أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الوزير البكري يلتقي بنجم الكرة الطائرة الكابتن اسار جلال    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الشيخ محسن بن فريد    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صور مشرقة من حياة المرأة الحضرمية‎


بسم الله الرحمن الرحيم:
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد .. فقد أولى الإسلام بتشريعه الشامل المرأة حظا كبيرا من الاهتمام والإكرام والإعظام في كثير من نصوص الشريعة وأحكامها ومنها قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)، ففي الآية تكريم عظيم لجنس المرأة القانتة الصالحة الراكعة الساجدة وهي شاملة لكل امرأة كانت على منهج مريم الصديقة في كل عصر وزمان.. فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..
إذن فمن النساء من يصطفيهن الله ويعاملهن معاملة العباد المقربين المحبوبين فالمرأة ليست أقل من الرجال الراكعين الساجدين في المسلك التعبدي والأجر الأخروي.. كما أنها جزء من مجتمع القنوت والطهر بل قد تكون في كثير من الأحيان خير من العديد من الذكور، ولله در من قال:
فما التأنيث لأسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
فلو كل النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
أما التمايز الذي بين المرأة والرجل فهو تمايز فطري يحقق المصالح للجنسين في غاية من الانضباط والتكريم وقد وضح المولى الكريم ذلك بقوله سبحانه: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)،وقال سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).
والمرأة الحضرمية كغيرها من نساء الإسلام قد غمرها فضل الإسلام ونوره وخيره وتكريمه.. وقد عاملها العلماء وفق هذه الضوابط، وعرف أكابر علماء حضرموت منزلة المرأة الصالحة حتى قال إمامهم العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه الملقب بعلامة الدنيا رحمه الله تعالى في ((رشفاته)) حينما تكلم عن المعرفة وأنها تشمل الجميع من الذكور والإناث قائلا:
فليس يختص بذي انساب ولا بأهل الجد والأسباب
بل فيض فضل منعم وهاب فيه النساء يقسمن كالرجال
وإذا تأملنا في كتب التراجم الحضرمية لاحظنا كثرة العلماء في هذه البلاد وخاصة في بلاد تريم المباركة وهؤلاء العلماء الكُثر لم ينتجهم إلا النساء الصالحات اللواتي قمن بإحسان التربية والإعداد التي عناها القائل بقوله:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
إذن فقد كانت المرأة الحضرمية تتعلم العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها مما يكون له عظيم الأثر في صياغة شخصيتها ثم تعكسه على أسرتها وأولادها فيؤهلها للمهمة الأساسية التي خلقت من أجلها وهي صناعة الأجيال الواعية لدورها في الحياة و القيام بحقوق الخلافة عن الله والدعوة إلى دينه ومنهاجه.
وبهذا قد أدت المرأة الحضرمية دورها في إعداد العلماء وتربيتهم حتى تنورت بهم ربوع حضرموت.. وانتفع العالم بعلمهم وفكرهم ودعوتهم لمنهج الإسلام على نهج السماحة والسلام والألفة والوئام.. منطبقا عليهم قول القائل:
لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا
لَو لَم يَسودوا بِدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ لِلناسِ كانَت لَهُم أَخلاقُهُم دينا
واليوم نتساءل هل أنتجت المرأة الحضرمية الحديثة من الرجال مثلما أنتجته المرأة الحضرمية في القدم من أمثال المربيات لشخصيات مرموقة كشخصية الإمام سالم بافضل ..والإمام الفقيه المقدم .. والشيخ الإمام عبد الرحمن السقاف .. والشيخ العارف سعد السويني .. والإمام المجدد عبد الله بن علوي الحداد ..والشيخ المفتي سالم سعيد بكير..والعلامة باسودان والعلامة باعشن و باحنشل في دوعن .. وغيرهم كثير ممن ملئوا الدنيا أعمالا صالحة وعلوما نافعة.. وإلا فما دور المرأة المعاصرة في إعداد وتكوين العلماء في هذا الزمان؟
أما دورها في العصور الماضية فقد لمسناه من خلال من أنتجتهم المرأة الحضرمية في العصور الخوالي فطرزت تراجمهم سطور الكتب ك ((المشرع الروي)) و((النورالسافر)) و((الغرر)) و((شمس الظهيرة)) و((السناء الباهر)) و((خلاصة الخبر)) و"الدليل المشير" و"تاج الأعراس"و"الشامل" و"لوامع النور" و"قبسات النور" وغيرها.
