نشرت قوات الاحتلال الاسرائيلي وثائق جديدة بمناسبة الذكرى الأربعين فى هزيمتها الساحقة فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 على يد القوات المسلحة المصرية، تتعلق بمحاولات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للتجسس على برنامج الصواريخ المصرى فى ستينيات القرن الماضى والفترة التى سبقت اندلاع المعركة. وجاء فى التسريبات التى نشرتها صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن تل أبيب كثفت جهودها الدبلوماسية السرية مع ألمانيا لمعرفة تفاصيل البرنامج الصاروخى المصرى بعيد المدى "قادر" و"ظافر" الذى كان يقوم على تطويره عدد من الخبراء والعلماء الألمان. فقد قام نائب وزير الدفاع حينئذ شيمون بيريز، بإرسال برقية لوزير دفاع ألمانيا الغربية فرانز جوزيف شتراوس، فى أغسطس 1962 جاء فيها: "إسرائيل تأمل من سيادة المستشار الألمانى ومن سيداتكم بأن تفعل ما فى وسعها للمساهمة فى أمنها بإيجابية ومن خلال وقايتها وحمايتها بعدم تشجعيها لمصر". وأوضحت هاآرتس أن تصريحات بيريز فى برقيته لنظيره الألمانى أرسلت من خلال القنصلية الإسرائيلية فى "كولونيا" حيث كانت السفارة الإسرائيلية تعمل بشكل غير رسمى فى ألمانيا قبل هذا العام بثلاث سنوات قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤكدة أن تل أبيب حاولت إقناع ألمانيا لمنع العلماء الألمان والفنيين فى المشاركة لتطوير الصواريخ المصرية وربما حتى أسلحة الدمار الشامل لمصر. وقالت الصحيفة العبرية إن تلك البرقية تعد وثيقة من عشرات الوثائق التى أفرج عنها أرشيف الدولة مؤخرا كما تعد جزء من سلسلة تسمى "وثائق حول السياسة الخارجية لإسرائيل"، وذلك بمناسبة مرور 40 عاما على هزيمتهم فى حرب أكتوبر. وكشفت هاآرتس أنه قبل ثلاث سنوات من العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين وتحديدا فى عام 1965، عقدت العديد من المناقشات بين ممثلى إسرائيل وألمانيا الغربية حول أقسام مختلفة، بما فى ذلك محاكمة بعد السياسيين الذين تورطوا فى العمليات النازية ضد اليهود، والتعويضات الألمانية لتل أبيب وغيرها من المشاكل التى خيمت على العلاقات بينهم بما فى ذلك مسألة العلماء الألمان الذين عملوا فى مصر.
وحول تفاصيل الجهود الإسرائيلية لإفشال برنامج مصر الصاروخى فى عهد الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر، والذى استكمله الزعيم محمد أنور السادات، قالت هاآرتس، إن القضية بدأت فى شهر يوليو عام 1962، عندما نفذت مصر تجربة إطلاق صواريخ ناجحة فى ذكرى احتفالات مصر بثورة 23 يوليو، حيث قام مجلس قيادة الثورة فى هذه الفترة بعرض عسكرى فى شوارع القاهرة ظهر خلاله نوعين من الصواريخ بعيدة المدى وهى "قادر" و"ظافر". وقد جمعت إسرائيل معلومات كبيرة منذ تلك الفترة عن الصواريخ المصرية التى تطويرها بمساعدة من العلماء الأجانب خاصة من ألمانيا الغربية، وذلك بعد تلقيها أنباء عن إمكانية وجود مواد مشعة استخدمها المصريين بمساعدة الخبراء الأجانب لإطلاق الصواريخ، مما جعل "الموساد" يسعى للتحقق حول هذا الموضوع لحماية أمن إسرائيل والعمل ضد العلماء. وفى الوقت نفسه، عملت إسرائيل أيضا لعودة العلاقات السياسية مع ألمانيا، حيث قام شيمون بيريز فى أغسطس 1962، بلقاء