مجلس النواب يستهجن الصمت الدولي والعربي تجاه العدوان على صنعاء    الرئيس الزُبيدي في جلسة حوارية بجامعة كولومبيا: لا سلام في اليمن دون حل الدولتين وضمان حق الجنوب في تقرير المصير    حزام يافع يلقي القبض على قاتل صهره بعد ساعة من ارتكاب الجريمة    من ضمن جرائم الحوثي: بعد ست سنوات من الاسر وجد في احدا ثلاجات مليشيا الحوثي    الزبيدي يؤكد التوجه نحو التطبيع والسقلدي يعتبره استفزازًا لكل العرب والمسلمين    القهوة تساعد على تخفيف الصداع.. كيف تتناولها لحصد الفائدة    بوسكيتس لاعب وسط برشلونة السابق سيعتزل بنهاية الموسم في الدوري الأمريكي    مصر.. مقتل وإصابة العشرات في حريق مروع    أسطول مساعدات غزة يتجه شرقًا من اليونان رغم التحذيرات الإسرائيلية    النرويج: السلطة الفلسطينية تتلقى دعمًا ماليًا طارئًا من الدول المانحة    برشلونة يعاقب أوفييدو بثلاثية    أزيحوا الفساد من طريق بناء مؤسسات الدولة الجنوبية المنشودة    ترامب يعلن فرض رسوم جمركية جديدة بداية أكتوبر    برشلونة يواصل مطاردة الريال    الحرب الإعلامية ضد المشروع الجنوبي    العليمي فقد الثقة في التحالف العربي ويدعوا لتحالف دولي جديد    المنحة السعودية مربوطة بتحقيق الإصلاحات والحوكمة الرشيدة    صرف النصف الثاني من معاش إبريل 2021 للمتقاعدين المدنيين    الشيخ الزنداني رفيق الزبيري وصانع الوعي الجمهوري    دلالات احتفال اليمنيين بثورة 26 سبتمبر    تعز تنتصر للعدالة    الفريق السامعي يدين العدوان الصهيوني على العاصمة صنعاء    المفوضية الأوروبية تعلن عن مساعدات عاجلة لليمن    ضابط استخبارات يستولي على مستشفى خيري ويحوله إلى سجن    عدن.. نقطة أمنية تعتقل محامي    سريع: ضرب يافا بصاروخ انشطاري .. وافشال جزء من الهجوم على صنعاء    الرئيس الزُبيدي يُعزي حاكم الشارقة في وفاة الشيخ سلطان بن خالد القاسمي    ميدان التحرير بصنعاء يشهد إيقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر الخالدة    مصادر البروتينات النباتية.. تَعَرف عليها ؟    تعز تُوقد شعلة العيد ال63 لثورة 26 سبتمبر وتُضيء سماء المدينة بالألعاب    بدء صرف نصف معاش ابريل 2021 للمتقاعدين    المقيل اليمني .. طقس اجتماعي بين الحميمية والتحديات    تراجع الأسهم الأوروبية بضغط من خسائر قطاعي الصحة والصناعات    الداؤودي: استمرار حملة التفتيش لضبط المواد الغذائية الفاسدة بالمنصورة    إتلاف 62 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في العاصمة    محافظ حضرموت يتفقد أعمال تطوير منشأة غاز بروم    الصين تتهم أمريكا بتوجيه ضربة خطيرة للنظام التجاري المتعدد الأطراف    الشاي وصحتك.. 3 أكواب كافية لصنع الفرق    شرطة تعز تعلن ضبط أحد المطلوبين أمنيا وتواصل ملاحقة آخرين    راتب محافظ المركزي المعبقي أعلى من راتب رئيس أمريكا    هاتريك ألفاريز يمنح أتلتيكو انتصارا دراماتيكيا    25 لاعبة يدشن أول منتخب سعودي للفتيات تحت 15 عاما    صنعاء... الحصن المنيع    "جيل الشاشات".. كيف خطفت الهواتف تركيز الطلاب؟ وهل يمكن استعادته؟    نادي 22 مايو يكرم الشاب محمد وهيب نعمان    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن العمارة الطينية