وأما ظاهرة عدم إفراد المرأة الحضرمية بكتب خاصة تترجم لها فالظاهرة عامة في جميع الأقطار الإسلامية ولم تظهر ظاهرة تجميع أعلام النساء في كتاب مستقل إلا في العصور المتأخرة ومن متأخري من فعل ذلك كحاله في ((معجم أعلام النساء)) والسيد عبد الله الحبشي في ((معجم النساء اليمنيات)) ،على أنه لم يخل كتاب من كتب التراجم المتقدمة من ذكر أعلامهن، ومع هذا فإن في ثنايا كتب التراجم الحضرمية العديد من تراجم النساء العالمات والصالحات التي لو جمعت لكانت مجلدات ومن مظاهر هذا الاهتمام الكتاب العظيم الذي جمعه الفقيه عبد الرحمن المشهور الموسوم ب ((شجرة الأمهات العلويات)) وبالجملة فالمرأة في حضرموت لها تاريخ عظيم ومشرق ويكفيها أن تكون هي خلف هذه النهضة العلمية والدعوية الحضرمية وبثها في جميع آفاق العالم باعتبارات كثيرة.
وفي هذه الصفحات اخترت أن أكتب عن عدد من النساء العالمات والصالحات الحضرميات لأهمية الموضوع من جوانب ثلاثة:
1. إطلاع من لا يعلم على دور المرأة الحضرمية السابقة في إعداد الجيل الصالح والعلماء الأتقياء والمجتمعات المثالية.
2. التذكير لمن يتجنى على التاريخ ويقول بجهل المرأة الحضرمية عموما بأن هناك تعليم ووعي لمهمة التربية في أوساط المرأة السابقة عجزة عنه النساء المتأخرات.
3. إتحاف المرأة الحضرمية بباقة عطرة من تراجم النساء الحضرميات لتنهل منها دروسا وعبر وتتخذها نبراس قدوة وتأسي.
وسلكت في كتابتي مسلك الاختصار والتركيز للظروف التي أنا متقيد بها على أنني أسأل من الله أن يفسح في العمر بقية حتى أواصل مشروع الكتابة في تراجم النساء الحضرميات عموما بغية إعادة الوعي عند المرأة الحضرمية المعاصرة خصوصا، وتنويها بخطورة التربية وأهمية الإعداد للجيل من الأبناء ذكورا وإناثا الذين فقدوا في هذا الزمان الكثير من مقومات التربية التي ترسخت في الماضي في ذوات الكثير من سلفنا الصالح الذين لا يذكر احد منهم إلا ويقال تربى بتريم وحفظ القرآن العظيم..فساد بينهم العلم والوعي..الذي نطمح في عودته إن أدركت المرأة دورها في التربية والإعداد..
و أخيراً أقول هل أدركت المرأة الحضرمية المعاصرة البون الشاسع بينها وبين المرأة الحضرمية المتقدمة الكامن في الفرق بين إنتاجها وإنتاج المرأة الحضرمية في العصور السالفة ؟ وهل هي جادة وعازمة للاضطلاع بهذه المهمة في إخلاص وهدوء يشابه إخلاص وهدوء المرأة الحضرمية السابقة ..؟
النموذج الأول:الحطابة الحضرمية العارفة
في القرن الرابع عشر الهجري برز عدد كبير من أئمة العلم والمعرفة في جميع أودية حضرموت الداخل والساحل..وكان من جملتهم الإمام العارف المتفق على جلالته الحبيب علي بن محمد الحبشي المتوفى بسيؤن سنة1433ه الذي استنارت به وبعلومه ومعارفه سيؤن وما جاورها من بلدان حضرموت بل قد عم نفعه سائر البقاع من خلال قصائده العظيمة ومولده العذب الذي يقرأ في محافل الاحتفال بمولد مولى بلال زكي الخلال سيدنا محمد الهادي الدال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى جميع الصحب والآل.
وفي إحدى خرجاته الدعوية لبلاد (بور) برفقة تلميذه الشيخ احمد علي مكارم اخذ يناقشه في أثناء المسير فيما يحتاج اليه الناس وما لذي يصلحون به فيعودن عودة حميدة إلى ربهم ..؟
وبينما هم كذلك مروا ببعض النسوة وهن يحتتطبن من أشجار في الطريق فلم يلتفتوا إليهن واستمروا في حديثهم فإذا واحدة منهن أسرعت نحو الحبيب علي بعد أن وضعت شريمها المنجل الذي يحتطب به وحطبها وهي تقول:ما قطع بالناس عن ربهم إلا نفوسهم.. ثم رجعت إلى عملها ..
