منذ أن أتم الشعب ثورتيه سبتمبر وأكتوبر وهو يعاني الصراع على السلطة مابين رفاق الدرب وأخوة النضال الذي كانت نتيجته انقسامات سياسية أضعفت من قوة تماسك النسيج الاجتماعي اليمني وأعادت عجلة التنمية إلى الخلف لتضاعف من معاناة الشعب . .حيث بدأ الصراع يسري في قمة السلطة وهي لم تزل في بداية طفولتها تمثل في عدد من الانقلابات والاغتيالات التي أصبحت وسيلة للتغيير لم يستطع اليمن التخلص منها وانتهاج نهجا جديدا خلال المراحل التي تلت . وفي الحادي عشر من فبراير 2011 حاول الشعب أن يسن سنة جديدة في التغيير تغيرت على أثرها خارطة التحالفات القبلية والولاءآت السياسية بهدف إنهاء ثلاثة عقود من حكم (علي عبدالله صالح ) الذي تعد رئاسته هي الأطول في تاريخ اليمن المعاصر بشماله وجنوبه حيث انتهت فترة رئاسة كل ممن سبقه بعد سنوات قليلة أما بالإطاحة به أو باغتياله ! فقد انتهت رئاسة (عبدالله السلال)( 1962 -1967 ) لشمال اليمن بالانقلاب عليه حين كان خارج الوطن وانتهت رئاسة ( قحطان الشعبي ) في الجنوب (1969-1967) بإقالته من قبل أخوة النضال لتتم تصفيته نفسيا في السجن قبل أن يعلن عن وفاته رسميا في 1981 وقد غادر الرئيس (عبد الرحمن الإرياني) ( 1967 – 1974 ) السلطة والوطن في الشمال على أثر ثورة 13 يونيو التصحيحية في عملية انقلاب أبيض قاده (إبراهيم الحمدي) (1977-1974) أدى با لأرياني إلى تقديم استقالته واختيار السفر خارج البلاد ليسمح له الحمدي بذلك ويودعه رسميا وداع الرؤساء في خطوة قل ما تحدث في بلد نامي فقد أراد الحمدي من خلالها أن يؤسس لعهد جديد بعيدا عن التصفيات والاغتيالات ليغتال هو بعد ثلاث سنوات تقريبا على رحيل الأرياني بالتحديد في 11 أكتوبر 1977قبيل سفره إلى عدن حيث كان مقررا له أن يحضر الاحتفال بعيد ثورة 14 أكتوبر هناك وخلال الاحتفالات بالعيد ربما تقدما الرئيسان (الحمدي) و(سالمين ) باليمن خطوة أو خطوات نحو الوحدة بتحقيق أتفاق من اتفاقاتها . اغتيل الحمدي من قبل أعداء الوطن والشعب في الخارج وعملاؤهم في الداخل حيث اشتركت في اغتياله أطراف عده لم يكشف عن أدواتها المنفذة صراحة إلا أن تطور الصراع الداخلي بين شركاء الأمس قد يكشف تفاصيل جديدة في هذه الجريمة خاصة وقد تجاوز مرحلة ( عض الأصابع ) ليدخل مرحلة ( كسر العظم) حيث أصبح كل طرف حريصا على تحطيم خصمه ماديا ومعنويا . عقب اغتيال الحمدي اغتيل خلفه الرئيس (أحمد الغشمي) ( 1977 -1978 ) في حدث أكثر غموضا ممهدا لاغتيال الرئيس (سالم ربيع علي ) ( 1969 -1978 ) في الجنوب حيث وجهت له أصابع الاتهام في اغتيال الغشمي في مرحلة وصل فيها خلافه مع رفاقه مفترق طرق فكانت المواجهة التي انتهت بتصفيته جسديا من قبل رفاقه ليصنف ومن معه ب( التيار اليساري المغامر ) وفي هذه الأجواء وصل ( صالح ) ( 1978 – 1990 ) إلى رئاسة شمال اليمن في مرحلة كثيرا ما وصفها قادة في حزبه بمرحلة العزوف عن رئاسة البلاد التي أصبحت تعني للكثيرين أما الانقلاب أو الموت وقد قال هو في أكثر من مناسبة : ( بأنه أتاها حاملا كفنه بيده ) . لكنه أستطاع خلال الثلاثون عاما من حكمه أن ( يلعب بالبيضة والحجر ) كما يقال متحالفا مع كل الأطر والكيانات السياسية والقبلية بل والدينية في سبيل دعم سلطته في مجتمع قبلي يعتبر فيه الولاء للقبيلة أكبر من الولاء للدولة والوطن وفي عاصمة تحيط بها القبائل المسلحة من كل اتجاه حيث وقد صرح (صالح ) قبيل مغادرته السلطة على أثر ثورة الشباب بأن بعض تحالفاته مع بعض التيارات كانت مجرد أوراق أستخدمها لأهداف معينه . كما انتهت رئاسة (علي ناصر محمد ) في الجنوب (1986-1980 ) بانقلاب دموي في الثالث عشر من يناير 1986)) أخرجه ومن معه من ( الزمرة ) إلى صنعاء ليعيشوا في كنف حاكمها لتشكل يناير لاحقا أهم عوامل جمع المتضادين في النهج ( الراسمالي والإشتراكي ) كما شكلت أحدى الأسباب الرئيسة لسرعة حسم حرب (1994 ) لصالح (الحلفاء) ومن تحالف معهم من ( الزمرة ) ضد ( الطغمة ) وبنفس التحالفات القديمة الجديدة أستطاع (صالح ) أن يزيح شريكه في توقيع اتفاقية الوحدة الرئيس الجنوبي ( علي سالم البيض )(1990-1994- ) وبإزاحته أنفرد هو بحكم اليمن الموحد ( 1994-2012 ) لمدة سبعة عشر عاما رتب خلالها أوراق معارضيه في الداخل ليعطي لسلطته واجهة