لم يقف الحراك السياسي عند حدود الجنوب بل تعداه ليسرى سريان النار في الهشيم ليعم الشمال أيضا إذ دفع الأوضاع السياسية في اليمن بمجملها باتجاه متصاعد نحو رفض النظام السياسي القائم بكل مقوماته وأركانه وجاءت ثورة الشباب لتتوج النضالات السياسية السابقة بما يمكن أن نسميه ب(الثورة الاجتماعية). تلك الثورة التي بدأت مؤشراتها في وقت مبكر في الجنوب وتبلورت عملياً منذ" 2007 عندما بدأ الحراك الجنوبي يسير باتجاه إيجاد حل عادل لقضيته ، وبدأ الناس يتحركون في صورة موجات بشرية كبيرة ومنظمة تطالب بإيجاد هذا الحل السياسي، وسقط الكثير من الشهداء حينها, ثم تفاعلت أجزاء واسعة من اليمن بعد ذلك لتعم هذه الثورة اليوم كل أنحاء اليمن". وقد استندت الثورة الاجتماعية في اليمن على عاملين رئيسيين: العامل الأول: هو رفض الشعب لأساليب قيادة النظام القديمة وإدارته الفاسدة . العامل الثاني: هو عقم النظام وعجزه عن إيجاد بدائل أخرى فعالة لقيادة الشعب. وقد وجدت الثورة أربعة دعائم لتأصيلها وهي : أولاً : ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية من فشل واعتماد النظام على الحروب في حلها وانهيار مستوى حياة الناس المعيشية. ثانياً : الإبعاد السياسية للتطورات الاقتصادية. وما صاحبها من النزعة التحررية لعلاقات الإنتاج والتبادل …في إطار القواعد الجديدة للمنافسة الحرة. ثالثا: تطور استخدامات العلم وبصورة خاصة في مجال الاتصالات والمواصلات. رابعا: تأثير انتصار ثورة تونس ومصر السلمية. "فالروح التي بعثتها ثورة الشباب في كل من تونس ومصر وإسقاطها لأنظمة الحكم المُتجبرة في بلديهما قد سرت في أنحاء الوطن العربي وأكدت حقيقة إن إرادات الشعوب ، وخاصة قواها الشبابية ، متى استُنهضت لا تقهر. وأخذت شعوبنا المقهورة تستلهم هذه الروح" . وعلى الرغم من أهمية تأكيد استقلال تلك الدعائم بعضها عن بعض إلا إن التفاعل الداخلي بين هذه الدعائم كان مسئولا عن توفير العامل الموضوعي للثورة, ومثلت مقدرة الشباب و انبراؤه لحمل لوائها عاملها الذاتي. بذلك توفر العامل الموضوعي والعامل الذاتي لنجاح الثورة. إلا إن انجاز وحل مهام الثورة الاجتماعية في اليمن ونجاحها يخضع لمقدرة الشعب وقيادته على الوصول إلى أهداف الثورة: وأساسها حل قضيتين رئيسيتين تضمنتها شعارات الثورة " التغيير" الأولى: إسقاط النظام الحاكم الفاقد للمشروعية التاريخية والسياسية والدستورية ورحيله كاملا بكل مفاصله ومفاسده ورموزه وثقافته ومكوناته وآلياته ودستوره . وعلى أنقاضه يشيد نظام مدني وطني ديمقراطي جديد يسوده النظام والقانون. الثانية: حل القضية الجنوبية حلا جذريا عادلا يلبي طموحات أبناء الجنوب وحقوقهم المشروعة في الشراكة الفاعلة في السلطة والثروة دون انتقاص وبما يضمن حقهم في تقرير مصيرهم . قد يسير حل القضيتين في حالة من التوأمة وقد تسبق أحداهما الأخرى في ظروف معينة بحسب تناسب القوى السياسية. إلا أنها لا تلغيها. وتتوجه الأنظار إلى القضية الجنوبية اليوم باعتبارها القضية الرئيسية التي يجب أن تعالج بعد إسقاط رأس النظام. ولا يمكن للثورة أن تتخلى عن مواصل الثورة واستمرار التغيير. فوحدة قوى الثورة اليمنية قامت على قاعدة (التغيير) بما تعنيه الكلمة, وهي نتاج لما توصلت إليه لجان الحوار الوطني خلال المرحلة الماضية. وبذلك يكون التغيير هو القاسم المشترك بين الجميع. هذا التغيير يقوم على وحدة نضال القوى السياسية في الشمال والجنوب. وحدة وثيقة بين معارضة الشمال ومعارضة الجنوب على الهدف الواضح والمحدد. فهل تستمر وحدة النضال تلك؟ إن استمرار وحدة النضال الثوري المشترك وتمتينها يقوم على ثلاثة أسس: الأساس الأول: وهو الذي ينطلق من وضوح موقف المعارضة الشمالية من الشريك الجنوبي في الوحدة . فإذا كانت المعارضة في الشمال تنظر إلى شريك الوحدة الجنوبي باعتباره ند للشريك الشمالي في الأرض والسلطة والثروة وفي كل ما تم الاتفاق عليه, فنعما هي وحدة . أما إذا كانت المعارضة الشمالية تنظر إلى الشريك الجنوبي كما ينظر إليه النظام , ما هو إلا الابن العاق أو الضال الذي عاد إلى حضن أمه أو باعتباره الفرع الذي رجع إلى الأصل فان المعارضة في الجنوب سترد عليهم برع برع يا استعمار ثورة ثورة يا جنوب. الأساس الثاني: وقاعدته الرؤية المشتركة التي توصلت إليها المعارضة اليمنية, بان وحدة 22 مايو السلمية قد انتهت ولم يبق سوى وحدة الحديد والنار( واعترفت بعض أطراف النظام السابق أثناء المواجهة الثورية بأنها احتلال). وهذا يعني الاعتراف بحق الشريك الجنوبي في أن يختار لنفسه إعادة التوقيع على الوحدة الجديدة بالشروط الجديدة التي يمكن الاتفاق حولها إذا كان يريدها بشكلها الاندماجي أو الفيدرالي أو أن يختار لنفسه فك الارتباط السلمي عن طريق الحوار أو استفتاء شعبي عام في الجنوب. مع الاهتمام بتوثيق أواصر الأخوة بين النظامين. الأساس الثالث: لا يمكن لأي نظام أو أي شعب أن يتحدث عن نفسه بالتعددية أو الديمقراطية أو الحرية وهو يفرض الوحدة بالقوة على شعب أو يستغل أو يستعبد أو يحتل شعب آخر. فوحدة القوى السياسية في اليمن المنطلقة من متطلبات القاعدة الإستراتيجية للنضال( التغيير ) تعتمد على الاتفاق على تلك الأسس لوحدتها وهي أساسها. وفي الوقت الذي أتقبل فيه كل الآراء وان اختلفت مع ما اطرح فأنني أرى إن نضال القوى السياسية في الجنوب سيتواصل على المستويين اليمني العام وعلى المستوى الجنوبي الخاص. فهي تناضل من اجل" التغيير" مع المعارضة اليمنية لإسقاط النظام, كل النظام. وتناضل في إطار الحراك الجنوبي السلمي رائد الثورة السلمية اليمنية والعربية للوصول إلى أهدافه المشروعة.