ثمة رئيس عربي جديد يحكم بدون مؤسسات ولا يستشير مستشاريه المقربين قبل إصدار قراراته، ويتخذ قرارات مصيرية على عجل وبعد أن يرفضها شعبه لشموليتها أو لعدم دستوريتها يضطر بعد ساعات أو أيام إلى التراجع عنها أو استبدالها بقرارات فردية مماثلة وبما يسقط هيبته ويفاقم الأزمة ويرفع حدة الاحتقان الشعبي، هذا هو الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي الذي يعتبر للأسف أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة شعبية عظيمة ولكنه أول رئيس مصري أيضاً يضع شعبه على حافة الهاوية وشفير الصراع والانقسام الداخلي بين أبناء وفئات وطوائف الشعب المصري العزيز وربما لأول مرة في تاريخ مصر. خلال خمسة أشهر فقط من حكمة أصدر الرئيس مرسي قرارات خطيرية ومصيرية تبين أخطاؤها وخطورة تداعياتها ومع أنه اضطر للتراجع عن معظمها ولكن دون أن يحل الأزمة التي خلفتها. -في البداية أقسم اليمين الدستورية مرتين في أماكن غير دستورية وبدون مبرر كافٍ سوى محاولة الاستعراض أمام الجماهير الثائرة ربما لتغطية نهجه الثوري ما اضطره أن يقسم يميناً دستورية ثالثة صحيحة بعد محاولة التمنع والرفض بدون حاجته إليها. -ثم اتخذ أول قرار خطير أبطل فيه حكما قضائيا وأعلن إعادة شرعية مجلس الشعب المحكوم ببطلانه قضائيا لكنه سرعان ما تراجع عن القرار بعد الرفض الحاسم للقضاء ولبقية القوى السياسية والشخصيات الوطنية المعتبرة.. ومرت الهفوة بسلام على مرسي وعلى جماعته زكذلك الأزمة بدون تداعيات كبيرة، ولكن بدأت صورة الرئيس المصري المنتخب تهتز في وعي شعبه وناخبيه، وبدا العديد من الناس فضلا عن النخب السياسية يتساءلون هل الدكتور مرسي رئيس بحجم مصر والمصريين وهم أكثر الشعوب العربية اعتزازا بوطنيتهم وبمكانة بلدهم في المنطقة والعالم. -في وقت لاحق وبعد أشهر أقال الرئيس مرسي النائب العام عبد المجيد محمود بقرار رئاسي ولكن غير دستوري وهو ما اعتبر أول تدخل صارخ في شئون السلطة القضائية من قبل الرئيس ومؤسسة الرئاسة لكنه سرعان ما تراجع عنه بعد ساعات "أصدر القرار في الصباح وتراجع عنه في المساء !"مبقيا على النائب الشرعي ومبتلعا أول هزيمة معنوية مدوية لمكانة وهيبة مؤسسة الرئاسة ومن خلال هذه الهزيمة المريرة اكتشف مرسي وجماعته صعوبة معركتهم مع القضاء المصري العريق والمشهود له بالحيادية والاستقلالية نسبة لحال القضاء في العالم العربي ومناطق أخرى من العالم. -وبدلاً من أن يكون خطأه الأول بخصوص إقالة النائب العام عبرة له ولجماعته بضرورة التقليل من رغبتهم في ما يسمونه "تطهير القضاء" ارتكب خطأ كبيراً آخر مثَّل ثالثة الأثافي وبدوافع الهيمنة على القضاء من ناحية وثأرية انتقامية تجاه النائب شخصيا من ناحية أخرى. والمقصود هنا أصدر الرئيس مرسي إعلاناً دستوريا منح فيه نفسه سلطات مطلقة محصنا جميع قراراته السابقة واللاحقة أمام القضاء ومنح لنفسه حق تعيين النائب العام دون الرجوع إلى المؤسسة القضائية، وقام بتعيين نائب جديد من "أهله وعشيرته" وأحد المرضيّ عنهم من قبل جماعته