يوصف اليمن بأنه من البلدان شديدة التعقيد بحكم التناقضات والمفارقات والصراعات التي لازمته في معظم تاريخه فقد ظل هذا البلد منفصلا عن مفهوم الدولة عمليا، وتائها وسط بحر هائج من الامواج المتلاطمة مع توالي ولادة الاحداث والحروب الداخلية والأزمات التي استمرت تعيد انتاج نفسها على خطى ثقافة الكر والفر او حرب داحس والغبراء، وكأن الزمن قد توقف عنده او ان معطيات الحداثة والتطور قد تجاوزته وتجاوزت حكامه ومفكريه ومثقفيه ونخبه السياسية والاجتماعية التي تماهت بشكل كلي مع هذا الواقع المختل وعلى النحو الذي اصبحت فيه غير قادرة على التأثير في الذاكرة الوطنية، وقيادة المجتمع في اتجاه ما يحقق تطلعاته في النماء والتطور بعيدا عن تلك الازمات والصراعات والحروب التي اعاقت مسار بناء الدولة والتكامل والاندماج الاجتماعي والسياسي فيها. ليس من باب التندر القول إن اليمن الذي يقبع اليوم في القاع ويصنف من اكثر الدول التي تعاني من الفقر والجهل والبطالة والأمية كان من اولى الدول العربية التي مرت بمخاضات الانتقال من حالة الكبت والاستعمار فقد خرج الشمال عام 1962م من جلباب الامامة الى شكل جديد من النظام الجمهوري فيما تمكن الجنوب من التحرر كليا من الاستعمار البريطاني عام 1967م ليعلن عن دولة مستقلة لم تنعم باستقلالها كثيرا فقد هيمن عليها التيار الماركسي الموالي لمعسكر الاتحاد السوفياتي، وفي المقابل فقد سيطر على الدولة في الشمال خليط من القوى التقليدية والعسكرية المغرقة بموروث الماضي على حساب التفكير بالمستقبل وهو ما تسبب في فشل النظامين بشقي البلاد الشمالي والجنوبي في بناء دولة حديثة تقود لتغيير حقيقي يلمسه المواطن اليمني لذلك بقي التحدي الاهم الذي يواجه اليمن حتى وبعد وحدة الشطرين عام 1990م يتمثل في بناء الدولة المدنية الوطنية العصرية التي ينصهر تحت مؤسساتها جميع اليمنيين على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات لتيقى اليمن اقرب الى اللادولة منها الى الدولة.
ولأن النظام الوحدوي قد اقيم على قاعدة هشة اسمها التوافقية تارة والشراكة الوطنية تارة اخرى رغم أن كل (الشركاء) لم يتفقوا على مفهوم الوطن يوما فإنه الذي انتج صيغة عرجاء اخذت اليمنيين وجيشهم وقبائلهم وأحزابهم وفعالياتهم الاجتماعية بكل عناوينهم الجهوية والمناطقية والمذهبية الى ميدان الاحتراب عام 1994م ليدخل اليمن منعطفا خطيرا مازال الجميع يدفع ثمنه حتى اليوم اذ انه وطيلة الاعوام ال25 الماضية وهي مجمل عمر التجربة الوحدوية في اليمن لم تغب مظاهر الخلافات والاختلافات والتقاطعات والمناكفات بين الفرقاء فقد ظل الجميع مشدودا الى ثنائية (السلاح والعنف) بل ان النتيجة العنفية قد استمرت في مفعولها تعمق الفجوة بين الجميع ان لم تنتقل باليمن كليا من وضعية الدولة الفاشلة الى الدولة الهشة العاجزة عن ضبط ايقاع الاحداث والتحكم بها.
لقد اصبحت الحالة اليمنية في المرحلة الحالية بمثابة (الرجل المريض) في شبه الجزيرة العربية ومثل هذا التشخيص لاشك وانه الذي يرتبط اساسا بتعقيدات طبيعة الصراع الداخلي الذي تنخرط فيه عدة اطراف بعد ان انقلبت هذه الاطراف على كل ما توافقت عليه في مؤتمر الحوار الذي استمر الى ما يقارب من العام وتلك قصة منشؤها إدمان اليمنيين على تقاسم السلاح والموت والدمار على حساب حقهم في حياة كريمة ومعافاة من العنف والصراع والفوضى وهي قصة تتكرر في هذا البلد الذي اضحى معضلة لنفسه ولجواره وأمته بعد ان تحول كل من فيه الى اداة هدم وتدمير على الرغم من كل المآسي التي وقعت على رؤوسهم وبينهم وطن يضيع كما يضيع القمر وراء الغيوم الملبدة في السماء.