وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    هجمات عدة في خليج عدن وإعلان للقوات الأوروبية    قولوا ل "الصغير الغير عزيز" من لم يحافظ على جنبيته لن يعيد الجنوب إلى صنعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    جرعة قاتلة في سعر الغاز المنزلي وعودة الطوابير الطويلة    العثور على جثة ''الحجوري'' مرمية على قارعة الطريق في أبين!!    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    صاعقة كهربائية تخطف روح شاب وسط اليمن في غمضة عين    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يعود إلى العاصمة المؤقتة عدن    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    تهامة.. والطائفيون القتلة!    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. والعملات الأجنبية تصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    أول تعليق أمريكي على الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح "فيديو"    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    حقيقة فرض رسوم على القبور في صنعاء    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    شاهد.. صور لعدد من أبناء قرية الدقاونة بمحافظة الحديدة بينهم أطفال وهم في سجون الحوثي    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة الكريسماس في شارع البلايا في طنجة
نشر في هنا حضرموت يوم 10 - 12 - 2014

حضرمي في الجزائر والمغرب – الحلقة التاسعة عشر
بعد ان فارقني صديقي (محمد اوفقير) نظرت الى الفندق الذي تركني عند بابه فوجدت انه يقع في الطابق الأول من عمارة تطل على شارع طويل معظم عماراته من خمسة طوابق واكثر وفي اسفلها محلات تجارية معظمها قد اغلق ابوابه ماعدا بضعة محلات هنا او هناك لاتزال مفتوحة ومنها بقالة بجوار الفندق ومحل آخر للتحف والتذكارات، وعلى مقربة منهما محلات تبيع الكيك والحلويات و (الجاتوهات) والمسماة في المغرب العربي (المرطبات) ويطلق على المحل التي يبيعها محل (البتسري) نسبة الى كلمة فرنسية بذات المعنى. وبما ان هذه الليلة التي وصلت فيها الى طنجة هي ليلة (الكريسماس) اي ليلة راس السنة الميلادية فالمحتفلون بها من ابناء المغرب والاقطار المغاربية الاخرى يحرصون على شراء هذه الجاتوهات والكيك والمرطبات، ولذلك بقيت هذه المحلات مفتوحة لتلبية احتياجات زبائنها. ولانني لست من هؤلاء الزبائن فقد اتجهت الى محل التحف والتذكارات وقبل ان يغلق ابوابه وقد اوشكت الساعة ان تصل الى التاسعة مساءً وبقصد شراء تذكار او تحفةرخيصة الثمن او مطبوعة سياحية تذكرني بزيارتي لهذه المدينة المغربية، خصوصاً وانني مع الفجر سأغادر طنجة الى تطوان. وسألت البائع في المحل عن خريطة سياحية لمدينة طنجة، فاحضرها لي، فقلبتها، وابصرت سعرهاعليها وهي عشرة دراهم مغربية (دولار واحد) ووجدت انه مبلغ لا استطيع دفعه حينها. وصرفت النظر عنها ولمحت بطاقات بريدية مصورة (كارت بوستال او بوست كارت) فاتجهت اليها وانتقيت منها بطاقة لمدينة طنجة من الجو ويظهر فيها مضيق جبل طارق واراضٍ من بعيد للساحل الاسباني والذي لايبعد اكثر من 30 كيلو متر عن ساحل طنجة. ويبدو ان هذه الاراضي لمدينة (طريفة) الاسبانية الساحلية. وسألت البائع عن سعر هذه البطاقة فقال لي: درهم واحد، فدفعت له المبلغ وخرجت من المحل. وخرج هو بعدي واغلق محله ربما يبحث له عن مكان يقضي فيه ليلة (الكريسماس). وكنت آخر زبون له في آخر ليلة من ليالي عام 1981م.
