قد يتفاخر الكثير بالوقوف مع الرؤساء أو مصافحة الزعماء .. لكن كم شعرتُ بالفخر والشرف العظيم حين وقفت بين هذين العظيمين .. الدكتور الرائع جميل عطا الذي حقاً هو مدرسةٌ في البذلِ والعطاء .. وأخي الحبيب محمد باشعيب رسول القلوب الحانية وراسم الابتسامةِ على شفاهِ الكثيرِ ممن هدّت قلوبهم الأيامُ .. هي مدرسة البذل دونما مقابل .. وكذا التواضع بلا تكلّف .. والعلم الذي يزيد صاحبه قرباً من الضعفاء والمحتاجين .. والمهارة الفائقة التي تنتصر بفضل الله على أعتى تحديّات الأمراض .. كم نحن بحاجة والكثير من أطبائنا ومنتسبي العمل الخيري والتنموي إلى ولوج مدرسة هؤلاء الفضلاء .. ولهم اقول كم هو عظيمٌ ما تقومان به وفريقكم الرائع .. أنتم بفضل الله وقدرته تصنعون الحياة .. تعملون بعيداً عن ضوضاء الإعلام .. وعن بهارج الشهرة .. ولأنّ شغلكم الشاغل حياة القلوب .. فلا أجد لكم مكاناً غير التربّعِ على عرش تلك القلوبِ محبةً وتكريماً وتقديراً .. وما عند الله خيرٌ وأبقى .. همسةٌ نادية .. وخلال زيارتي لمقر الحملة العلاجية السادسة لقسطرة قلب الأطفال بوحدة القسطرة بالمستشف الجامعي .. في أذني هَمَسَت (نادية) زهرةٌ في ربيعِها الخامس .. بعد أن خرجت من عملية القلب التي أجريت لها في الحملة العلاجيّة لقسطرة قلب الأطفال بالمكلا .. همساتُها كانت ناديةً بريئة .. أطلقتها بجمالِ برائتها وعفويّة طفولتها .. هَمَسَت لتخبرني عن اسمِها ومن أين هيَ .. وشيئاً عن حالها وأمانيها الصغيرة .. غير أن قلبي وعقلي سمعا من همسِها غيرَ ما وشى به اللسانُ الطفوليُّ العذبُ الجميل .. همسٌ بل لعلّه أنينٌ .. ولربما صُراخٌ انطلقَ في وجداني مدويّاً .. يُصارعُ ابتسامتي التي حاولتُ جاهداً أن أبقيها على شفتيّ إكراماً ومداعبةً وتلطيفاً عن الصغيرةِ (نادية) .. كل ما حولي كان يصرخُ عن حال الصحّةِ لدينا في مرافقنا ونظامنا الصحيّ وكادرنا وإمكانياتنا وتجهيزاتنا بل وفي منهجيّات التفكير والقيادة والسلوك الصحي لدينا .. إلى متى سنبقى رهائن العلاج في الخارج .. ورهائن الأطباء من الخارج .. إلى متى ستبقى كرامةُ مرضانا مُهدرة في أروقة مرافقنا الصحيّة كما أجسادهم المُتعبة ونفسياتهم المُرهقة .. كما هي على طائرات (العيّانين) المغادرة إلى حيث يرجون الشفاء .. كما هي في مستشفيات ومساكن وشوارع ومطارات القاهرةِ وعمّان وبومباي وغيرها من كلّ قِبلةِ علاجٍ في أصقاع المعمورة .. حينما عزَّ الشفاءُ عليها في أوطانها .. همست (نادية) في اذني .. من حيث لا تدري .. وكأنما هو نبضُ قلبِها المُجهَدِ الصغير .. الذي استعاد عافيته لينبضَ بالحياةِ من جديد .. يُرسلُ إليّ نبضات الحياة والأمل .. وكأنما يقول لي ها أنا شاهدٌ على أنّ الخير فينا لا تزال نسائِمُه عليلة نديّة .. تهبُّ على المحتاجين من أيادٍ بيضاء وقلوبٍ حانية وجهودٍ مخلصة مباركة أعادت الحياة إليّ .. وإلى قلوب الكثيرين .. رغم كلّ الآلامِ والظلام .. همسَ قلبُ (نادية) في قلبي: (ما زال المشوارُ طويل .. لكنه كغيرِهِ وإن طال يبدأ بخطوة .. لابدّ أن نمشيها لنكمل المشوار ..) .. لذا أحبتي سنُكملُ المشوار ..