هيمنت أجواء من الترقب المشوب بالتوجس والقلق في أوساط اليمنيين المعتصمين بساحة التغيير في صنعاء إثر وصول أعداد إضافية من وحدات الأمن المركزي وقوات مكافحة الشغب المزودة بشاحنات عسكرية مصفحة لتشديد الطوق الأمني المفروض على محيط الساحة منذ الاثنين، في وقت واصلت فيه مختلف القبائل زحفها والتقاطر إلى ساحة المعتصمين المطالبين بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح، فيما صعدت صنعاء من اتهاماتها للمعارضة بشكل صريح بالتخطيط لانقلاب عسكري، وزاد المشهد قتامة عندما سيطر مسلحون على المجمع الحكومي لمحافظة الجوف، وجرت محاولة لاغتيال محافظ مأرب ناجي الزايدي، ما دفع بوزارة الداخلية إلى توجيه اتهامات مباشرة للمعارضة بالوقوف وراء العنف في البلاد، مؤكدة وجود تحالف وثيق بين أحزاب اللقاء المشترك والمسلحين الحوثيين وعناصر تنظيم “القاعدة”، وهو اتهام يصدر لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد قبل أكثر من شهر . وأعرب عدد من المعتصمين في ساحة التغيير المحاذية لجامعة صنعاء في تصريحات متفرقة ل “الخليج” عن شكوك متصاعدة في أوساط المعتصمين حيال إمكانية تعرض مخيم الاعتصام في الساحة لعملية اقتحام أمني واسعة ووشيكة من قبل القوات الأمنية المرابطة عند مداخل ومخارج ساحة الاعتصام والموزعة بشكل مكثف ولافت في كافة الشوارع المحيطة بساحة الجامعة بهدف فض الاعتصام وتفريق المعتصمين بالقوة . وأشار أحمد عبدالسلام مرشد، وهو أحد المنخرطين في لجان التنظيم بمخيم الاعتصام، إلى أن ثمة تهديدات تلقاها بعض المعتصمين من قبل مجاميع ترتدي زيا مدنيا وقدمت نفسها كأعضاء في لجان شعبية مشكلة من سكان الأحياء المجاورة لساحة التغيير بسرعة مغادرة مخيم الاعتصام وحث بقية المعتصمين على فعل المثل لتجنب إلحاق الأذى بهم . واعتبر يحيى محمد ناجي الجرادي، الناشط الحقوقي، أن لجوء السلطات الرسمية إلى تحفيز وتحريض سكان الحارات المحيطة بساحة التغيير على المبادرة بتشكيل لجان حماية شعبية للتصدي للمعتصمين، تزامن مع تصعيد الاتهامات من قبل وزارة الداخلية لقيادات أحزاب اللقاء المشترك بالوقوف وراء هجمات مسلحة استهدفت محافظ مأرب وبعض مرافقيه، والسيطرة على المنطقة الأمنية بالجوف المجاورة وهو ما يعزز من الشكوك في أن الساعات المقبلة ستشهد استهدافاً لقيادات المشترك والمعتصمين .
من جهته، نفى مصدر أمني ل “الخليج” صحة ما يردده أعضاء اللجان المنظمة في ساحات التغيير من اقتحام وشيك للمخيم . وقال إن قوات الأمن حريصة تماماً على سلامة الجميع، وأن الرئيس صالح أصدر أوامر صريحة بعدم التعرض للمعتصمين، بل حمايتهم، إلا أن المصدر استنكر إصرار المعتصمين على التمدد إلى مناطق خارج ساحة الجامعة، ما سبب مشاكل ومضايقات كبيرة للسكان الذين تقدموا بطلبات وشكاوى للسلطات المختصة لحمايتهم من الأضرار الناتجة عن هذا التوسع .
ونفى المصدر وجود نية لإحراق خيم المعتصمين، كما رددته وسائل الإعلام التابعة للمعارضة، وقال إن السلطة قوية بما يكفي لإبعاد المعتصمين بالقوة إن أرادت، إلا أنها لا تريد ذلك، وهذا يؤكد حرص قوات الأمن على التعامل الإيجابي مع المعتصمين، الذين قال إنهم يقومون باستفزاز الجنود بهدف خلق فوضى عارمة تستفيد منها أحزاب اللقاء المشترك .
في الأثناء، شهد عدد من المحافظات مسيرات نظمها عشرات الآلاف من معارضي النظام، كانت أبرزها في محافظة تعز التي عاشت ليلة قلقة جراء الحصار المفروض على ساحة التحرير، والمخاوف التي ترددت عن خطط لإخلاء ساحة المعتصمين بالقوة، على غرار الأحداث التي شهدتها ساحة التغيير في العاصمة صنعاء مطلع الأسبوع الجاري والتي خلفت عشرات القتلى والجرحى .
