حين يتوقف القارئ أمام المشهد السياسي يصاب بالدهشة وهو يسمع من كل الأطراف عن القضية الجنوبية وهو لا يدري ماهي القضية الجنوبية.. يرى المواطن نفسه تنسحق تحت دعوى القضية الجنوبية لكنه لايدرك ماذا تعني هذه القضية، هل تعني أن يكون أبناء الجنوب مشاركين في الحكم أم تعني العدالة وإنصاف الناس وإعادة الأراضي المنهوبة لأصحابها وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتقدم الحكومة بحل مشاكل أبناء المحافظات الجنوبية وإعادة الموظفين المستحقين لوظائفهم من المدنيين والعسكريين إن كان هناك من اغتصبت وظيفته ! أم أن القضية الجنوبية تعني الرجوع عن الوحدة ليس إلا والانتقام من وحدة وطن قامت على حين غفلة من المجتمع الدولي.. إن أقل ما يقال عن القضية الجنوبية أنها موجهة ضد وحدة الوطن والمجتمع. ولست بحاجة للقول إن الذين يحملون دولة الوحدة كل عوامل الفساد إنما يتهربون من فسادهم، فهؤلاء قد حكموا بمفردهم قبل الوحدة وحكموا مؤتلفين بعد الوحدة فلماذا لم يحولوا المحافظات الجنوبية إلى جنة كما يزعمون؟ ولماذا تسكت حكومة الوفاق عن هذه الهرطقة بحق الوطن وبحق الشعب، وأين هم المثقفون والإعلاميون الذين بشرونا بالدولة المدنية التي نراها اليوم تقتص من الوحدة ومن الأمن والسلم الاجتماعي والحياة الاقتصادية للمواطن؟! ..يبدو مسار ثورتي سبتمبر واكتوبر كما لو كان يتجه للانطفاء ويبدو أن القوى السياسية قد رهنت مصير البلاد لقوى إقليمية ودولية وتواطأت على تقسيم الكعكة ..لقد أصبح الإعلام متواطئاً سواء في طرح القضية الجنوبية التي أفرغت من محتواها الاقتصادي وتحولت إلى قضية سياسية أو تغييب حقيقة ما يجري في أبين من ضخ مزيد من السلاح ومزيد من الأفراد في اللجان الشعبية الذين سيتحولون إلى جيش نظامي.. نحن أمام انحطاط وقطاعات بأكملها من الإعلام تندرج كلها في ألعاب خداع الجمهور بلا أية ضوابط مهنية أو أخلاقية. هناك أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات : لماذا دمرت وزارة الداخلية دون أن يقال الوزير كما يحدث في دولة ديمقراطية تحترم نفسها؟ ولماذا الأحزاب السياسية ومعها الحكومة أغرقوا البلاد في الصراع السياسي والخلافات السياسية وأهملوا الجانب الاقتصادي المسؤول عن هذه الأزمة؟، ولماذا لا تقدم الحكومة برنامجاً للاستثمار والسياحة وإنشاء مناطق صناعية وتشغيل ميناء عدن حتى تستطيع استيعاب البطالة ورفع المستوي المعيشي والاقتصادي للناس؟ ولماذا يعتقد البعض أن مصالحهم مرهونة بتحطيم المجال السياسي؟وهل تستطيع طبقة المنتفعين الجديدة أن تعيد بناء النظام بعد تدميره. ثمة إذاً هشاشة سياسية ليس لها من الناحية المنطقية مخرج إلا بصعود قوى سياسية ديمقراطية وحدوية لها برنامج واضح وقادرة على المواجهة ومؤمنة بها، أما اللقاء المشترك فهو يعاني من صعوبات الحفاظ على تماسكه في ظل الحراك السياسي السريع سيؤدي ذلك إلى انشقاقات وانسحابات بشأن مواقف سياسية، والمحصلة النهائية لما يجري هي فراغ سياسي تعجز القوى بوضعها الراهن هذا عن ملئه أو حتى سده ويصبح الفراغ السياسي هو اللاعب الرئيسي، لأنه سيحرك كل الأطراف بمنطق رعب كل طرف من نجاح الأطراف الأخرى في ملئه.. يبدو لي ان عقوداً من الصراع السياسي والانحطاط الإداري في جهاز الدولة والاعتماد بشكل متزايد على القبيلة لم تكن لتترك خلفها مجالاً سياسياً متماسكاً بل تركت بالضرورة فوضى وفراغاً سياسياً كبيراً ..نحن أمام جو متوتر قبلياً ومذهبياً ومناطقياً، وحال البلاد غير طبيعية ولكي تكون طبيعية يجب أن يشعر جميع اليمنيين بالطمأنينة والأمان تحت سقف دولة الوحدة، أما القرارات التي يراد منها تسليط جهة سياسية على أخرى فلا يمكن أن تؤمن الاستقرار،ولست أدري لماذا لم تطل القرارات علي محسن الذي لم يترك ما يذكر به ذكراً حسناً لذلك أعتقد ان مثل هذا الرجل لا يسع احداً من المقربين منه ومن المؤلفة قلوبهم، ممن استفادوا منه، ان يدافع عن بقائه.. أخيراً أوجه نداء إلى الحكومة : هل حان الوقت أن تكون هذه الحكومة حكومة وفاق وليست حكومة أزمة وأن تعمل على توفير الأمن والتخلص من فوضى السلاح وتحرير العاصمة وتعز من سيطرة القوى غير المحكومة بقرار وطني مركزي ؟ وهل تستطيع حكومة باسندوة تخليص الحكومة من تدخل المشايخ الذين أعادوا إنتاج القبيلة وإظهارها كاحتياطي استراتيجي للدفاع عن مصالحهم وتحريك العصبيات ،ولا أغالي إذا قلت إن الحكومة قد سلمت مقاليد أمرها إلى هؤلاء المشايخ وقدمت تنازلات قصد تجنب الاخفاق في إدارة السلطة. إن عملية استيلاء المشايخ على السلطة بالواسطة قد ساعد على عودة تيارات العنف القبلي والأصولي وبشكل أكثر شراسة، وستظل القبيلة في المستقبل القريب هي صانعة الاحداث وموجهتها في الاتجاه الذي يخدم مصالحها وهي بذلك تضع عقبات حقيقية أمام أي نهوض جدي وعلينا الا نجعل الوحدة مطية ومشجباً لتحقيق المصالح الخاصة.