من فضائل اختراع التلفاز أنه يجعلك تحب أشياء لم ترها من قبل.. كما يجعلك تكره كلمة "التنمية" و"الإنجازات" و"الأمن والاستقرار" خصوصاً إذا كنت تشاهد إخبار الفضائية اليمنية، وغيرها من فضائيات حجر الأساس واستقبل.. وودع.. وغادر.. وعاد، لكأننا مواطنين راقدين في الفرزة ولسنا في دولة تعنيها ذائقة مواطنيها. اعترف أن تلفزيون "سلطنة عُمان" يحمل روحي ووجداني وكل مشاعري وأحلامي الجميلة – دائماً - إلى شوارع مسقط ويقعدني تحت نخيل ظفار ويشركني في مهرجانات خريف صلالة دون جواز أو فيزة، أو حتى تذكرة سفر . أعشق هذا البلد الهادئ.. ولا أعرف أحداً فيها غير السلطان "قابوس بن سعيد" أراه بلحيته الشهباء وعصاه وخنجره المذهُب وأبتسم بصفو لكأني ابتسم لجار مسالم ولا أحد يسمع له صوت. كل ما في الأمر أن هذا البلد"نيجاتيف" مطوَّر لصورة بلدي التي جعثها العسكر وزعماء القبيلة وأحالوها إلى ذاكرة من حروب وفيد. غير مرة كنت أشاهد برنامج في تلفزيون "مسقط " عن الحيوانات البرية في الصحراء، وبعض الجبال.. شدتني براعة التصوير ومطاردة الكاميرا لحيوان "الوعل" ومن غير أن أدقق النظر، لمحت في أحد أركان الشاشة التلفزيونية عبارة "عام البيئة" فاحترمت هذا البلد أكثر وأكثر، وتمنيت لو أن ظفار القديمة، حملت جدي الأولى إلى "الجبل الأخضر" بدلاً من جبل "صبر" حيث القات والشقر، و"دار النصر" الذي لم ينتصر لأحدٍ! وأصبح – مؤخرا- منتزها فخما بني على نفقة مهندس الصحراء الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله. بين المهرة وعُمان.. أقل بكثير من المسافة التي بيننا وبين أبسط مسئولٍ يتحدث عن العلاقات الإنسانية، ولا يترجم ذلك إلى سلوكٍ! وبين آخر نقطة في حدود اليمن، وأول نقطة في حدود عُمان، مسافة بسيطة.. مثل المسافة بين عين وعين. لكن المسافة بين إحساس بعض مسئولينا بالجمال وإحساس مسئوليهم يحتاج لأن يعود الرحالة ابن بطوطة من جديد. يستطيع أي واحدٍ منكم أن يأخذ "الرسيفر" ويبحث عن قناة السلطنة.. وعن جارتها اليمن في وقتٍ واحدٍ.. وعند انتصاف الليل سيجد "شاشتنا" كئيبة لكأننا في مأتم وسيجد في تلفاز"عُمان" صف من الرجال والنساء بزي أخضر وموحد كل منهم يحمل آلة موسيقية في يده ويعزف للمستقبل سمفونيات ولا أروع، واحنا في كل يوم نعزف قوارح وأخبار موت متكاثر. حتى الخنجر في عمان لا يطعن، أما الجنبية عندنا ما ترجع إلا ب دم ؟! [email protected]