[email protected] كان من حسن حظي في تجربتي الشخصية مع العمل السياسي والانتماء الحزبي أن تفتح وعيي السياسي مطلع العقد الثامن من القرن الماضي، حيث كانت السياسة عموماً، والحزبية تحديداً، ترتكز على مبدأ أن كل فريق سياسي أو جماعة حزبية لديها من الأفكار والأعمال ما يخدم الوطن وينفع الشعب ويحقق مصالح الجميع . ولا زلت أتذكر من تلك الفترة، كيف كان الحزبيون من مختلف الانتماءات يتنافسون في تقديم الخدمات للآخرين، والتأثير على عامة الناس من خلال إقناعهم بأفضلية ما يقدمه كل منهم من خدمات ومن سلوك محمود يستحوذ على اهتمام العامة ويستأثر بكل إعجابهم، ورغم تجربتي المحدودة، إلا أني تحققت من أن شعور إرضاء المجتمع والعمل على خدمته، يسيطر على تفكير كل الأحزاب، ويتحكم بسلوكهم . منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، تحولت التعاونيات الأهلية إلى المجالس المحلية، وذهبنا نحن الشباب من التنظيم الناصري إلى الشهيد عبده عبدالله قاسم، الذي رأس أول هيئة تعاون أهلي في مديرية السلام- شرعب، في فترة الزعيم الراحل إبراهيم الحمدي "رحمه الله"، في محاولة منا لإقناعه بالترشح ثانية للمجلس المحلي بالمديرية، وأثناء مقيلنا، كنت بجوار سائقه الصديق عبده محمد صالح، الذي دعا ربه ألا يستجيب لنا عبده الحاج، فسألته لماذا؟ فذكر لي أن سنوات عمله معه في هيئة التعاون كانت عملاً لا راحة فيه، وحركة لا تتوقف ليلاً أو نهاراً، أو تتعطل في الجمع والأعياد، التي تتحول إلى مناسبات اجتماعية وحركة خاصة بالزيارات والمناسبات، وحينها عرفت سر شعبية القائد الناصري عبده الحاج، رحمه الله . في التسعينيات كانت التعدية والعلنية مكسبا تاريخيا لنضالنا الوطني،لكنها جاءت مصحوبة بتحولات كبيرة وخطيرة، في فهم العمل الحزبي ومقتضيات الانتماء إلى أطره التنظيمية، بحيث طغت المصلحة الشخصية على ما عداها من دوافع وغايات الانتماء الحزبي، وانحصرت هذه المصلحة في إطار ضيق من المال أو الوظيفة العامة، مما أتاح لسلطة الحكم إفسادها بالرشوة، والإضرار بأحزابها من خلال الانشقاق أو الانخراط في الحزب الحاكم. أخرجتنا السياسة من الدائرة الوطنية إلى مكايدها التي انشغلت عن الوطن بمغانم السلطة، وأخرجتنا الحزبية منها أيضاً إلى دوائرها الضيقة، فتمزق الانتماء الوطني في الأطر الضيقة التي أعلت مصلحة الحزب ثم انحصرت بها إلى مصالح أعضائه في القيادة العليا، وما نريده الآن ونحتاجه، هو أن نستعيد حب الوطن ونجعله بوصلة حركتنا انطلاقاً من إيماننا بأن لدينا ما نقدمه لخير اليمن وشعبها، وأن يكون أساس الانتماء: حب اليمن أولاً وحب اليمن يعني الشعور بأن لدينا الأفضل والأجمل مما تستحقه اليمن، الأرض والإنسان.