وزير الدفاع الألمانى، فرانز جوزيف شتراوس، وطلب منه رسميا بإيقاف ألمانيا لمساعدتها العسكرية لمصر. وقال بيريز لنظيره الألمانى أن الصواريخ بعيدة المدى التى أطلقتها القاهرة خطيرة للغاية وتسببت فى قلق بالغ فى إسرائيل، مشددا على أن تلك الصواريخ قد توجهها مصر لإسرائيل فى يوما ما ومهاجمتها. وأضاف بيريز الذى يشغل حاليا منصب رئيس إسرائيل لوزير الدفاع الألمانى: "أن الأسلحة التى تأتى لمصر من روسيا أو جمهورية التشيك، هى أسلحة متقدمة للغاية، ومصر نفسها لا تستطيع تطوير تلك الأسلحة بمفردها على مستوى علمائها، ونحن نعلم جيدا أنها لا يمكن أن تتطور من دون مساعدة جدية من الخارج، وبالتالى فإن السؤال هنا من الذى ساعد مصر؟.. فأنا قد جئت هنا إلى برلين من منطلق الصداقة الشخصية بيننا، وأنا سأتحدث بلغة واضحة لوضع لكم الأمور على طبيعتها وإحاطتكم علما بخطورة هذه المسألة، فالإجابة على سؤالى السابق تأتى من شعبكم حيث يقوم العلماء الألمان بتطوير الصواريخ المصرية، وبالتالى فقد صدمنا عندما علمنا أن ألمانيا متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر فى تطوير الجهود المصرية - السوفيتية لتدمير إسرائيل، وأنا أجد من واجبى أن ألفت انتباهكم إلى الصورة التى ترسمها مصر ضدنا". وأوضحت الوثائق الإسرائيلية أن الوزير الألمانى أكد لبيريز قائلا: "كيف يتم ذلك ووكالات الاستخبارات من جمهورية ألمانيا الاتحادية ليست لديهم فكرة عن كل هذا النشاط؟"، مضيفا: " لا أحد من السفارة الألمانية فى مصر على بينة من كل هذا التطور"، وطالب بيريز أن يعرف أنه لا تناقض فى هذا الموقف لأن من بين كل الأمور الهامة هى أن حكومة ألمانيا الغربية تسعى لخلق علاقة جديدة مع الشعب اليهودى. وأضاف وزير الدفاع الألمانى أن ألمانيا الغربية سوف تفعل ما فى وسعها للمساهمة فى أمن إسرائيل من خلال المساعدة الإيجابية ومنع تشجيع العدو على تطوير صواريخه. وأوضحت الوثائق أيضا، أنه فى يوم 20 مارس 1963 ناقشت وزير الخارجية حينئذ جولدا مائير، داخل أروقة الكنيست مسألة العلماء الألمان فى مصر، قائلة: "أننى علمت مؤخرا أن مجموعة من العلماء و مئات من الفنيين الألمان موجدين فى مصر تجار لتطوير الصواريخ الهجومية هناك، وأيضا تطوير أسلحة يحظرها القانون الدولى والتى تستخدم فقط بغرض تدمير الأرواح". وأضافت مائير: "منذ وقت طويل تسعى مصر لتخزين الأسلحة لتحقيق الهدف المعلن وهو تدمير إسرائيل، ومنذ سنوات تدفقات الأسلحة إلى مصر، ومؤخرا أضيف عنصر جديد وهو مجموعة من العلماء ومئات من الفنيين الألمان لمساعدة مصر فى تطوير الهجوم الصاروخى وتطوير أسلحة الدمار الشامل". وقالت جولدا مائير: "إن الحكومة الألمانية لا يمكن أن تبقى غير مبالية إلى حقيقة أنه بعد 18 عاما من سقوط نظام هتلر، والذى تسبب فى إبادة الملايين من اليهود، ومرة أخرى أبناء هذه الأمة تسعى إلى تدمير إسرائيل، من خلال العلماء الألمان الذين نجو من الموت عقب سقوط هتلر". وأوضحت هاآرتس أنه جنبا إلى جنب مع الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية مع الحكومة الألمانية، لإحباط النشاط الألمانى فى مصر، اختفى أحد العلماء فى مصر وتلقى آخرون تهديدات مباشرة، وألقى القبض على اثنين منهم من خلال عملاء الموساد فى سويسرا.