نشر في إخبارية يوم 12 - 03 - 2011

لقد نبتت العمارة الطينة من الأرض، عندما كان المجتمع البشري في بداية وجوده، وانبثقت المساكن الطينية من السهول والواحات ، كما نبتت الأشجار منها، وتشكلّت على سطحها المزارع والغابات. فتكونت القرى الطينية، والبلدات والمدن المشيدة من هذه المادة الممنوحة مجاناً لبني البشر، والمنتشرة تعتبر العمارة من أهم سمات الثقافة المادية للإنسان، كما أن المسكن يمثل مؤشراً على نمط حياة الإنسان ودرجة تحضّر المجتمعات، فقد راودت الإنسان دائماً أفكار متعلقة بالاستقرار والارتباط بالمكان، وذلك بدافع الحاجة، وفي سياق مسيرة تطوره الحضاري والإنساني، وبذلك لجأ الإنسان إلى إعادة ترتيب الحيز المكاني المعاشي المحيط به باستمرار، ومن ثم قام بهيكلته وتأطيره، فتجسد هذا العمل عبر مختلف العصور على شكل مساكن وصروح معمارية. وكانت هذه العمارة دائماً نتاجاً مباشراً للجهود الإنسانية وتعبيراً عن البيئة الطبيعية التي نشأت فيها، هذه البيئة التي كانت المصدر الأساس للمواد التي تمّ استخدامها في العمارة.
وكما قدمت الطبيعة للإنسان في أوروبا والمناطق الاستوائية الخشب لبناء المسكن والملبس، والمواد الأولية التي تستلزمها حياته ومعاشه. كانت الأرض الطرية والتربة اللحقية بمختلف أنواعها تقدم للإنسان في حضارات المشرق عموماً وفي بلاد الشام والجزيرة العربية وشمال أفريقيا بصورة خاصة المسكن والأواني وألواح الكتابة.
وكانت مادة الطين أكثر المواد انتشاراً وقرباً من الإنسان البدائي، هذه المادة التي أثارت انتباهه، ودفعته إلى استخدامها واتخاذها مادة أولية لمسكنه، ومما لاشك فيه أن الأرض (التراب) هي الوسط الطبيعي والمادة التي احتضنت الإنسان الأول، وقدمت الأرض «التراب» للبشر كل ما يلزم من غذاء ومأوى، واستمد منها الإنسان القوة والثقة، فكانت في الوقت نفسه موضع ارتياح كبير للإنسان الأول. فلجأ إلى تجاويفها في الأوقات العصيبة، والتصق بها وتفاعل معها عبر التاريخ، ومن هذا الوجود والالتصاق والتفاعل انبثقت فكرة استعمال مادة التربة الطينية كمادة للبناء، هذه المادة القريبة من الإنسان الأول، المادة التي تتشكل بسهولة لتغلف كل احتياجاته الحياتية، وأولها الحاجة إلى المأوى المسكن.
فمدَّ الإنسان يده إلى التراب وصنع منه الطين، وقد شكلت هذه الخطوة إنجازاً مهماً في تاريخ البشرية من حيث التعامل والتشكيل والتصنيع والخلق بهذه المادة لدى الإنسان في المجتمعات البشرية الأولى، وبذلك كانت عملياً تجربة الإنسان الأولى نحو الخلق والإبداع والتصنيع لاحقاً.
وتشير المصادر التاريخية بأن مادة الطين كانت المادة الأولى التي تمَّ استخدامها في مجال البناء إلى جانب مواد مساعدة أخرى كالحجر والخشب، القصب والبردي وجريد النخل.