واسرعت الخطى الى محل البقالة تحت الفندق الذي سأنزل فيه، وخشيت ان يغلق هو الآخر ابوابه ولا احصل على زاد اوطعام في هذه الليلة. ودخلت الى المحل وطلبت من صاحبه خبزاً وجبناً وزبادي محلى بالفاكهة مما يسمى في المغرب العربي (يوغرت)، فأحضر لي البائع ما طلبت وقال لي ان الثمن ثلاثة دراهم. ولم يكن معي سوى ورقة مالية بخمسين درهماً فاعطيتها له ولكنها اعادها الي معتذراً بانه لاتوجد لديه (فكة) او صرف كما نقول في حضرموت، فاجبته بانني كذلك لاتوجد معي (فكة). ونظرت الى المحلات الاخرى في الشارع فوجدتها قد اغلقت ابوابها ما عدا محلات الحلويات وهي بعيده نسبياً، فعزمت على الذهاب الى احداها، ولكن البائع استوقفني وقال لي: غداً صباحاً احضر لي المبلغ، فأخبرته انني مع الفجر سأغادر الى (تطوان) وقبل ان يفتح محله، فقال: اذا غادرت مع الفجر ولم ارك فانت في حل من دفع المبلغ و(مسامح مني دنيا وآخرة، فشكرته على طيبته وحسن تعامله، ثم سألته عن الشارع الذي تقع فيه بقالته حتى ازوره مرة اخرى ان عدت الى طنجة، فقال لي: هذا الشارع يسمى شارع (البلايا)، واردف بعبارة وقعت على مسمعي برنين ودوي خاص (الله يبليهم). ولم افهم حينها ما يقصده، فلم اعلق ولذت بالصمت. واضاف: كنا نود ان يسمى هذا الشارع باسم صلاح الدين الايوبي وكما فعلوا مع شوارع اخرى غيروا اسمائها واعطوها اسماء اسلامية وعربية ومنها شارع عمر بن الخطاب وشارع خالد بن الوليد ولكنهم (ويقصد الجهة الرسمية المغربية المعنية بمسميات الشوارع في طنجة) اصرّوا على تسمية شارعنا هذا بشارع البلايا. ولم احاول ان استفسر منه حول معنى كلامه حتى لا يتطور الامر الى ما لاتحمد عقباه.
وفيما بعد علمت ان (البلايا PLAYA ) هي كلمة اسبانية تعني الشاطئ او الرمال او الكورنيش او البلاج كما يطلق عليه احياناً. وان هذا الشارع هو اطول شوارع مدينة طنجة، وهو يمتد من وسطها تقريباً الى طرفها الغربي وبموازاة ساحل البحر، ولذلك اطلقت عليه مؤخراً تسمية عربية هي ترجمة حرفية لكلمة البلايا الاسبانية حيث سمى (شارع الكورنيش).
وعلى اية حال فمشكلة المسميات الاجنبية للشوارع في المغرب والمغرب العربي عموماً هي احدى المشكلات الجانبية التي ربما يواجهها السواح العرب القادمون اليها. ورغم ذلك فان حركة تعريب مسميات الشوارع في طنجة مثلاً قائمة على قدم وساق بل انها اشعلت ما يسمى اجتماعياً (معركة مسميات الشوارع) بين محبذ لهذا الاسم او ذاك. وقد تم تغيير اكثر من (1800) أسم لشوارع طنجة وساحاتها وزنقاتها وازقتها، اما بتغييرها الى مسميات مغربية عربيةاو امازيغية او اسلامية او بترجمتها الى العربية وكما هي، وخاصة عظماء التاريخ الانساني في العلوم والآداب والفكر والثقافة والفنون والاختراع والسياسة وغيرها.
وحوالي التاسعة والنصف ودعت صديقي (البقّال) الطنجي نصير صلاح الدين الايوبي. وصعدت الى الفندق وطلبت غرفة للنوم بسرير واحد وحمام داخلي، فأخبرني موظف الاستقبال ان اجرتها ثلاثون درهماً. ودخلت الى الغرفة فوجدتها نظيفة ومرتبة وبما يتناسب مع الاجر المتواضع لها. ولم تمض ساعة من الزمن حتى شعرت بالرغبة في النوم. وانقضت بذلك آخر ليلة لي من عام 1981 في مدينة طنجة المغربية. وغداً سنصبح بحفظ الله ورعايته على اول يوم من عام 1982، فحمدت الله تعالى على السلامة والصحة والعافية، ودعوته عز وجل ان يوفقني في بقية هذه الرحلة حتى اعود سالماً الى تونس حيث كنت اقيم.
اما مدينة طنجة فرغم اهميتها الاستراتيجية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة المغربية الا انها تعد خامسة او سادسة المدن المغربية بحسب حجمها السكاني حيث بلغ عدد سكانها عام 2004م حوالي 700 ألف نسمة. وهي بحسب الرواية الاغريقية قد اخذت اسمها من اسم امرأه امازيغية هي (طنجيس) كانت زوجة لملك يقال له (انتي)، وقد دخل في صراع وحروب مع (هرقل) البطل الاسطوري الاغريقي وانتهت بموت انتي وتزوج هرقل بطنجيس وانجبت له ابناً اسمه (سوفاكس) وهذا الابن هو الذي اطلق اسم امه على مملكته هذه في عام 1320 قبل الميلاد. وهناك روايات اخرى حول تسمية طنجة بهذا الاسم وبعضها ربما يكون من الاساطير او الخرافات المتداولة. ولا تزال هناك في الجنوب الغربي من طنجة مغارات على ساحل المحيط الاطلسي تسمى (مغارات هرقل)، كما ان مضيق (جبل طارق حالياً) كان يطلق عليه قبل الفتح الاسلامي لديار الاندلس (بوابات هرقل) او (اعمدة هرقل). وتقول الاسطورة الاغريقية ان هرقل هذا هو الذي فتح هذا المضيق بسيفه مما جعل مياه المحيط الاطلسي تختلط بمياه البحر المتوسط.