فقال الحبيب علي الحبشي: صدقتي وحياك الله على حكمة .
فقد كانت هذه المرأة من أرباب الفراسة التي عناها النبي صلى الله عليه واله وسلم بقوله: (اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ) روه الترمذي وغيره.
فبان من حال هذه المرأة ما كانت عليه بعض نساء القرن الرابع عشر الهجري من الخيرية والصلاح مع ممارسة الأعمال الشاقة والتواضع الجم الذي يسترن به هذا الصلاح..فكان الصلاح منتشرا في تلكم العصور حتى فيما بين العوام من الرجال والنساء من أمثال هذه المرأة الحطابة التي شخصت داء الأمة وهو عدم تزكية النفس التي ربط المولى الفلاح به في قوله عز من قائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } وفي قوله: {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فرحم الله تلك المرأة الصالحة .. ووفق الله الأمة لتزكية النفس من صفاتها الدنية للفوز بالجنان العلية التي أشار إليها ابن رسلان في قوله:
مَنْ نَفْسُهُ شريفَةٌ أَبِيَّهْ يَرْبَأُ عن أمورِهِ الدَّنِيَّهْ
ولَم يَزَلْ يَجْنَحُ للمَعَالِي يَسهَرُ في طِلابِهَا الليالِي ومَن يكونُ عارِفَاً بِرَبِّهِ تَصَوَّرَ ابْتِعَادَهُ مِن قُرْبِهِ فَخَافَ وارْتَجَى وكانَ صاغِيَا لِمَا يكونُ آمِرَاً أو ناهِيَا فَكُلَّ ما أَمَرَهُ يَرْتَكِبُ وما نَهَى عَن فِعْلِهِ يَجْتَنِبُ
فصَارَ مَحبُوبَاً لخالِقِ البَشَرْ لَهُ بِهِ سَمْعٌ وبَطْشٌ وبَصَرْ وكانَ للهِ وَلِيًّا إِن طَلَبْ أعطاهُ ثم زادَهُ مِمَّا أَحَبْ
فما أحوج النساء والرجال إلى العودة إلى النفس بالمحاسبة والتزكية عملا بقول الفاروق عمر رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا.رواه الترمذي.
النموذج الثاني :العالمة العارفة أم كلثوم بنت طاهر بن محمد بن هاشم العلوي:
هي عَمَّة العلامة الفاضل عبدالله بن حسين بن طاهر المتوفى سنة 1272ه وطاهر بن حسين المتوفى سنة 1241ه.
وكفى بهذه المرأة فخرا أنها ربت عالمين جليلين من أكابر علماء وادي حضرموت كان لهما أعظم الأثر فيما بعد على الحياة العلمية والمعرفية في القرن الثالث عشر وهما العلامة عبدالله بن حسين بن طاهر وطاهر بن حسين بن طاهر .
فقد أولتهم السيدة أم كلثوم جل وقتها وصاغتهما صياغة علمية وتربوية ممتازة منذ البدايات الفطرية الأولى لهما فصانتهما من جميع المشوشات وغذتهما بأنوار العلم والذكر حتى بلغا مرتبة في العلم والولاية لا تسامى ولا تضاهى..
فكان احدهما وصفه الإحياء وزيادة والآخر اتصف بربع المنجيات وتنزه عن ربع المهلكات..
والمعنى أنهما تحققا بما قرره الإمام الغزالي في كتابه الرائع إحياء علوم الدين من صفات العباد الكمل من أهل الإيمان العالية الراقية التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه واله وسلم في سنته ..وعاش عليها الصحابة وسلف الأمة الصالح من بعده..
ومما قالته لهما من عبائر التأديب والتربية حال الصغر: (يا أولادي لو عملتما بآداب الخلا لظهر عليكما نور العلم).
أقول وكيف لا تتفوه هذه العارفة بمثل هذه الحكمة الرائعة.. ؟وكيف لا تكون بهذه المثابة من الوعي..؟ وقد نصت كتب التاريخ والتراجم إنها تجمّعت فيها كل شروط القضاء غير الذكورة، قال عنها العلامة الشاطري في أدواره: أم كلثوم بنت طاهر بن محمد بن هاشم فهي من أفضل نساء عصرها وتعد مربية مثالية إلى جانب اتساعها في العلوم ( ).
النموذج الثالث:الشيخة المسندة فاطمة بنت سالم بن عبيد بن باغريب:
الحضارمة حيثما وقعوا نفعوا رجالا كانوا أم نساء.. هكذا كان ديدنهم في العصور الخوالي..