فكانت العمارة أهم أداة لتنظيم المجتمع، وذلك عن طريق ترتيب عملية التفاعل في المكان الحيز بين الإنسان والحيوان والنبات، فتشكّل العمران البدائي والتجمّعات السكنية الأولى في السهول المتاخمة لضفاف الأنهر الكبرى كالفرات ودجلة والنيل، وكذلك في سفوح جبال زاغروس، وكل السهول الرطبة الدافئة في أصقاع مختلفة من العالم، وكانت درجة وسرعة تطور المجتمعات نتاجاً لقوة هذا التفاعل.
ويبدو أنه ثمة بعد روحي يربط الإنسان بمادة الطين، هذه المادة التي تعتبر المكون الرئيسي لخلقه، مما ساهم أكثر في تبني هذه المادة كمكوّن رئيس لعمارته. وحيث أن مادة الطين تحقق قدراً كبيراً من التلاؤم والانسجام بين الإنسان ومحيطه الحيوي، وقد ساعد هذا التوافق والانسجام أكثر في استمرار العمارة الطينية عبر مختلف العصور.
إن تواصل الإنسان مع التراب والأرض وارتباطه بها مطولاً أنتج معادله الروحي، ودفع بالإنسان لاتخاذ الطين مادة للبناء، ومأوى مريحاً وآمناً على مر العصور والحقب التاريخية. بل بدأ يتنامى عنده شعور الانتماء إلى المكان التراب، حتى تطور لديه مفهوم المسكن إلى الموطن في مراحل متأخرة. في كل أرجاء الكرة الأرضية.
ومن خلال دراسة تاريخ العمران البشري عبر مختلف العصور يمكن التأكيد على أن العمارة الطينية كانت العمارة الأكثر انتشاراً عبر التاريخ وفي مختلف القارات، وهي بذلك العمارة التي تسود في العالم. وإن ظهرت وتبلورت ملامحها الأولى في حضارات المشرق، حسب كافة المعطيات العلمية: من حفريات أثرية، روايات ومشاهدات تاريخية، إضافة إلى علوم الأنتروبولوجيا، إلا أنها عمّت كافة أنحاء العالم القديم، ومازالت تشكل العمارة البيئية الأكثر انتشاراً والأقل كلفة، والأسهل تشييداً في العالم، بذلك باتت التراث العمراني الإنساني الأوسع.
وبهذا الصدد تشير إحصائيات الأمم المتحدة أن ثلث سكان العالم مازالوا يسكنون منازل مشيدة من الطين، أو يدخل الطين التراب كمكوّن رئيس في مادة البناء (الآجر على سبيل المثال).
وتقدم العمارة الطينية نفسها بقوة كأحد أهم الحلول لمشكلة الإسكان والتنمية المستدامة في عالمنا المعاصر، وأحد أهم الجوانب التطبيقية لربط التراث العمراني مع الحياة المعاصرة،
وأحد أفضل المداخل لحل معضلة الإسكان، والتخفيف من مشكلات تصنيع مواد البناء.
وبناء عليه يمكن التأكيد من جديد على خطورة ضعف الاهتمام بهذا النمط المعماري الواسع الانتشار في المنطقة والعالم، على الرغم مما تحتويه من مظاهر جمالية وإمكانيات فنية قابلة للتوارث والتفاعل والتطبيق في مجتمعاتنا ولا سيما الريفية منها.
وتندرج هذه القراءة في سياق التذكير بضرورة الاهتمام بتراث العمارة الطينية وما تتضمنه من موروث فني أصيل بكل ما تحتوي وتختزن من التنوع والجمال والألفة، وتزداد ضرورات الاهتمام اليوم نظراً لضعف مقاومة البناء الطيني للعوامل والمؤثرات المناخية التي تهددها بالانحسار والزوال، وتفقد بذلك البشرية جزءاً متميزاً من تراثها العمراني وذاكرتها الحسية المشتركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.