الذي يحدث في فضاء “فيسبوك" قارب حدود اللامعقول ، صارت الأمور خارج السيطرة، وخارج التصنيفات، لا يمكنك أن تشارك ولا يمكنك أن تقف مشدوها كجذع شجرة يابس في صحراء بلا نهاية بلا حدود وبلا أمان، خرج الأمر من كونه تواصلا واتصالا وإعلاما جديدا وثورة تكنولوجيا، صرنا في زمن ما بعد القذافي و الدولة القومية وما بعد ربيع الثورات، فهل تدرون عن ماذا يتحدث شباب الوطن العربي على “فيسبوك" هذه الأيام؟ إنهم يتحدثون عن علياء المهدي، الصبية التي قررت أن تضع صورتها عارية تماما على الصفحة فسجلت بهذا النصر دخولا جماهيريا على صفحتها فاق المليون شخص!! والآتي أعظم. علينا أن ننتظر موسم القطاف، والقطاف سيكون كحصيلة حاطبي الليل، شوك وحطب وحصى وشيء من ديمقراطية، والآن سيهتف أحد قائلا لازالت الأمور في بدايتها فلننتظر حتى تهدأ العاصفة وينتهي الشتاء ليذوب الثلج ويظهر المرج، فنقول له إن المشكلة ليست في الانتظار ولكن في الذهنية التي طفحت في الإعلام الجديد ، إعلام شباب اليوم على صفحات “تويتر" و"فيسبوك" من قِبل آلاف الشباب العرب الذين دخلوا إلى صفحة علياء وأبدوا رأيهم وعلقوا على فعلتها وكذلك عشرات المدوّنات التي تناولت الحدث وآلاف المدونين الذين علقوا عليها في “فيسبوك" و"تويتر"، لكن المثير في الحكاية هو تلك التغطية المريبة في أغلب المحطات العالمية. أحد الكتاب كتب مقالا في القدس العربي، عبر عن فعلة علياء على النحو التالي “ .... علياء، ببساطة عرضها لعريها، تحاول بطريقتها الفجة رفع أسئلة تحرج المجتمع في أكثر مناطقه حرجا، وهي مثل الشباب الذين يوجهون صدورهم العارية للرصاص، تترك جسدها عاريا لا لتتلقى طلقات السلطة فحسب بل والمجتمع أيضا، وهو فعل قد يبدو جنوناً للكثيرين، لكن في الجنون، أحيانا، الكثير الكثير من العقل!! فهل يمكن لعاقل أن يتقبل هذه المقاربة وأن تتساوى فتاة تعرض صورتها عارية تماما أمام الملايين بأولئك الشباب الذين ذهبوا فتحدوا وتصدوا بصدور عارية لآلات القمع والقتل؟ أما علياء نفسها ولأنها تعلم بمدى الصدمة التي ستحدثها فعلتها وبوقع الصورة على الذهنية العربية لمرتادي فضاء الإنترنت، سواء كانوا متدينين أو محافظين أو ليبراليين أو حتى عبدة شيطان، فقد ردّت على كل من هاجمها وشتمها ونال منها بأقذع الألفاظ، “حاكموا الموديلز الذين عملوا في كلية الفنون الجميلة حتى أوائل السبعينات... اخلعوا ملابسكم وانظروا إلى أنفسكم في المرآة، واحرقوا أجسادكم التي تحتقرونها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلى الأبد، قبل أن توجهوا لي إهاناتكم العنصرية أو تنكروا حريتي في التعبير! فمتى كان العري طريقة لمحاكمة المجتمع والاحتجاج على الخطأ أو محاولة تصحيحه في مجتمعاتنا العربية ذات الأغلبية المسلمة؟ نسأل لأننا نعتقد أن هناك من يحاول أن يقرأ بشكل خاطئ ليعلم جيلاً بأكمله القراءة بالمقلوب، ليقول لهم إن التعري أمام الملأ ليس فعلا حيوانيا، بل هو طريقة أخرى للتعبيرعن الرأي، وهو دليل عافية وتقدم وثورية، فآليات الثورة التي نعرفها صارت موضة بالية، وعلينا أن نتعرف على طرق أخرى ! نسأل لنقول لإعلامنا إن عليه أن يفيق من سباته وأحلام سباق الأغاني وصناعة النجوم والبرامج المستنسخة والمملة والبعيدة عن احتياجات الناس، وإن عليه أن ينزل إلى وسط الميدان ليرى أن التحديات التي عليه أن يواجهها – إن استطاع – لم تعد تحديات، لقد صارت طوفانا. [email protected]