طبيعي بمعدل واحد سنتيمتر، يحدث لأي إنسان عندما ينام. تعالوا شوفوا أرقامنا القياسية الناتجة عن حالة عدم الاستقرار السياسي: الأكثر استيرادا للمبيدات، الأعلى في نسبة السرطان في العالم، الأضخم في نسبة الأمية، الأكثر إنجابا في العالم، بلد المليون مطب والمليون لجنة والمليون استراتيجية... ونستطيع أن نبني ثلاثة أهرامات من أوراق الأحكام القضائية التي لم تنفذ، وثلاثة أهرامات من الروشتات والفحوص الخاطئة التي يحملها المرضى، أغلى دبة غاز في العالم موجودة في بلدنا... وهلم جرا. السياسة وجدت أصلا لكي تحقق الاستقرار الاقتصادي للشعب؛ أما أن تكون مصدر إقلاق للشعب وتفريخ لمعاناته وأزماته فتلك هي المصيبة بعينها. وما بين الدفع بالبلد إلى النمو والاستقرار الشامل والعادل الذي يضمن الحقوق لجميع أبنائه، وبين الدفع بهم إلى الهاوية تكمن المعادلة الصعبة التي من شأنها أن تغير مسار التاريخ. وأيا كانت السيناريوهات التي تمضي إليها البلاد، فالشيء المؤكد أن اليمن -بإذن الله وحفظه ورحمته بشعبها- سيخرج قويا من الظروف التي يمر بها، وهنيئا لمن أحب اليمن أكثر من نفسه، فقد اشترى بؤسه وخسر نحسه وسيمنحه التاريخ ألف بوسة، ويا محبين النبي صلوا عليه.