وحزبه السياسي، وهو القرار الذي أثار غضب رجال القضاء المصري والنخب السياسية وفئات واسعة من شعبة وهو الإعلان الذي أحدث أزمة حادة وكبيرة لا تزال مصر تعيش تداعياتها حتى اللحظة. ومع أن الشعب بغالبية قواه السياسية وفئاته الاجتماعية وطوائفه الدينية قد عبر عن رفضه القاطع للإعلان الدستوري بمظاهرات مليونية غطت ميادين الثورة المصرية في جميع المحافظات إلا أن مرسي لم يتراجع عن الإعلان في البداية وبدلا من ذلك ضاعف الخطأ بقرار مكمل تمثل بإصراره وجماعته على إنجاز مشروع الدستور بدون توافق وطني وعبر الجمعية الدستورية المطعون بشرعيتها ولم يتبق في عضويتها سوى غالبية من أعضاء جماعة الإخوان وحلفائهم من السلفيين، وقد استمر هذا العناد حتى سقطت الدماء أمام قصر الرئيس ما أدى إلى رفع مطالب الثوار وأصبحوا يطالبون أو بعضهم بإسقاط شرعية الرئيس مرسي نفسه. بعد لغط وجدل حاد ودماء سالت ومقرات أحرقت وجماعات أهينت وأسقطت شعبيا أولها جماعة الرئيس نفسه قرر الرئيس أو جماعته التراجع عن الإعلان الدستوري المثار من حوله الجدل، وهو القرار الذي اتخذه منتصف ليلة أمس السبت إلا أنه أبقى على الآثار التي ترتبت عليه مصرا على موعد الاستفتاء الدستوري الأمر الذي أجج حالة الاحتقان الشعبي وقد تؤدي إلى تداعيات الاستفتاء إلى مزيد من العنف والانقسام وبما يهدد جديا شرعية الرئيس نفسه وما هو أخطر منها وبما يتعلق بأمن واستقرار ووحدة مصر نفسها. اليوم مصر والمصريون يقفان على مفترق طرق حادة وخطيرة فإما أن يتراجع الرئيس الجديد والمهددة شرعيته شعبيا ودستوريا عن إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور والدعوة إلى حوار وطني والتحقيق مع من حرضوا على العنف وأنزلوا مليشياتهم لممارسته أمام قصر الرئيس نفسه وهو ما سيزيد من حالة اهتزاز مكانة وهيبة الرئيس أكثر مما هي عليه الآن، وإن كانت لا تزل أقل الخيارات كلفة أو أن مصر تدخل أزمة وطنية ينقسم فيها المصريون إلى قسمين أو أكثر. مطلوب من مرسي أن يمتلك الإرادة والشجاعة كرئيس للمصريين جميعا وأن يتحرر أكثر من هيمنة جماعته على قراره وعلى مصيره ومصير الشعب وهذا ما ستؤكده الأيام القادمة. يبقى أن نقول أن أنموذج الرئيس الإخواني محمد مرسي يؤكد أن وجود رئيس ضعيف على رأس السلطة، وقراره من خارج مؤسسة الدولة لا يقل خطورة عن وجود رئيس باطش أو عنيف على قمة السلطة، أما نحن فلا يسعنا إلا أن نبدي أسفنا الشديد تجاه خيبة الأمل الكبيرة التي أصابنا بها الدكتور مرسي وجماعة الإخوان والجماعات الدينية عموما فيما يخص الفصل مراهناتنا على إمكانية الفصل بين الجماعة والدولة من ناحية، وضرورة القبول بمبدأ الشراكة الوطنية مع بقية فئات الشعب الأخرى، وبالذات فيما يخص القضايا المصيرية وتلك التي تتعلق بحياة ومستقبل جميع المواطنين بعيدا عن الأغلبية والأقلية في السلطة والمعارضة .. *تغريدة الإخوان في مصر يعملون بكل الطرق لكي يستحوذوا على كل السلطة وكل المعارضة لا يوجد منطق لكي يكون الحزب في قمة السلطة وفي ميادين الاحتجاج في الشوارع.