ولقد قرأنا الكثير عن نشاط الرجال الحضارمة في تعليم الإسلام وحمل رأية الدعوة إلى الله في المهجر.. لكنا اليوم سنقف مع بعض جهود المرأة الحضرمية في المهجر؛وذلك من خلال ترجمة الشيخة العالمة المسندة فاطمة بنت سالم بن عبيد بن باغريب؛ وهي من مهاجرات الحضارم في جاوه، ولدت سنة 1256ه في مدينة (قرسي) من تلك البلاد، وعلمها أبوها القراءة والكتابة، وقرأت عليه أيضا كتاب و((المختصر في فقه الشافعية)) لبافضل و((المنهاج)) في فقه الشافعية للإمام النووي و((الآجرومية)) في علم النحو وحضرت مجالس السادة العلماء عبد الله بن شيخ بن أحمد بافقيه، وأحمد بن الحسن مولى خيلة، وسمعت ((صحيح البخاري)) من العلامة زبير بن قاسم بارقبة، وحجَّت مع والدها سنة 1299ه، وعَرضها أبوها على السيد أحمد بن زيني دحلان فأجازها وأسمعها أوائل العجلوني، وأجازها عبد الرحمن بن عبد الله السراج.
يقول السيد المسند سالم بن جندان : (رأينا نصوص إجازاتهم عندها محفوظة سنة 1330ه، وقرأت عليها أيام الصبا، وأخذت عنها القرآن، والتجويد و الآجرومية ، وحفظت عنها سفينة النجاة وسلَّم التوفيق والموالد الثلاثة للبر زنجي والديبعي والعزب، وكانت تدرس في منزلها للصغار، وبعد العصر للنساء، وتعظهن في المجالس، وكان أهل بلدها يسمونها رابعة الصغيرة، وكانت تتشبه بالسيدة رابعة العدوية في سيرتها وسلوكها، ولها مجلس تعقده لقراءة صحيح البخاري في شهر رجب من كل عام تبتدئ بقراءته، من أول يوم وتنتهي في التاسع والعشرين من رجب، ثم تعمل مأدبة عظيمة عند الختم تدعو النساء للحضور، ثم تقوم تدعو بالدعاء المنسوب للسيد أحمد زيني دحلان، ثم تعظهن، وإذا أقبل شهر رمضان كانت ترتب القواعد لحضور التراويح التي خصصتها للنساء في المنازل، وهي التي تصلي بهن وتتولى أمر العبادات والعادات، ولا زالت مهذبة لهن ومعلمة حتى جاءتها المنية سنة 1339ه)( ).
فعليها رحمة الله تعالى فقد كانت نموذجا صالحا وقدوة حسنة بجميع ما تحمله الكلمة من معنى لكل امرأة حضرمية في جوانب العلم والعمل والتعليم والدعوة إلى الله.
_ _ _
النموذج الرابع: الحطابة الحضرمية العارفة
في القرن الرابع عشر الهجري برز عدد كبير من أئمة العلم والمعرفة في جميع أودية حضرموت الداخل والساحل..وكان من جملتهم الإمام العارف المتفق على جلالته الحبيب علي بن محمد الحبشي المتوفى بسيؤن سنة1433ه الذي استنارت به وبعلومه ومعارفه سيؤن وما جاورها من بلدان حضرموت بل قد عم نفعه سائر البقاع من خلال قصائده العظيمة ومولده العذب الذي يقرأ في محافل الاحتفال بمولد مولى بلال زكي الخلال سيدنا محمد الهادي الدال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى جميع الصحب والآل.
وفي إحدى خرجاته الدعوية لبلاد (بور) برفقة تلميذه الشيخ احمد علي مكارم اخذ يناقشه في أثناء المسير فيما يحتاج اليه الناس وما لذي يصلحون به فيعودن عودة حميدة إلى ربهم ..؟
وبينما هم كذلك مروا ببعض النسوة وهن يحتتطبن من أشجار في الطريق فلم يلتفتوا إليهن واستمروا في حديثهم فإذا واحدة منهن أسرعت نحو الحبيب علي بعد أن وضعت شريمها المنجل الذي يحتطب به وحطبها وهي تقول:ما قطع بالناس عن ربهم إلا نفوسهم.. ثم رجعت إلى عملها ..
فقال الحبيب علي الحبشي: صدقتي وحياك الله على حكمة .
فقد كانت هذه المرأة من أرباب الفراسة التي عناها النبي صلى الله عليه واله وسلم بقوله: (اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ) روه الترمذي وغيره.