ديمقراطية أمام الخارج من غير أن تشكل المعارضة خطرا يهدد سلطته أو يحد من سلطاته حتى أتاه الخطر من حيث لا يحتسب بخروج الشباب على سلطته وحكمه مستفيدين من أجواء (الربيع العربي) ومن أتساع الهوة بينه وبين أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر التي اتسعت أكثر بعد وفاة والدهم الذي عرف عنه حكمته في التعامل مع ( صالح )حتى في الوقت الذي بداء فيه صالح التمرد على توجهات القبيلة التي ينتمي لها هو ويعد الشيخ عبدالله شيخ مشايخها . كذلك مستفيدين من نتائج حروب صعده الستة يومها راود الحلم وجدان الشعب من جديد بوسيلة أخرى للتغيير يتقدم من خلالها نحو وطن محرر من الفساد والفاسدين ..وطن ينتهج الديمقراطية في التغيير بحسب نص دستوره وقوانينه المنظمة .. وطن تبسط فيه الدولة يدها على كل أرضه . كان حلم الشعب بدولة مدنية ديمقراطية يتسع وهو يرى شباب القبائل وقد تركوا أسلحتهم خلفهم وتقدموا إلى ساحات التغيير مجردين من كل شئ إلا حلمهم بوطن جديد يتسع للجميع مقدمين دمائهم وأرواحهم قرابين في محراب الثورة في مواقع كثيرة كانت ساحة التغيير في صنعاء أبرزها في جمعة الكرامة التي كانت إيذانا بإسقاط النظام يومها لولا تدخل شركا صالح التقليديين أخذين لأنفسهم حق (الحماية) وأخذت قبائل النفوذ حق ( الرفادة ) في الثورة ليعود بعدها (كل نبيا لأمته) ويخرج الشعب من تضحياته الجسام بنصف ثورة وقد خطفها منه السياسيون والمشايخ والعسكر ليقتسموها مع النظام السابق . وتعود مراكز القوى السياسية والقبلية والدينية إلى سابق عهدها في تنافسها المحموم على مراكز السلطة والمال والنفوذ .لتستمر ثقافة الإقصاء ويظل باب العنف مفتوحا على مصراعيه . وفي فبراير 2012 برز أسم نائب رئيس الجمهورية اليمنية (1994 -2011 ) عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي لليمن بعد سعبة عشر عاما تقريبا من النيابة للرئيس أتقن خلالها لعبة الانتظار في صمت وهي لعبة صعبه لا يستطيع إتقانها إلا القليل من السياسيين وخاصة في البلاد النامية حتى أعتقد البعض أن برودة طقس صنعاء قد أنسته تفاعلات حرارة مناخ عدن قبل 1986 مما أدى بهم إلى وصف النائب بعدة أوصاف وألقاب شعبية كلها تعبر عن رفضهم لطول صمته الذي رأى فيه البعض ضعفا بالرغم من معرفتهم بتاريخ النائب النضالي وتمرسه السياسي . لقد رأس اليمن في مرحلة حرجة مدشنا رئاسته بعملية هيكلة الجيش التي أبعدت كثيرا من حلفاء صالح وأقربائه عن مصدر القرار فيه وكانت مفاجئة لمن كان يرى في صمت النائب ضعفا وصدمة لمن كانوا يتوقعون بان الرئيس الجديد سيكون تحت عباءة الرئيس السابق وهو من أحتضنه بمجرد وصوله فارا من عدن ورفاقه عقب أحداث 1986 ولكن الرجل كان سياسيا بحق أتقن اختيار اللحظة المناسبة و لم يسمح بأن يكون مجرد ورقة يستفاد منها لتحرق بعدها مثل كثير من الأوراق السياسية التي أحرقت بسبب عدم إتقان أصحابها لانتخاب اللحظة المناسبة لقديمها . عاد الرئيس هادي باليمن إلى محطة الفدرالية التي كان من المفترض التوقف عندها في التسعينات بهدف ترتيب البيت اليمني الكبير من الداخل قبل مواصلة السير باتجاه الاندماج عاد إليها الرئيس في وقت يرفض فيه بعض القادة السياسيين وبعض المتنفذين مغادرة مواقفهم السابقة فهناك من يريد إبقاء اليمن في محطة المركزية ، ومنهم من يريد العودة بها إلى محطة ما قبل الانطلاق , ومنهم من يراوح بين هذا وذاك وكلهم يعلنون بأن ذلك من أجل الوطن والشعب ، هذه العبارة التي استهلكت كثيرا من قبل حيث لم يقل مسؤولا من قبل إنه كان يعمل من اجل ذاته أو حزبه أو قبيلته فالصراعات السياسية والانقلابات التي تمت كانت من أجل الشعب . والديمقراطية الشكلية والانتخابات الغير حقيقية كانت من أجل الشعب أيضا والجرعات السعرية التي تجرعها الشعب على مدى سنوات كانت كلها من أجل الاستقرار الاقتصادي للشعب .والنتيجة إضطراب اقتصادي وضعف استقرار في مختلف المجالات وأتساع دائرة الفقر بين صفوف الشعب . فهل سيتمكن الرئيس ( عبدربه منصور هادي ) من إدارة الأزمة السياسية القائمة لصالح الوطن والشعب هذه المرة ؟ ليسجل التاريخ أسمه كرائد للتغير في اليمن يتفرغ بعدها لكتابة مذكرات حياته بهدوء تام ليطلع الشعب من خلالها عن مرحلة الكفاح وذكريات الرفاق وسنوات الصمت وتحديات التغيير .