وذكر مصدر أمنى أن الناشط ناصر مصلح نسم من التجمع الوطني للاصلاح، “قتل في اشتباكات قبلية بين أنصار الحزب الحاكم وأنصار المعارضة” في الجوف . وأشارت مصادر قبلية وأمنية إلى أن عناصر من الشرطة ومن أنصار الحزب الحاكم تنتشر في محيط المجمع الحكومي الذي سيطر عليه المحتجون المطالبون برحيل الرئيس صالح .
وفي محافظة إب، شيع أمس عشرات الآلاف أول قتيل سقط في احتجاجات صنعاء قبل ثلاثة أسابيع، وهو من أبناء المحافظة، وردد المتظاهرون شعارات تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة الجناة الذين ارتكبوا ما سموها “جرائم ضد المعتصمين”، وتحول موكب التشييع إلى مسيرة حاشدة طافت في شوارع محافظة إب حتى تم دفن القتيل في المقبرة .
وفي عدن، احتشد المئات من طلاب جامعة عدن أمام ديوان الجامعة بمديرية خورمكسر للتنديد بالأحداث الدموية التي تشهدها البلاد . ورفع المشاركون أثناء المسيرة التي انطلقت من أمام كلية الطب عدداً من اللافتات المطالبة بإسقاط النظام ورحيل رئيس الجامعة الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، مرددين شعارات معادية للنظام والرئيس اليمني ورئيس الجامعة .
من جانب آخر، قامت عناصر مجهولة برمي قنبلتين يدويتين إلى داخل مركز الشرطة بمدينة الشيخ عثمان محافظة عدن، فانفجرت إحداهما أما الثانية فقالت الشرطة في المدينة إنها لم تنفجر . ونقل مركز الإعلام الأمني بأن القنبلتين تم رميهما من السور الخلفي لمبنى مركز شرطة، وأن القنبلة التي انفجرت لم ينجم عنها أي خسائر بشرية أو مادية، فيما تم التعامل مع القنبلة التي لم تنفجر من قبل خبير المتفجرات في الأدلة الجنائية .وكان قسم شرطة دار سعد قد تعرض خلال اليومين الماضيين لعملية اقتحام وإحراق كامل لمحتوياته ونهب ممتلكاته من قبل محتجين غاضبين بعد مصادمات عنيفة مع رجال الأمن أسفرت عن سقوط أربعة قتلى وأكثر من 12 جريحاً .
ولأول مرة، تؤكد وزارة الداخلية وجود تحالف ثلاثي يشمل المعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك والمسلحين لحوثيين وعناصر تنظيم “القاعدة” . وقال مصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا إنه لوحظ في الآونة الأخيرة تصاعد أعمال العنف والتخريب والفوضى والإرهاب التي تقوم بها عناصر تخريبية وإرهابية من أحزاب اللقاء المشترك وحلفائهم من العناصر الحوثية وتنظيم “القاعدة”، ومنها ما حدث الاثنين من اعتداءات غاشمة على المجمعات الحكومية في محافظتي مأربوالجوف، وأدت إلى إصابة محافظ مأرب وشقيقه بطعنات غادرة، وإصابة عدد من الجنود بإصابات مختلفة . وأكد المصدر أنه تم الاعتداء على المنطقة الأمنية في مديرية المصلوب بمحافظة الجوف، ما أدى إلى استشهاد قائد المنطقة وعدد من الجنود، كما قامت عناصر وصفها المصدر ب “المتهورة من أحزاب اللقاء المشترك” بقطع عدد من الطرقات في محافظة مأرب، وأدى ذلك إلى منع وصول إمدادات الوقود من مأرب إلى بقية المحافظات . واعتبر المصدر أن تلك الأعمال الخارجة على الدستور والقانون وما تسببت فيه من إزهاق للأرواح ونزيف للدماء وتخريب للممتلكات العامة والخاصة وتعطيل للخدمات لا تندرج في إطار حرية الرأي والتعبير وإنما تمثل عدواناً سافراً وعملية انقلابية وتمرداً صريحاً على الشرعية الدستورية . وحمل المصدر أحزاب اللقاء المشترك وقياداتها وحلفاءها من العناصر الحوثية وتنظيم “القاعدة” المسؤولية الكاملة وما يترتب عليها من نتائج وتبعات خطرة عن كل تلك الأعمال وخرق للدستور والقانون ويضعها أمام المساءلة القانونية .