وقد عرف الفينيقيون اهمية الموقع البحري لطنجة في تلك العصور، وحيث كانت سفنهم تجوب مياه البحر المتوسط من شرقه الى عزبه، وتقيم على سواحله مرافئ ومحطات تجارية لهم. واتوا الى طنجة وهي مستوطنة امازيغية الاصل واختاروا موقعاً بحرياً فيها واقاموالهم محطة تجارية هامة فيها كي تعزز محطتهم التجارية هذه المحطة الاخرى التي اقاموها من قبل بجنوب طنجة والمعروفة باسم (ليكسوس) السابق ذكرها، والتي اقيمت في حدود عام 1200 قبل الميلاد وكانت تسمى مدينة تشميش اي (مدينة الشمس) وقد عرفت كذلك في التاريخ الفينيقي بمدينة التفاحات الذهبية، وكما يشير الى ذلك الاستاذ محمد الصغير غانم في صفحة 91 وصفحة 102 من كتابه المشار اليه سابقاً بعنوان (التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط).
وبعد الفتح الاسلامي للمغرب الاقصى اصبحت طنجة وما حولها من ديار الاسلام. وفي صبيحة الأحد التاسع عشر من يوليو من عام 711م والمصادف للثاني والعشرين من رمضان المبارك من عام 92ه كانت طنجة على موعد مع التاريخ، حيث انطلقت من سواحلها سفناً اسلامية بقيادة الفاتح المسلم الامازيغي الجذور طارق بن زياد وعبرت مياه (بحر الزقاق) وهو المضيق الفاصل بين شواطئ المغرب وشواطئ الاندلس، والذي سمى فيما بعد (مضيق جبل طارق). وقد نزل هؤلاء المجاهدون الفاتحون على جبل شاهق في شاطئ الاندلس سمى فيما بعد بجبل طارق، وهو مكان غير مأهول بالشر وتسكنه مجموعة من القرود، وكما يشير الى ذلك الاستاذ منير نصيف في صفحة 88 وما بعدها في استطلاع مصوّر له بعنوان (مفاتيح جبل طارق) بالعدد 257 من مجلة العربي (الكويتية) الصادر في ابريل 1980.
ودارت في هذا المكان معركة ضارية وشرسة بين قوات المسلمين وقوات ملك القوط رودريك والتي تسميه المصادر الاسلامية لوذريق. وقيل ان الفاتح الاسلامي طارق بن زياد قال لقواته آنذاك وهو يحثهم على الجهاد والصبر عليه: ( ايها الرجال اين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو امامكم، وليس لكم والله الا الصبر والصدق). وتحقق للمسلمين في هذه المعركة وبفضل من الله عز وجل ثم بجهاد المخلصين من المسلمين نصراً عزيزاً تذكره الاجيال جيلاً بعد جيل. وكان فاتحة لنشر دين الاسلام في ديار الاندلس وماحولها.
وظلت طنجة حاضرة من حواضر العالم الاسلامي الزاهرة وثغراً متقدماً من ثغوره البحرية في مواجهة عدوان الغرب المسيحي طيلة العهود والقرون المتوالية. وقد عملت الدول الاسلامية التي ظهرت في الاندلس والمغرب من امويين ومرابطين وموحديين ومرينيين ومن اتى بعدهم على الحفاظ عليها من هيمنة الاسبان والبرتغاليين، حيث جعل منها المرابطون والموحدون مركزاً مهماً لتنظيم جيوشهم وحملاتهم نحو الاندلس وشمال افريقيا.
ومن عام 1471م الى عام 1684م اي على مدى اكثر من قرنين من الزمن كانت طنجة تتعرض بين حين وآخر لهجمات وسيطرة البرتغالين والاسبان والانجليز مما ترك بصمات عمرانية واضحة في هذه المدينة، وخاصة في المدينة العتيقة منها من حيث الاسوار او الابراج او الكنائس.
