من خلال مقارنة مجتمعنا مع العديد من المجتمعات في العديد من البلدان الناجحة، نجد أن الثقافة الإجتماعية والوطنية والسياسية للمجتمع في بلادنا تعاني من الكثير من العيوب منها ما هو نتاج للعقود الماضية من تاريخنا السياسي، ومنها ما هو ناتج عن إرثنا الإجتماعي والتقليدي. لتحقيق مجتمع يستطيع ان ينظم نفسه، لا بُد من معرفة العيوب والمفاهيم الخاطئة في ثقافة المجتمع، كما انه من المفيد في ظل إرث كبير من المفاهيم الخاطئة والقاصرة أن نكون قاسين في النقد بدلاً من محاولة البحث عما يمكن ان نفاخر به فقط، أو ما نعظم به شعبنا البسيط، والبساطة سمة جميلة يمكن إستثمارها. يعاني المجتمع اليوم من مشاكل كثيرة في الوعي وفي التعامل مع مسائل كثيرة مثل مبدأ المشاركة، الذي لا يستوعبه الكثير من الناس، وان وجد من يتحدث عنه، لكن لا يؤمن به بعمق إلا القليل من الناس، نتيجة لقصور الموروث التقليدي السائد في كثير من المناطق التي لازالت بعضها تعيش في ظل تكتلات عشائري لا تستوعب مثل هذه القيم. فنجد بوضوح أن الكثير من الناس يفكر بطريقة قاصرة مناطقية وعصبية دون وعي بحجم خطر هذا النوع من التفكير. . فكثير من الناس مثلاً يقيَّم المسؤول عن شؤون الناس من خلاله مدى خدمته لأبناء منطقته من عدمه مع أنه ليس مسؤولاً عن شؤون هذا المنطقة فقط بل عن شؤون البلاد ككل في مجال معين، وهذا السلوك نتيجة للنزعة المناطقية، وهذا النوع من النزعات تدمر الاجتماعي والوطني، وتنتج الكانتونات الضيقة التي تعادي بعضها بعضاً. وما يزال مجتمعنا يعاني الكثير من مظاهر الجاهلية بعد مرور 1400 عاماً من البعثة النبوية، ونبذ الجاهلية ومظاهرها العمياء، وخاصة ظاهرة العصبية التي تبدأ من العصبية للمنطقة ثم لمنطقة داخل هذه المنطقة، ثم للقبيلة مثلاً ثم للاسرة وهكذا، ثم نجد كل شخص لا يكاد يطيق كل من حوله. ونتيجة للعصبية، نجد الناس تتعامل مع الحدود والتقسيمات الإدارية كما لو كانت حدود دولية وكل كيان إدراي كما لو كان وطناً قائم بذاته، ونسوا أنها وسيلة لتسهيل شؤون المجتمع، لصعوبة إدراته ككيان إدراي واحد. سمة أخرى يعاني منها جانب كبير من المجتمع هي الجنوح نحو العنف دون وعي حتى بإنه أسلوب خاطئ للتعامل من المشاكل، ناهيكم عن الاعتزاز بهذه السمة لدى فئة كبيرة من الناس خاصة فئة الشباب. لكن أن يعاني الشاب من مثل هكذا مشكلة ليس أمراً غريباً، لكن الغريب ان تعاني النخبة من هذه المشكلة. في العديد من الأحداث السياسية، كان العنف هو سيد الموقف في مدن لم يعرف أهلها سوى التعايش في تاريخها مثل عدن أو المكلا، ولم يكن يدرك المتصارعون حينها أن الحل الناتج عن القوة والتسيد بالعنف حلاً أحمق قصير الأمد وغير قابل للحياة، فالبقاء للأقوى هي نظرية يمكن الأخذ بها في علم الأحياء، وحتى في عالم الحيوان يرى البعض أن البقاء للأكثر قدرة على التكيف مع الحياة، وليس في قضايا المجتمع التي تقول البقاء للأفضل ولذوي التفكير السوي والمعتدل والمتوازن، والتجارب شاهدة على ذلك.