من بين الكثير من المشاكل يواجه الرئيس عبدربه منصور هادي مشكلة تأسيس خط تواصل طبيعي كأب ورئيس لليمنيين مع مختلف الشقق والبيوت والفلل، وحتى الطيرمانات التي تحيط به شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ويبدو أن أعقد جوانب هذه المشكلة ليس فقط غياب الكادر بل انعدام السياسات، وأكثر جوانب هذه الأزمة فداحة أنه يلعب بالأطراف ولا يلعب من خلال الأطراف، فالمشورات التي يتلقاها مكائد وكمائن أكثر منها نصائح، وهي تملي عليه فتح جبهات صراع أكثر من أنها تقوم بإغلاق منافذ أزمات وصد رياح قادرة على اقتلاع الأخضر واليابس. هو حكم لكنه يجبر على أن يكون طرفاً من خلال استغلال ومضات أو عبارات أو مكاشفات لا يمكن أن يؤسس عليها صراع؛ لأن ما بينه وبين صالح أكبر وأعقد من اختلافات جزئية لم تكن أصلاً ذات معنى حين كان الرئيس رئيساً، والنائب نائباً ولا يمكن الاعتماد عليها لصياغة تاريخ علاقة شائكة لبنية تطور سياسي لشعب يمر بواحدة من أعقد محطات تاريخه. في البداية قدمت قرارات هادي باعتبارها عنوان عداء لعائلة صالح وفجأة نجد أن عائلة صالح هي من تبارك هذه القرارات والجميع يغادر المشهد بلا صخب، وكان أحمد علي على جذوة هذا الوقار وعنوان التربية السوية يبقى لأكثر من شهر في إيطاليا وعواصم أوروبية أخرى دون أن يحرك ساكناً ضد قرار (حل) مؤسسة عسكرية هي واحدة من أنبل وأعظم وأفضل وأقدر وأكفأ ما يفترض أن نقبض عليه ليس فقط بأيدينا ولكن بضميرنا وأرواحنا وكل خلجات مهج الرعاية للأبناء والأحبة ليغادر أحمد ولكن يبقى الحرس، فقيل إن هذا القرار كان يمهد لتأسيس البنية التحتية لخيار الانفصال عبر استنزاف طاقة الردع لمثل هذا الخيار بتفكيك الحرس الجمهوري. ثم جاءت قصة الحديث بلا كاميرا وبلا تسجيل التي أعادت إلى الرئيس –النائب الأول- الأمين العام مسئولية إطلاق تهديد بإزاحة ومحاكمة علي عبدالله صالح وكأن الحديث قد أخذ منحى تصعيدياً كاد أن ينقل الصراع إلى معسكر المؤتمر وبين رئيس غادر السلطة ورئيس يتولاها، ولكن شاءت الحكمة أن يتم لملمة أوساخ الإعلام وتجاوز فكرة الحاجة إلى أن المبادرة الخليجية أرضية واضحة وضعت صالح خارج السلطة ونصبت هادي في سدتها إلا أن اللعبة يبدو أنها لم تنته، ففي الخبر المنقول على لسان الشلفي رغم أنه مصدر غير موثوق وحرفيته قد فقدت مصداقيتها خلال الأزمة إلاّ أنه ملأ الدنيا صخباً وكأنه يغتصب حق هادي في كتابة ذكرياته، وينتزع منه احتياجاته في تسريبات قال عنها مكتب رئيس الجمهورية أنها ملفقة ولا تخدم المصلحة الوطنية العليا، أي أن الصراع المرغوب بين هادي وصالح لا يخدم المصلحة الوطنية العليا. وُصف بأقذع وأحقر ما يمكن أن يرد به على صحفي يحترم نفسه أن يكون مصدراً للافتراءات وأداة لزعزعة الاستقرار. إذاً هناك إدراك حصيف لأبعاد التسويق السوقي لمزاعم صراع بين رجل غادر السلطة وآخر في سدتها، وأعتقد أن التلهف والتسرع في زج هادي في عمق مهزلة سياسية كالربيع العربي يشير إلى أننا إزاء ملعب سياسي علينا التعامل معه بأقل قدر من الاحترام والجدية حتى نحافظ على مكاسبنا.... كلا.. لنحافظ على أنفسنا