أنهت لجنة الاتصال يوم السبت الماضي 30 يونيو المنصرم فترة عملها المحددة بقرار تشكيلها الذي أصدره الرئيس عبد ربه منصور هادي قبل حوالي شهرين، وتركزت مهمة هذه اللجنة الرئاسية المكونة من ثمان شخصيات بينهم امرأتان في التواصل مع مختلف القوى السياسية على الساحة سواء الموجودة داخل اليمن أو المقيمة خارجه، ومن غير المعروف يقيناً ما إذا كان الرئيس هادي سيجدد للجنة لفترة أخرى لاستكمال مهامها في الترتيب لتشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي يبدو أن عملية تشكيلها ستأخذ وقتاً ليس بالقليل بسبب تعقيدات الملف السياسي اليمني وتشابك قضاياه وتعددها بل والتعقيدات التي تشوب كل ملف على حده من هذه الملفات مثل ملف القضية الجنوبية وملف الحوثيين وملفات الفوضى وملف بنية النظام السياسي القادم وإلى جانب ذلك كله قضايا الشباب وهي باختصار قضايا المستقبل التي خرجوا من أجلها ثائرين مطالبين بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح حتى تحقق هذا الهدف بينما مازالت بقية الأهداف قيد المجهول، إذ أن (إبطال الباطل) دوماً هو العملية الأكثر يسراً فيما تتجسد معظم الإشكاليات في عملية (إحقاق الحق) المتمثل في بناء النظام الجديد القائم على سيادة القانون والحكم الرشيد وقيم العدل والحرية والمساواة... وحتى تتضح الخطوة القادمة التي سيتخذها الرئيس هادي في عملية التحضير والإعداد للحوار سيكون من المهم أن تبادر مختلف التيارات بوضع تصوراتها بصورة واقعية بعيدة عن العدمية والشروط المسبقة والمطالب التعجيزية، خاصة مع وصول المبعوث الأممي جمال بن عمر إلى صنعاء صباح السبت الماضي، وهو اليوم الذي انتهت فيه مدة عمل لجنة الاتصال الرئاسية مما يؤكد أن زيارته هذه المرة معنية بشكل أساسي بالتحضير للحوار إلى جانب متابعة تنفيذ بقية مهام المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية وهي في أغلبها تمضي قدماً وإن بدا سير جزء منها بطيئاً أكثر من اللازم! يبدو ملف القضية الجنوبية أنه الأكثر تعقيداً وتشابكاً في عملية التحضير للحوار الوطني، ورغم الاجتماعات التي عقدتها لجنة الاتصال الرئاسية مع العديد من القيادات الجنوبية المعارضة في الداخل والخارج فإنها كما يبدو لم تخرج برؤية محددة أو بتصور نهائي عن الآلية التي سيتم الحوار بموجبها حول هذا الملف، ناهيك عن الإشكاليات التي ستبرز في اتجاه عملية التمثيل، سواء في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني والتي يفترض تشكيلها قريباً أو في مؤتمر الحوار نفسه الذي سينعقد بعد شهرين من تشكيل اللجنة التحضيرية حيث يفترض أن تستكمل مهامها خلالهما... وفي الحقيقة فإن الملف الجنوبي سيواجه صعوبات كثيرة، إذ من الصعب تحديد جهة معينة يمكن القول إنها تمثل كل الجنوب، فالرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي هو ابن الجنوب ومعروف عنه وحدويته وإيمانه بأن وحدة اليمن هي الخيار الوطني الأفضل لليمنيين، ناهيك عن أنه خيار يحظى بدعم ومساندة المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي ويحفظ مصالح اليمنيين بشكل كبير وفعال ويجنبهم الصراعات، منطلقاً من إدراكه العميق أن المشكلة التي واجهت اليمن الموحد لم تكن في الوحدة نفسها، بل في سوء إدارة اليمن الموحد سواء خلال الفترة الانتقالية الأولى (1990 - 1993م) أو في ما ترتب على