حسنة رجال الدين أنهم يقدمون لنا درساً مهماً ينبغي أن نفهمه، وهو أن من يُطلق عليهم شيوخ وعلماء، يتلاعبون بالدين ويتاجرون به، وعلاقاتهم بعضهم بالبعض الآخر يسودها الطعن في الذمم والتشكيك في المصداقية، ويتبادلون التهم والشتائم المقذعة، فعندما يختلفون حول المصالح السياسية، يطوِّحون بالدين ومعه الأخلاق. الدرس الذي ينبغي فهمُه، أن هؤلاء لا يستحقون هيبة، وفتاواهم وخطبهم يجب أن تخضع للنقد، ولا يقبل منها إلَّا ما كان يتعلَّق بأركان الإسلام والإيمان، أما ما يتعلق بالسياسة وأمور الدنيا، فلا ينبغي الركون إليها، بل ينبغي أن تُهمل. هل تحترم الزنداني مثلاً، عندما يفتي بشيء، ثم يفتي ضده لدواعٍ حزبية؟.. يحرِّم الاختلاط بين الذكور والإناث، وعمل المرأة، وخروجها إلى السوق.. وأثناء الأزمة السياسية أفتى بوجوب مرابطة النساء في "ميادين الحرية وساحات التغيير" ليلاً ونهاراً، وشبَّه مبيتهنَّ في الشوارع بمبيت النساء في منى أثناء موسم الحجيج بمكة! يوسف القرضاوي يفتي حسب الطلب، والهوى الحزبي، فاليوم يفتي بوجوب توجُّه المسلمين من العالم قاطبة إلى مصر للجهاد في سبيل عودة حكم جماعة الإخوان المسلمين.. وقبلها أفتى الجنود الأمريكيين المسلمين الموجودين ضمن الجيش الأمريكي في أفغانستان بأن مقاتلة المسلمين الأفغان واجبة عليهم، ولا يجوز لهم "أن يريحوا ضمائرهم بالتخلف عن الحرب"، لأن تخلفهم عن الحرب في أفغانستان يشكِّك في ولائهم لوطنهم أمريكا، ويضر بالمسلمين فيها.. قبل الظهر يفتي يوسف القرضاوي أن الثورة الإيرانية ثورة إسلامية.. والقائمون عليها هم جماعة إسلامية.. وعلى "جميع المسلمين عامة، والحركات الإسلامية خاصة" أن تؤيد ثورة إيران كلَّ التأييد، وتتعاون معها في جميع المجالات.. أما عند الأصيل فيفتي بأنه لا يمكن التقريب بين من يقول: عمر رضي الله عنه، ومن يقول: عمر لعنه الله! لماذا علينا أن نتهيَّب مسمَّى "العلماء"، وهم يسفهون بعضهم بعضاً بلا رحمة، ويتسابقون في مضمار إسقاط الهيبة؟ القرضاوي يشتم شيخ الأزهر، وشيوخ الأزهر يُسفِّهون القرضاوي.. شيوخ السلفية عندنا يسفِّهون شيوخ الإصلاح، وشيوخ الإصلاح يتكلمون عن غيرهم بلسان الحطيئة، وهيئة علماء الزنداني تطعن في أخلاق وتدين علماء اليمن.. علماء السنة يكفرون علماء الشيعة، وعلماء الشيعة يكفرون بعض علماء السنة.. محمد الغزالي تكلم عن "علماء" الإخوان في مصر، وقال: هؤلاء الجبناء، كانوا يقبِّلون يد حسن البناء ظهراً وبطناً، ولما مات هرعوا إلى القصر الملكي يقيِّدون أسماءهم في سجل التشريفات.. فهل تفهمون؟