كان آخر حوار بين القوى السياسية في فبراير عام 2009م، حيث اتفق المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك على تأجيل الانتخابات لمدة عامين، ومن حينها ونحن ننتظر الانتخابات. حينما يتم الحديث عن الحوار في اليمن، فهذا يعني أننا أمام أمانٍ مؤجلة، يعود السبب في ذلك إلى أن الأحزاب السياسية تعلي ما هو سياسي على حساب ما هو اقتصادي وثقافي. لقد أصبحت السياسة هي التي تصنع تفاصيل الحياة اليومية، وهي التي ترسم ملامح المقياس الأبرز للتوافق أو الاختلاف، التقارب أو التباعد. نحن أمام أحزاب تقوم ثقافتها على الصراع والإقصاء، فهل ننتظر منها أن تذهب إلى مؤتمر الحوار. من يتأمل الحياة السياسية اليمنية يلاحظ أن هناك سمات مميزة لعملية إعادة إنتاج نمط الأزمات. لقد أدى الاتفاق على تأجيل الانتخابات إلى مزيد من الاحتقان والعبث بالدستور، حيث اختلطت الاتجاهات وغابت مرجعيات الاستناد والقياس، فتغير المسار وتبعثرت الأوراق، وتشتتت الرؤى، وانفجرت التناقضات، وتاهت خطوط القضايا الوطنية بين ما هو جوهري، وما هو ثانوي، وبهتت الأهداف الوطنية وضاع الوطن وسط الخلافات الحزبية والأسرية العقيمة. إن السياسيين اليمنيين وبحكم مفارقة عجيبة أحيوا التعصب الحقود الذي أرادت دولة الوحدة طرده من مسرح التاريخ.. لقد أعادوا بناء الأضرحة والمعابد، منتهين بالوطن إلى ثنائيات مقيتة كلها تستند إلى ذاكرة دموية، تتبع هواها في ثنائية شمال/ جنوب، حوثي/ إصلاح، نظام قديم/نظام جديد، أطراف، تفضل دونما سبب وطني حقيقي التضحية بشبابها بدلاً من التضحية بديناصوراتها. كل هذا والجميع يتناظرون بعين التوعد على حماية ما يؤذي الوطن، لقد اتفقوا على تأجيل الانتخابات ليكون هذا الاتفاق بيئة خصبة للانقسام، حيث كان هذا الاتفاق مليئاً بعناصر التفجير السياسي، ومفعماً بالإحباط جراء التمديد الذي جاء تبعاً لحسابات خاصة، واستناداً لامتيازات جناها من كانوا يلهثون وراء مصالحهم. وفي تقدير العارفين ومعلوماتهم أن مؤتمر الحوار لن يتم، لأن أطراف الحوار لا تبدع إلا عقبات انتهازية، ولا تتقن إلا الترتيبات الكيدية، ولا يعنيها الوطن ومستقبله. وعلى هذا الأساس أضحى المواطن اليمني يعيش حياة يسكنها الأموات، ولهذا لا شيء أكثر ظهوراً من المقابر التي حلت بدلاً عن الحدائق والمدارس والمستشفيات.