• يتذمر الكثير من الموظفين من تعرض رواتبهم “الهزيلة أصلاً” لاستقطاعات إجبارية بين الحين والآخر تحت مبرر «تبرعات»، وهي مسألة غير قانونية حيث لا وجود لأي نص قانوني صريح أو ضمني يعطي أي جهة كانت حق التوجيه بالخصم من مرتبات الموظفين والعبث بحقوقهم كيفما تشاء تحت أي مسمى ومهما كانت المبررات. • القانون يمنع منعاً باتاً الخصم الإجباري من الراتب تحت مُسمى «تبرعات» أياً كانت هذه التبرعات، ما لم تكن بموافقة صاحب الحق “الراتب”، ولكن هذا ما يقوله القانون، أما في ممارساتنا التي دائماً ما تكون غير خاضعة لأية قوانين أو تشريعات فإن الراتب لا حرمة له ولا قدسية، بل أصبح «ملطشة» وكل من أراد أن يظهر بمظهر إنساني في إغاثة الملهوف والمنكوب يوجه بخصم قسط يوم أو أكثر من هذا الراتب لصالح ضحايا كارثة ما أو فيضانات أو مرضى السرطان.. أو غيرها من المسائل والقضايا وما أكثرها في بلادنا، بل إن حكوماتنا المتعاقبة كانت تحرص على التبرع الإجباري لصالح قضايا خارجية في الوقت الذي نعاني فيه من ظروف معيشية غاية في الصعوبة ونحن أشد فقراً وأكثر حاجة من الذين نتبرع لهم. • مجلس الوزراء الذي يُفترض به إن يكون السلطة المسئولة عن تطبيق كافة القوانين وتنفيذها ومن ضمنها هذا القانون هو أول من يخترقه ويتجاوزه، حيث إنه دائماً ما يخرج علينا بقرارات الخصم من مرتبات موظفي الدولة تبرعاً لصالح قضية من القضايا والكوارث داخلياً أو خارجياً، وآخر هذه القرارات هو ذلك القرار الذي وجه فيه المجلس قبل أيام بخصم قسط يوم من رواتب موظفي الدولة لصالح نازحي أبين، بينما الأحرى به إذا أراد إظهار نفسه بصورة المهتم «اللي قلبه على ضحايا هذه الكارثة أو تلك» أن يوجه بالتبرع من الخزينة العامة للدولة، وإن لم تكن قادرة فلا داعي للإعلان عن التبرع، أو أن يفتح باب التبرع الاختياري أمام الجميع موظفين وغير موظفين لمد يد العون والمساعدة على أن يبدأ بأعضائه باعتبارهم القدوة، لا أن يجبر الآخرين على التبرع ليظهر بصورة إنسانية على حسابهم. • كما أن الأمر توسع مؤخراً، فبعد أن كان مجلس الوزراء هو من ينفرد دائماً باتخاذ مثل هذه الإجراءات غير القانونية أصبح الآن محافظو المحافظات ينافسونه فيها، وصاروا يوجهون بالخصم من رواتب الموظفين في محافظاتهم لصالح قضايا معينة تحت مسمى «تبرع» في محاولة لإظهار الجانب الإنساني لديهم تجاه أبناء محافظاتهم، وهو الجانب الذي يغيب تماماً في عملهم وتسييرهم لشؤون محافظاتهم ولا يظهر إلا عندما يتعلق الأمر بالتبرع من حقوق الآخرين. • وأمام استمرار هذه التجاوزات غير القانونية التي تطال حقوق الموظفين من أعلى هرم السلطة التنفيذية قد لا نستغرب أن يأتي يوم نجد فيه مسئولي المكاتب التنفيذية ورؤساء المؤسسات الحكومية يوجهون بخصم أقساط غير قانونية على موظفيهم لصالح مثل هذه القضايا والمسائل، أو أن يصل الأمر مستقبلاً إلى حد إجبار الموظفين على التبرع للوزير الفلاني أو المسئول العلاني المغلوب على أمره لأنه لا يجد تكاليف رحلة الاستجمام السنوية التي اعتاد عليها في أوروبا، وأن التبرع له ضروري جداً ويدخل في نطاق تحقيق المصلحة العامة على اعتبار أن رحلته الاستجمامية هذه ذات فوائد على الوطن، كيف لا وهذا المسئول أو ذاك سيعود من هذه الرحلة أكثر نشاطاً وحيوية وأكثر قدرة على الإبداع والابتكار وخدمة الوطن والمواطن. • ما أود قوله هنا هو أننا لا نعترض على مبدأ إغاثة المنكوبين كعمل إنساني وواجب ديني وأخلاقي، ولكننا ضد أسلوب إجبار الموظفين على التبرع، فالقاعدة الإسلامية تقول “ما أُخذ بالحياء فهو حرام”، وبالتالي فإن تبرع كهذا يؤخذ من رواتب الموظفين بالقوة ودون موافقتهم أمر غير مقبول بتاتاً، وليس ذلك فقط بل إنه ينفر الناس من الأعمال الخيرية والإنسانية. [email protected]