في مؤتمر صحفي مصغر عقده يوم 27 يونيو 2012 بمبنى سفارة واشنطن بصنعاء ، وصف السفير الأمريكي السابق باليمن جيرالد فايرستاين الشعارات التي يرفعها الحوثيون " الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل " ب" المضحكة والسخيفة " مشيرا إلى أن تلك الشعارات لا تقلق بلاده . فايرستاين الذي اختفى عن الأضواء منذ انتهاء فترة عمله بصنعاء أواخر سبتمبر 2013 ، أعادته قناة الجزيرة القطرية من الإرشيف ليكون ضيف حلقة برنامجها " بلا حدود " ليوم 23 أغسطس الجاري ، في مقابلة تلفزيونية رأى مراقبون أنها لم تكن مجرد عمل صحفي بحت أو أن توقيتها جاء " مصادفة " ، وإنما تم الترتيب لها عبر تنسيق إستخباراتي ، دلت عليه الرسائل التي وجهتها واشنطن على لسان سفيرها السابق ، وفي وقت كانت فيه جماعة الحوثي تعيش لحظات صعبة ، وعشية التحشيد الملاييني لإحياء الذكرى ال35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي .
السفير الأمريكي السابق في اليمن قال عبر شاشة الجزيرة أن إنهيار التحالف بين الرئيس اليمني السابق والحوثيين أمر حتمي لأن أهداف الطرفين متعاكسة تماما .
وأضاف فايرستاين أن عودة صالح إلى السلطة ستكون كارثة أكبر من الكارثة الحالية في اليمن ، وقال أن يدي صالح ملطختان بالدماء ، مشددا على أنه يجب عدم السماح لعائلة صالح بالعودة إلى السلطة والإستفادة من دمار اليمن .
ومثلما أن كلام فايرستاين عن صالح قد أظهر بوضوح هوية " الطرف المبغوض أمريكيا " فهو في سياق آخر قد كشف بجلاء عن الطرف الذي تراهن عليه واشنطن لإستمرار الحرب وحالة الفوضى في اليمن حين قال أن " الولاياتالمتحدة ليس لديها تأثير قوي يجبر أطراف النزاع في اليمن على الجلوس,إلى طاولة المفاوضات " .
تلك التصريحات الخطيرة جاءت متسقة تماما مع ضوء أخضر قدمته الإدارة الأمريكية السابقة ، والمقصود هنا ذلك اللقاء غير العادي الذي إحتضنته العاصمة العمانية مسقط يوم 14 نوفمبر2016 بين وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري و وفد الحوثيين برئاسة محمد عبدالسلام ، و يومها صرح كيري بأن " لا دور لعبدالله صالح في مستقبل اليمن " ، كما أنه لم يطلب حينذاك إعترافا حوثيا كاملا بمبادرة المبعوث الأممي " التي هي مبادرة الوزير الأمريكي " وإنما طلب موافقة مبدئية .
و إجمالا فإن ذلك اللقاء الأمريكي الحوثي المباشر لم يفضي إلى تحريك المفاوضات المتعثرة ، بقدر ما أنه منح الحوثيين إعترافا و ضوءا أخضر أمريكي بأن عليهم التحرك منفردين والتنصل من قيود التحالف مع صالح .
و إزاء كل ذلك لا يحتاج المواطن اليمني البسيط إلى قراءة معمقة وتحليلات إضافية حتى يفهم خلفية التحركات الحوثية الأخيرة و إستهداف الجماعة لقيادات المؤتمر الشعبي العام ، وحملات التخوين لشركائهم الوطنيين في جبهة مواجهة العدوان .
فالحوثيين الذين لم يفهموا حتى الآن أبجديات العمل الوطني ، ولا طبيعة المجتمع اليمني ومنهجيته الوسطية التعايشية الرافضة للمشاريع الكهنوتية والعنصرية والإستعبادية ...يبدو جليا أنهم فهموا شيئا واحدا فقط ؛ وهو أن واشنطن أحوج ما تكون إليهم للإبقاء على حالة الحرب والفوضى الخلاقة في اليمن ولإخافة وإبتزاز جيران اليمن النفطيين .. على العكس تماما من صالح وتياره السياسي القادر على التصالح مع محيطه الداخلي والخارجي ، وجر البلد إلى مربع التسوية و مناخات الإستقرار ..وهو ما لا تحبذه الإدارة الإمريكية .