في استعراض عام لآراء المواطنين في صالح مجيد الدول العربية، من خلال وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت، نجد أن الغالبية الغالبة مازالت تؤيد نظام صدّام حسين، متمنية عودته إلى حكم العراق. ويعتقد العديد أن صدّام أنموذج لل«سوبر مان» القومي، ومثال للعزة والكرامة العربية. وبعضهم يعتقد أنه مازال حياً، ويؤمن البعض الآخر أن وجهه مرسوم على سطح القمر، كما روّج لذلك مؤيدوه في العراق عبر رسائل الهواتف النقالة بعد إعدامه. ومعروف أن أغلب الدول التي يجري فيها هذا الترويج - بدعم من حكوماتها طبعا- تفتقر إلى أنظمة ديمقراطية، ما عدا الكويت ولبنان اللتين تتمتعان ببرلمانات فاعلة، مع فارق أن الكويت ذاقت حقيقة نظام صدّام حسين منذ غزوه لها العام 1990 ومدِّ حكمه عليها متجاوزا القوانين والأعراف الدولية، وسيادة دولة لها علمها ودستورها وعضويتها في الأممالمتحدة.. هذا الحكم الذي أسقط قناعه بنفسه، وقدم تعريفا مجانيا لوجهه الحقيقي أمام المجتمع الكويتي، ليكون شاهدا تاريخيا عليه أمام المجتمعات العربية الأخرى، والعالم. وبني موقف الدعم العربي الدولي لنظام صدّام حسين بعد دخول القوات الأميركية وحلفائها إلى العراق العام 2003، حيث بدأت المؤسسات الإعلامية العربية بخلط الأوراق وترجيح فكرة «الاحتلال» على فكرة «إسقاط الدكتاتورية»، وتشبيه الإرهاب في العراق بالمقاومتين السياسية - السلمية لفتح، والعسكرية لحماس في الأراضي الفلسطينية. ورافق هذا التوجه دعم لوجستي عالٍ لقياديي النظام السابق وعسكريّيه وإعلاميّيه ورجال أعماله وكتابه وشعرائه وفنانيه في غير دولة عربية. ففي سورية وصلت المواجهة بين الحكوميِّين العراقيين والسوريين إلى ذروتها العام الماضي، حين ردت الحكومة السورية على الاتهامات العراقية لها بدعم الإرهاب، بعد تداعيات الأربعاء الدامي في بغداد، بقول الرئيس بشار الأسد، إن هذه الاتهامات الموجهة لبلد يحتضن أكثر من مليون عراقي هي تصريحات «لا أخلاقية». كما أن الحكومة العراقية تتهم سورية بأنها فتحت الباب واسعا أمام قادة البعث الذين طالب بهم العراق في أكثر من مناسبة. أما في دول عربية أخرى، فقد بنى كتاب وفنانون عرفوا في السابق بأنهم من «فئة السلطة» ترسانة إعلامية جبارة جل اهتمامها ضرب العملية السياسية في العراق، وتضخيم الحدث الذي يمزِّق العراق، أو يُزوِّق النظام القديم، وتقزيم الآخر الذي يُروِّق الأذهان لقبول النظام الجديد. وأشير هنا إلى الفشل الكبير الذي مُنيت به المؤسسات الإعلامية العراقية في مواجهتها للإعلام الخارجي المضاد للسياسة العراقية، إلى جانب انحياز مؤسسات عراقية إلى أجندات خارجية.
كما شاع رفعُ صور صدّام لدى المتظاهرين الفلسطينيين والموريتانيين في العديد من المظاهرات الشعبية المبرمجة، في ظاهرتين عجيبتين تختلفان في الواقع، لكنهما تتشابهان في الرؤية.
فالفلسطينيون يرفضون الطغيان ال«خارجي»، والموريتانيون رفضوا الانقلاب العسكري والطغيان ال«داخلي»، لكنهما يقبلان بفكرة الرجل الأوحد والسلطة الواحدة، إذا تمثّلت بشخص مثل صدّام، وإن استولى على السلطة بالمسدّس والدبّابة، أو طغى على شعبه، أو غزا شعبا آخر.
وتصل الازدواجية إلى أقصاها حين يخرج الآلاف في مصر في تظاهرات عارمة تأييدا للدكتور محمد البرادعي، في حين يدافع الكثير منهم عن صدّام وتاريخه ويسوِّغون مواقفه، ويغفرون له زلّاتِه، ويتفنّنون في ضرورة الفصل والتفريق بينهما. ففي معرض دفاعهم عن محبّة الاثنين، خلال المناقشات التي تجري في النت، يعزونَ الأسباب إلى أنّ صدّام يمثّل «القوة العربية»، في حين يمثل البرادعي «الذكاء العربي».
وفي الوقت ذاته ينتظر كل هؤلاء معجزة التغيير السياسي، وصعود البرادعي إلى سدّة الحكم المصري، لوضع دستور دائم للبلاد، وبناء ثلاث سلطات تعمل وفق النظام الديمقراطي، وتداول السلطة بطريقة سلمية... إلى آخر المعزوفة، أو الأمثولة.
بقي أن أُسرَّ لك شيئا أيّها القارئ: إذا كنت معجباً بهتلر، فلا تنتظر غاندي!