ونحن في أثناء الامتحانات النهائية وعلى مشارف امتحانات نيل الشهادة في المرحلتين الأساسية والثانوية تنشط بين الطلاب هذه الأيام بصورة محمومة أساليب صناعة (البراشيم) بأحجام وخطوط مختلفة استعدادا لعملية النجاح الباهر بالغش. الأمر الذي قد يغير من وظيفة العملية التعليمية كلها بتحويلها إلى عملية أخرى لتعليم فنون الزيف والاحتيال والإبداع فيها، ومن ثم إنتاج رجال بارعين في الغش، أو تحويل العملية التعليمية في أحسن الأحوال إلى مزيج من أساليب التزوير من جهة، وأساليب التأهيل التربوي من جهة أخرى، مما يترتب عليه تمازج في سلوك الطلاب (رجال المستقبل) بين نموذجين من السلوك مثالي/ وغير مثالي. إن الغش بما هو نشاط عملي قد يترك أثرا قويا في سلوك الطالب يفوق أثر الدروس النظرية التي تعلمه الفضيلة، فيخرج إلى المجتمع مزودا عمليا بكثير من أساليب الخداع والنصب، ويديره على تلك الشاكلة من فلسفة النجاح، فالشهادة يمكن الوصول إليها بأقصر الطرق وأقل الإمكانات، وليس في الأمر سوى بعض وريقات صغيرة يكفي أن تكتب ليلة الامتحان لتغني عن عناء فصل دراسي كامل، والمال والمنصب والوجاهة الاجتماعية يمكن الحصول عليها مستقبلا بسهولة بأساليب مطورة من الاحتيال، تزيدها الحياة صقلا ونضجا. وقد سمعت أن الطلاب عندما يلتقون للمذاكرة، أو هكذا كما يوهمون أهلهم، يعقدون لأنفسهم ما يشبه الجلسات الامتحانية (بروفات) فيقوم أحدهم بدور المدرس المراقب، ويمارس كل منهم الغش بطريقته الخاصة (إبداعه الخاص) فإذا انكشف أمره وغالبا ما ينكشفون في تلك الجلسات المحدودة العدد، يقومون بإرشاد بعضهم إلى أساليب الغش بطرق حرفية جديدة ومتنوعة قد تخفى على أدق المراقبين ملاحظة، مع محاولة معرفة لفتات المدرس وحركاته ونظراته وكيفية عثوره على البراشيم والتقاطه لها.. وهكذا.. مما قد يتطلب من المدرسين مستقبلا أخذ دورات خاصة في كشف الغش والغشاشين، مادامت الحرب سجالا بين الطرفين. لكن الأنكى أن يمارس بعض المدرسين تغشيش الطلبة في المدرسة، ويشجعوهم على ذلك، فيكتسب الغش صفة رسمية، مادام يتم في مكان رسمي، وفي أثناء الدوام الرسمي، ومن موظف رسمي. ويكتسب صفة توجيهية أبوية مادام الذي يقوم به معلم في مقام الأب يتلقى التلميذ توجيهاته وتسهيلاته كأنها النظام أو القانون أو السلوك الطبيعي يترسخ في ذهنه منذ نعومة أظافره، ولعل في هذا ما يشير إلى أن الأجيال الجديدة قد لا تقدر على قيادة تغيير حقيقي واع وجذري في المجتمع مما يشكل خطرا آخر داهما. والواقع أن ظاهرة الغش جزء من سياق سلوكي وإداري متفلت، وما أكثر التنبيهات والصيحات التي قيلت وتكررت في هذا المجال غير أنه لم يقلق لأجلها أحد من المسؤولين بجدية وعملية ، ولا تثريب عليهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، لكن تلك الصيحات وقد عجزت عن الوصول إلى غايتها في معالجة هذه الظاهرة يمكن احتسابها من باب مراجعة الكريم لنفسه وتنبيهها حتى لا تغرق في اضطرابات الضياع بصورة أكبر، كأقل وظيفة يمكن تأديتها!!! . ——————- *الوتر السادس:عمود أسبوعي في صحيفة شبام