بقلم / صالح البعداني أكثر من 85% من سكان اليمن هم سنة يتبعون المذهب الشافعي، واليمن في معظم تاريخها الإسلامي كانت السيادة فيها لأهل السنة والجماعة، الولاة التابعين لدولة الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية، أولا ، ثم الدويلات المستقلة فيما بعد، وكانت عواصماليمن، أما زبيد وإما تعز وأما عدن ، ويهيمنون على مناطق الوسط والجنوب والغرب حيث الأراضي الزراعية الخصبة، والأشراف البحري وكان نفوذهم يمتد إلى الطائف وأحيانا إلى مكةالمكرمة من جهة وإلى الهند من جهة ثانية ، وإلى الحبشة والصومال والقرن الأفريقي من جهة ثالثة.
بينما الزيود لم يكونوا يسيطرون سوى على صعدة في شمال الشمال، وهي أراضي فقيرة لم تغر أحدا على السيطرة عليها ، وكان اقتصادهم يقوم على زراعة بعض محاصيل الفاكهة ذات المدخول البسيط ، وفيما عدا ذلك فكان اعتمادهم على السلب والنهب من خلال حروب العصابات التي كانوا يشنونها ضد مناطق أهل السنة بل وأحيانا كان يتم إخراجهم من صعدة - عندما كان يوجد حاكم سني قوي في تعز - فكانوا يلجأون إلى جبال صعدة الوعرة ، ويكنون فيها حتى توالتيهم الفرصة وعلى ذلك الحال ظلوا حوالي 800عام ، ولم تقم للزيود قائمة إلا في القرن السادس عشر مع قدوم البرتغاليين وغزوهم للسواحل اليمنية، - وهذا القرن هو القرن الذي شهد نهاية آخر دولة سنية حكمت اليمن، وكانت تسمى الدولة الطاهرية وكان حكامها ينسبون أنفسهم للأمويين.
وكانت دولة مجيدة قوية، ضيقت الخناق على الزيود واستنزلت زعمائهم من حصونهم وكهوفهم في مناطق الجبال، في صعدة وأجبرتهم على الرضوخ والإذعان للطاعة، وإرسال الوفود إلى صنعاء لتقديم فروض الولاء لسلطان الطاهريين، ولكن من المؤسف أن هذه الدولة الأبية المجيدة، سقطت وهي في قمة عنفوانها، لأنها دخلت في حروب مع جيوش ثلاث أمبراطوريات في وقت واحد تقريبا، جيوش المماليك، جيوش البرتغاليين ، الجيوش العثمانية .
والأدهى أنهم فاجئوها بأسلحة جديدة لم تكن تعرف عنها شيئا وهي الأسلحة النارية، ففي بداية الأمر دخلت هذه الدولة في حروب مع المماليك الذين قدمت أساطيلهم إلى اليمن للتصدي للبرتغاليين، فحصل بينهم وبين الطاهريين سوء تفاهم، ولم يحصل المماليك التعاون المطلوب من الطاهريين، فاستفاد الإمام شرف الدين من هذا الخلاف وبعث برسالة إلى قائد الأسطول المملوكي يستعديه ويحرضه على الطاهريين، وزعم فيه أنهم أهل البيت النبوي، وأن الطاهريين يضطدهدونهم، وطبعا كان هناك أخطاء أرتكبها السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري، وهو أفضل ملوك الدولة الطاهرية واقواهم على الأطلاق، واستغلوها ضده، وضربوا بين الدولتين السنيتين.
وبينما كانت الدولة الطاهرية مشتبكة في حرب طاحنة مع المماليك والأئمة الزيديين دهمهتها الأساطيل البرتغالية ، ثم بعد ذلك قدمت الأساطيل العثمانية وكان فتحهم لليمن، وكل ذلك جاء على رأس أم الدولة الطاهرية.
وقد استفاد الأئمة الزيدون من هذا الوضع ، فلعبوا دور المعارض للحكم العثماني في اليمن ، بينما السنة ركنوا إلى العثمانيين ، وضعف رابط العصبية لديهم، ثم أن الطرق الصوفية لعبت دورا في تخديرهم وكانت وبالا عليهم، ثم لما انسحب العثمانيون من اليمن بعد فتحهم الأول لها ، لم تكن هناك أية قوية تسد الفراغ ، سوى قوة الأئمة الزيديين، وحدث نفس الشيء بعد انسحابهم الأخير من اليمن عام 1918.
فقام الوالي العثماني محمود نديم بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى بتسليمهم مقاليد الحكم في صنعاء، وما كان تحت يده من سلاح وعتاد باعه لهم بثمن بخس وهو السلاح الذي حاربوا به أهل السنة بعد ذلك وضموا مناطقهم في تهامة وتعز وأب إلي مملكتهم، ومنذ ذلك الوقت لمع نجم الزيود في اليمن الشمالي، ودخل اليمن في ظل حكمهم في جهل لا يعلم به إلا الله، بينما أصاب الركود الشوافع ولم تقم لهم قائمة حتى اليوم.
بينما اليمنالجنوبي وقع تحت النفوذ البريطاني ، فقام البريطانيون بتجزأته إلى سلطنات ومشيخات كان الصراع هو السائد فيما بينها - وكانت سياسة فرق تسد البريطانية أوضح ما تكون في جنوباليمن. وحاليا يشكل الشوافع أكثر من 85% من سكان اليمن، وفضلا عن ذلك فأن الرابطة الطائفية لدى الشوافع ضعيفة وأكثرهم متحزبون ، وكل حزب بما لديهم فرحون في الوقت الذي تجد فيه عصبية الزيود لازالت متماسكة.
أن الوسط والجنوب والشرق والغرب، ومعظم أراضي اليمن الزراعية والساحلية كلها تتبع أهل السنة ( الشوافع )، بينما يقتصر الوجود الزيدي فوق القمم الجبلية وبذلك حافظوا على وجودهم طيلة ألف عام- وبصورة مشابهة لما كان عليه حال النصيريين في سوريا ، بل وحتى هناك تجمعات شافعية داخل التجمعات الزيدية نفسها ، ولا توجد مدينة زيدية مغلقة باستثناء صعدة .