حرب صيف 1994م من إقصاء وتعامل سيء مع الجنوبيين أو في استبعادهم بعد ذلك - الموالي منهم والمعارض على السواء - من المشاركة الفعلية مكتملة الأركان في القرار الوطني عموماً أو حتى في القرارات التي تخص المحافظات الجنوبية... كما أن الأحزاب الشريكة في الحكم حالياً لها وجودها وثقلها المعتبر، سواء في الشمال أو في الجنوب ولا يمكن اعتبار الجنوبيين المنضوين فيها أنهم لا يمثلون القضية الجنوبية لمجرد أن هذه الأحزاب جميعها ترى أن استمرار الوحدة اليمنية يعتبر الخيار الأوحد في نظرها مع استعدادها للبحث في الخيارات المطروحة لشكل الدولة اليمنية الواحدة، بدءاً من الحكم المحلي واسع الصلاحيات وحتى الفيدرالية بمفهومها الدولي المتعارف عليه... وبالمقابل سنجد أن القوى الجنوبية التي بدأت نشاطها المعارض منذ عام 2005م وتطورت مطالب بعضها لاحقاً إلى (فك الارتباط) أنها ظلت تراهن على استمرار نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في السلطة مع إدراكها أن تعنته ورفضه أي معالجات جادة سيكسبها كل يوم مزيداً من التعاطف الإقليمي والدولي لمطالبها بالانفصال، إلا أن الثورة الشعبية السلمية والإطاحة بنظام صالح ومجيء رئيس جنوبي خلفاً له قد وضع هذه القوى في حالة ارتباك، إذ أن المنطق السياسي السوي يقول إن سبب المشكلة قد ذهب وأن مبررات الانفصال قد انتهت وأن هناك اليوم فرصة حقيقية لبناء دولة القانون والعدل والمساواة وإعادة المظالم لأصحابها وتحجيم الفساد الذي دمر مقومات الدولة وأنهك مواردها، باعتبار أن مطلب الانفصال أو فك الارتباط كان منطقياً في ظل نظام ظل يصر على أنه لا توجد قضية جنوبية بل وكان يؤججها برفضه لأي معالجات فعلية، أما اليوم فلم يعد هناك مبرر للمطالبة بالانفصال وفك الارتباط في ظل التغيير الكبير الذي حصل في البلاد... وعلى الأقل فلابد من إعطاء النظام الجديد فرصته الكاملة لمعالجة كل تلك المشكلات التي ستطرح بالضرورة على طاولة الحوار الوطني وستخضع للنقاش العقلاني والمنطقي خاصة مع التأكيدات التي طرحها الكثير من قيادات الدولة بأن الجلوس على طاولة الحوار ضرورة ولا حاجة لأي شروط مسبقة طالما أن سقف الحوار مفتوح لاستيعاب كل المطالب. ومع طول مدة الحوار الوطني في مختلف مراحله سيكون لدى الحكومة - التي يرأسها أحد قادة تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وهو السياسي المخضرم محمد سالم باسندوة - فرصة ذهبية لا تعوض في إنجاز العديد من المعالجات الخدمية والبرامج الاقتصادية والخطط الإسكانية في المحافظات الجنوبية وفي مقدمتها مدينة عدن التي تعتبر صمام أمان الوحدة اليمنية ورمزها المعتبر وقلبها النابض خاصة أنها أكثر من تعرض للانتهاكات والإساءات خلال فترة الحكم السابق الذي دمر كل فرص النهوض بمينائها العالمي ولم يعط أي اهتمام لمعالجة المشكلات المعيشية الناجمة عن المتغيرات الاقتصادية العميقة في بنيتها الاجتماعية ولم يحل مشكلة الإسكان ولم يشجع الاستثمارات القادرة على توفير فرص عمل كثيرة وكانت رؤاه ضيقة الأفق محدودة الاهتمامات، ناهيك عن التصرفات العبثية في الأرض ومنحها لمن لا يستحقون... وبالتأكيد فإن أي دور فعال اليوم لحكومة باسندوة في المجالات المذكورة آنفاً سيكون داعماً أساسياً للحوار الوطني وسيسهم بشكل كبير في حل عدد غير قليل من تعقيداته وسيهيء له الكثير من فرص النجاح.