اليمن" تتجول في أحياء "مذبح".. ترصد الظاهرة عن كثب.. وتذيع بلاغا إلى الرأي العام.. المعارضة المسلحة تخلي المناطق التي تسيطر عليها في العاصمة من المخالفين لها منازل لم يبق فيها إلا النساء والأطفال.. وأخرى غادرها الجميع خوفا من الفرقة.. كشوفات بأنصار "السبعين".. وجيش "الثورة" يستجوبهم, ويودعهم السجن.. سائق باص: أنذروني بمصادرة المركبة وسجني إذا لم أتوقف عن أخذ المصلين إلى السبعين مواطن: جيراني وشوا بي لدى الفرقة, فاستدعوني وهددوني, واكتشفت أني لست لوحدي!! على خلفية المواجهات المسلحة في العاصمة صنعاء التي رافقتها موجة نزوح واسعة للسكان هربا من جحيم الحرب, نشطت موجة نزوح أخرى لدوافع على رأسها تزايد مضايقات يمارسها على المواطنين أحد طرفي الحرب, بسبب ما اشتهر عنهم من تأييدهم للطرف الآخر, أو التزامهم الحياد, والوقوف في المنتصف. في منطقة "مذبح" شمال غرب أمانة العاصمة, وأحياء أخرى مجاورة لها تقع ضمن نطاق سيطرة الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء المنشق علي محسن صالح يتناقص يوما بعد آخر أعداد السكان المؤيدين للنظام, إذ فضّل الكثير منهم مغادرة منازلهم واللجوء إلى مناطق أخرى, لا تطالهم فيه المضايقات بسبب مواقفهم المؤيدة للرئيس علي عبدالله صالح. لوحدهم.. النساء!! وعلمت "اليمن" التي تجول مراسلها بين أحياء عديدة في "مذبح" أن هناك ظاهرة تتكون بوضوح, تمثلت في أن بيوتا ومنازل عديدة من التي لا يؤيد سكانها جانب المعارضة وعلى رأسها حزب الإصلاح والفرقة الأولى لم تعد تضم إلا النساء والأطفال, فيما الرجال غادروها خوفا على أنفسهم, إثر ما قالوا عنه من حملة مداهمات واعتقالات طالت عددا من أنصار النظام في تلك الأحياء, وتم اقتياد الكثير منهم إلى سجون الفرقة, وتعرض الكثيرون للمساءلة والاستجواب بين الحين الآخر. "أم صالح" عجوز بدت في العقد السادس من عمرها, خلال حديث مراسل "اليمن" إلى صاحب بقالة في إحدى الحارات بمذبح كانت على باب البقالة تشتري لبيتها وأسرتها بعض الحاجيات, وهي تدعو على من كان السبب وراء إلجائها إلى القيام بهذه المهمة بدلا عن ابنها وأحفادها.. وبسؤالها عن تفسير ما تقصد قالت إن ابنها واثنين من أولاده البالغين تعرضوا لمضايقات من قبل جنود علي محسن بسبب مشاركتهم في الصلوات التي تقام أيام الجمعة في السبعين, وأنهم لهذا السبب باتوا يتجنبون المجيء إلى البيت خوفا من اقتيادهم إلى سجن الفرقة. صاحب البقالة الذي طلب عدم ذكر اسمه ذكر العديد من القصص المماثلة عن أسر غادر عائلوها إلى حيث يأمنون مضايقات المعارضة المسلحة, وقال ل"اليمن":إن الأشهر الأولى من الاحتجاجات كانت تشهد عشرات بل مئات من السيارات وباصات النقل تتجه يوم الجمعة إلى السبعين للمشاركة ضمن أنصار النظام, لكنها في وقت لاحق بدأت تتناقص, وشعر الكثيرون بالخوف على أنفسهم, بعد انتشار جنود الفرقة في تلك الأحياء, وعملية الرصد التي يقومون بها لمؤيدي النظام. جواسيس الباصات وأفاد شهود عيان في عدد من أحياء مذبح أن جواسيس للفرقة من تلك الأحياء قاموا بتسجيل وحصر أسماء من كانوا يشاركون في السبعين كل جمعة, وقدموا كشوفات بهم إلى قيادة الفرقة التي بدورها استدعت عددا منهم وضايقت الكثيرين, ومنهم من تم اقتيادهم إلى سجون الفرقة ولم يعلم مصيرهم بعد. وقال سائق باص طلب الترميز لاسمه في حديث ل"اليمن" إن ضباطا في الفرقة الأولى أنذروه في وقت مبكر بعدم أخذ مواطنين من أحياء "مذبح" للمشاركة إلى جانب النظام في ميدان السبعين, وحذروه من مخالفة الإنذار, وأنه في حال تم ضبطه آخذا مواطنين إلى السبعين ستتم مصادرة الباص, واقتياده إلى سجن الفرقة. "ع. س" أفاد بأنه لمح كشفا في أيدي أحد الضباط الذين أنذروه يضم أسماء سائقي باصات, وأرقام لوحاتها, قال إنهم ربما يكونوا رصدوا عن طريق جواسيس لهم في باصات النقل التي كانت تتوجه إلى السبعين محملة بالمصلين أثناء الجمع. وأضاف: إن ضباط الفرقة أطلعوه على أرقام لوحات بعض الباصات طالبين منه أن يذكر لهم أسماء مالكيها أو سائقيها, ولم يتركوه إلا بعد أن أقسم لهم بأغلظ الأيمان أنه لا يعرف عنهم شيئا, ولم يسبق له رؤية باصات تحمل لوحات بتلك الأرقام. هجرة جماعية إلى ذلك رصدت "اليمن" عشرات الحالات لأسر غادرت مساكنها في عدد من حارات وأحياء "مذبح" خلال الشهرين الأخيرين, إلى أماكن أخرى تبعد عن نطاق سيطرة المعارضة المسلحة والفرقة الأولى مدرع, وفضّل عائلوها عدم ترك نسائهم وأطفالهم لوحدهم, وتجشموا عناء النقل وحمل حاجياتهم إلى حيث يأمنون على أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم. وقال أحمد المطري -وهو رب أسرة كانت تسكن أحد أحياء مذبح- إنه انتقل للسكن في "دار سلم" إثر مضايقات ابتدأها بعض جيرانه, الذين أوضح أنهم قاموا بالدس عليه لدى جنود الفرقة, لأنه من أنصار النظام, ففوجئ بهم ذات يوم يستدعونه وتم إخضاعه للاستجواب بلهجة قال إنها لم تخل من تهديد ووعيد, طالبين منه الانضمام لما يسمى بصفوف الثورة. وأضاف المطري ل"اليمن" إنه شعر فيما بعد ذلك الاستجواب بالخطر يتهدده فاشتكى لبعض أصدقائه الذين يثق فيهم في الحي ذاته, واندهش كثيرا حين أطلعوه أنهم بأنفسهم تعرضوا لذات الاستجواب والتهديد, وهو ما جعلهم يقررون النزوح الجماعي هربا من مضايقات الفرقة الأولى حسب تعبيره. صحيفة "اليمن"