فبان من حال هذه المرأة ما كانت عليه بعض نساء القرن الرابع عشر الهجري من الخيرية والصلاح مع ممارسة الأعمال الشاقة والتواضع الجم الذي يسترن به هذا الصلاح..فكان الصلاح منتشرا في تلكم العصور حتى فيما بين العوام من الرجال والنساء من أمثال هذه المرأة الحطابة التي شخصت داء الأمة وهو عدم تزكية النفس التي ربط المولى الفلاح به في قوله عز من قائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } وفي قوله: {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فرحم الله تلك المرأة الصالحة .. ووفق الله الأمة لتزكية النفس من صفاتها الدنية للفوز بالجنان العلية التي أشار إليها ابن رسلان في قوله:
مَنْ نَفْسُهُ شريفَةٌ أَبِيَّهْ يَرْبَأُ عن أمورِهِ الدَّنِيَّهْ
ولَم يَزَلْ يَجْنَحُ للمَعَالِي يَسهَرُ في طِلابِهَا الليالِي
ومَن يكونُ عارِفَاً بِرَبِّهِ تَصَوَّرَ ابْتِعَادَهُ مِن قُرْبِهِ
فَخَافَ وارْتَجَى وكانَ صاغِيَا لِمَا يكونُ آمِرَاً أو ناهِيَا
فَكُلَّ ما أَمَرَهُ يَرْتَكِبُ وما نَهَى عَن فِعْلِهِ يَجْتَنِبُ
فصَارَ مَحبُوبَاً لخالِقِ البَشَرْ لَهُ بِهِ سَمْعٌ وبَطْشٌ وبَصَرْ
وكانَ للهِ وَلِيًّا إِن طَلَبْ أعطاهُ ثم زادَهُ مِمَّا أَحَبْ
فما أحوج النساء والرجال إلى العودة إلى النفس بالمحاسبة والتزكية عملا بقول الفاروق عمر رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا.رواه الترمذي.
النموذج الخامس السيدة الجليلة رقية بنت عبدالله بن شيخ ابن الشيخ عبدالله العيدروس
ذكر الإمام الحداد رحمه الله تعالى في تثبيت الفؤاد أنها كانت من النساء الصالحات في عصرها، وذكر رضي الله عنه :أن السيد أحمد بن الحسين العيدروس خطبها، فأبى أبوها زواجها.. فنذر لله السيد احمد بن حسين العيدروس إن تيسرت له أن يطالع كتاب "الشفا" للقاضي عياض كله في ليلة واحدة ، وهي ليلة زفافها، والسراج في يدها، ثم إنها تيسرت له ، فلما زفت إليه طرح السراج في يدها، وجعل يطالعه من أوله حتى أتى عليه كله ، وهي ماسكة له السراج بيدها .
أقول :فلو لم تكن من الصالحات العالمات لما تحملت ذلك السهر والتعب في ليلة عرفت عند سائر الناس بليلة الراحة والدعة، ولكنها لما أحبت العلم وخصوصا ما يتعلق منه بشمائل جدها المصطفى المختار تلذذت بذلك واستمتعت به لتزداد في ليلتها تلك من معاني محبته عليه الصلاة والسلام ما ينير فؤادها.. ولتقتبس من أنوار سيرته ما يسمو بروحها.. ثم إنه إن كتب بينهما ولد في تلك الليلة تخلق مغمورا في أبحر أنوار سيرة الحبيب وشمائله.. ونشأ صالحا مخصوصا برعاية الحبيب وحمايته..
وقد ذكر العلامة المفتي عبدالرحمن المشهور في كتابه بغية المسترشدين ما يتناسب مع ما تقدم فقال:
[فائدة عظيمة]: ذكر بعضهم أن من أراد أن يكون ولده، من الشيطان وجنوده، محفوظاً، وبعين العناية الإلهية في الدارين ملحوظاً، فليذكر الله قبل المباشرة أولاً بالذكر الوارد عن المصطفى وهو: "باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" ثم يشتغل بذكر الحق تعالى باطناً من أول المباشرة إلى آخرها، ثم يحمد الله تعالى بعدها على أن جعل ذلك حلالاً، فإن ذلك مما يغفل عنه الكثير، واستحضار من يجب من أولياء الله وأنبيائه حالتئذ نافع جداً، فيسري سر ذلك الولي أو النبي في الكائن في ذلك الوقت ذكراً أو أنثى، ومن كان من أهل الذكر في تلك الحالة بلغ آماله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.