حينما نتحدث عن الانزلاق إلى الوحل فإننا نتحدث بجدية، بناء على معطيات الواقع الذي نعيش والمزري للغاية ومؤشراته ليست نظرية مجردة بل موازين القوى القائمة على المصالح الانانية المفرطة للسلطة العائلية التي ذكرنا في المقال السابق هي التي تحذرنا بأننا نسلك طريق الانزلاق إلى الوحل، لأن السلط الخمس المحلية + سلطة الوصاية الدولية لا تحفل بمآلات المجتمعات اليمنية وهي معروفة الآن بأنها كارثية بامتياز، والتنافس المحموم على النفوذ بين هذه السلط يسلط الضوء على استراتيجية وتكتيكات هذه السلط متحالفة بعضها مع بعض أو منفردة لا تشجع البتة على إنتاج خارطة طريق واضحة وإيجابية تقود إلى انشاء دولة بما في ذلك الدولة المركزية الدكتاتورية بصيغة الدولة الطائفية التاريخية التي أنشئت سابقاً قبل دولة الوحدة. التيارات السياسية المروجة لصيغة الدولة المركزية والمتشحة بالطائفية الدكتاتورية تحت المظلمة الديماغوجية الدينية والتي يقدمها التيار السياسي الوهابي الذي ذهب في وقت سابق للمطالبة بإعلان الجمهورية اليمنية كدولة دينية وأن تستند إلى مرجعية من مجموعة الفقهاء الانتهازيين يريد قطع الطريق عن مرجعية العقد الاجتماعي «الدستور» ولم يكتف هذا التيار بتقديم طلبه بل روج لفكرته في المنابر التي يسيطر عليها وعبر البيانات ومازال هذا التيار يقود عملية ترويجية تجرجر المنطقة إلى فرز سياسي مذهبي مقيت يتماهى مع الاستراتيجية الإسرا أمريكية القاضية بإدخال الشرق الأوسط في فرز طائفي اجتماعياً وثقافياً ثم تفجير هذا الفرز سياسياً على شكل حرب وهابية شيعية. والتيار السياسي الآخر هو الذي يتباكى على الوطن والوطنية والوحدة الوطنية ويقوم بتخوين أصحاب مشاريع الصيغ الدولتية الأخرى كالفدرالية والكونفدرالية مدعياً ان هذه الصيغ تؤدي إلى التجزئة، وزعم أحد أعضاء فريق التخوين المستفيدين من سلطنة نجمها على وشك الافول إذا ما تحركت القافلة نحو بوابة الدولة الحقيقية بأن الفدرلة (1) تحقق قانون الغاب (2) تجعل المواطنين مجرد عبيد (3) تمنع الشعب من حقه في امتلاك السلطة ويقول لها وبتحد للنظريات والتجارب الناجحة في كثير من مناطق العالم: نعم الفدرالية التي يفرضونها هم وحدهم التي تحقق قانون الغاب الذي يشرع للقوي ليطغى على الضعيف من المواطنين وهي الفدرلة التي تجعل المواطنين مجرد عبيد وتنتزع منهم الحرية وتمنع الشعب من حقه في امتلاك السلطة (الجمهورية 2/8/2012م). وتقوم على أسس هذه المفاهيم الماكرة علاقة تحالفية شريرة بين الاستبداد السياسي الذي تمثله هذه الفكرة التخوينية والاستبداد الديني الذي تمثله فكرة تحويل الجمهورية إلى دولة دينية يتحكم ويتصرف بسكانها المتنوعين طغمة من فقهاء الجريمة الانتهازيين. إن هذا التحالف السياسي الاستبدادي الانتهازي ينطلق من مرجعية جامدة وهي ذهنية التحريم والتجريم ويستغل القهر التاريخي للعقل اليمني الذي استسلم للكساح مخلياً الطريق لفرق الموت والتكفير والتخوين. والفدرالية التي تناصبها العداء طغمة الفقهاء ودعاة المركزية المتخلفة هي الآن الضامن الأكثر حضوراً لتجنب الانزلاق إلى الوحل والذي يلوح في الأفق بسبب صراع السلطة المتنفذة المسلحة على السلطة وهي الضامن طويل الأجل لظهور ولأول مرة في التاريخ هوية كبرى أو عامة أو كما يطلق عليها البعض (الهوية الوطنية) ويمكن ان ينتسب إليها ويعتز بها كل السكان على اختلاف هوياتهم. وكان الاتحاد الفدرالي اليوغسلافي ومركزه السياسي بلغراد فخراً لمنتسبيه من المناطق التي كان بعضها قبل نشوء الاتحاد متأخرة تنموياً وأضحت بفضله متقدمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً إلا أن رغبة الامبريالية الأمريكية والأوروبية في تدمير هذا الاتحاد القوي دفعتها إلى التضحية بالسلام والسكينة في يوغسلافيا وموّلت التفكيك بأدوات متخلفة وبأموال من دول في الجزيرة والخليج .. لقد عمل الأمريكيون والأوروبيون خلافاً لسياق اتحاداتهم الاتحاد الأمريكي والاتحاد الأوروبي ليس كراهة للفدرالية اليوغسلافية وانما حباً في إلحاق الدمار بثاني أقوى اتحاد في أوروبا إبان الحرب الباردة. الآن دعاة الاستبداد السياسي الحليف الاستراتيجي للاستبداد الديني يعدّ ويحرض ويعبئ ويفرز ويصطف من أجل الانزلاق إلى حرب طائفية مذهبية بين منتسبي الوهابية ومنتسبي الزيدية وفي البدء لابد ان يشنوا الحرب ضد دعاة الفدرالية ليتسنى لهم إدارة حربهم.