ويقول البعض ان اهم فترة في تاريخ طنجة الوسيط والحديث هي فترة السلاطين العلويين، وخصوصاً المولى اسماعيل الذي حكم المغرب الاقصى من عام 1672م الى عام 1727م، وكذلك حكم المولى محمد بن عبدالله من عام 1757م الى عام 1790م، حيث استطاع المولى اسماعيل استرجاع طنجة من قبضة الانجليز عام 1684م وحصنّها عسكرياً ودفاعياً وجعلها بوابة تجارية وسياسية للمغرب الاقصى وتطل على دول البحر المتوسط، فاستعادت طنجة بذلك دورها العسكري والتجاري والسياسي وعرفت توسعاً وتنظيماً عمرانياً ملحوظاً، حيث بنيت المساجد والاسواق والساحات والطرق والحمامات العامة والقصور والنافورات وغيرها من مظاهر العمران. ونظمت فيها شؤون الادارة والتجارة. وافتتحت فيها عدة قنصليات وسفارات لبعض الدول، حتى اصبحت طنجة فيما بعد اي عام 1830م (عاصمة دبلوماسية) للمغرب الاقصى فيها عشر قنصليات، واصبحت مدينة دولية يتوافد عليها التجار والسياسيون والمغامرون والباحثون عن فرص للنجاح والثروة، وللاستفادة من مزايا موقعها الاستراتيجي المطل على مضيق جبل طارق، ومن الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها آنذاك، وكذلك بعد ان فرض عليها نظام (الحماية الدولية) من عام 1923 الى عام 1956، اي انها كانت خارج نطاق الهيمنة الفرنسية. وقد ازيل هذا النظام الدولي الخاص بطنجة قبيل الاستقلال وشملتها سيادة المملكة المغربية عند استقلالها في عام 1957.
والكثير من المعالم الاثرية والعمرانية التي تركتها هذه المرحلة في طنجة يقع في المدينة العتيقة، وهي مدينة بنيت عبر مراحل تاريخية سابقة. ويقال انها قامت فوق اطلال مدينة (طنجيس) القديمة. وقد قام البرتغاليون من عام 1471م الى عام 1661م بتعزيز اسوار المدينة العتيقة وابراجها، كما قام الانجليز من عام 1661م الى عام 1684م بترميم وتحصين هذه الاسوار والابراج.
وكان للسلاطين العلويين، وخاصة السلطان اسماعيل جهداً ملحوظاً في تدعيم وتحصين اسوار المدينة وابراجها، ومنها برج النعام وبرج عامر وبرج السلام وبرج دار الدباغ. كما فتحت بهذه الاسوار ابواباً اخرى حتى وصل عددها الى 13 باباً منها باب القصبة وباب البحر وباب المرسى وباب العسّة وباب مرشان وباب حاحا. وتحيط هذه الاسوار والتي يبلغ طولها حوالي 2200 متر بالاحياء الخمسة بداخل المدينة العتيقة وهي: القصبة ودار البارود وجنان قبطان وواد اهردان وآيت ا يدر.
وخلال هذه المرحلة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين بنيت العديد من المعالم الحضارية والعمرانية الهامة في طنجة، ومنها الجامع الكبير والذي بني على مقربة من ( سوق الداخل) وفي ازمنة سابقة على الاحتلال البرتغالي عام 1471م. وبعد ان سيطر البرتغاليون على طنجة جعلوا من هذا الجامع الكبير كنيسة، ثم اعيد مره اخرى ليكون مسجداً في العهد العلوي وذلك في عام 1684. وتمت توسعته والعناية به واصبح معلماً مهماً من معالم طنجة المعاصرة. وكذلك بنيت في طنجة عام 1664م ما يطلق عليه (قصبة غيلان). ويرتبط اسمها باسم (الخضر غيلان)، وهو قائد حركة الجهاد الاسلامية المغربي ضد القوات الانجليزية التي احتلت طنجة عام 1662م واستمرت حتى عام 1684م. وهذه القصبة تقع في شرقي المدينة العتيقة وعلى الطريق المؤدية الى منطقة (مالا باطام، كما نبيت (دار المخزن) ويسمى (قصر القصبة) وقد بناه المولى اسماعيل على انقاض قلعة بناها الانجليز على اطلال مبنى كان موجوداً قبل الاسلام. وقد جعل المولى اسماعيل من دار المخزن هذه او قصر القصبة مقراً للحكم في طنجة، حيث يحتوي على مسجد ودار للحكم وبيت للمال وسجن واسطبل للاحصنه والماعز والانعام. وتحف به بساتين وحدائق. وقد حول هذا القصر مؤخراً الى متحف اثنوجرافي واركيولوجي لمدينة طنجة وما حولها.
ومن المعالم العمرانية والحضارية الهامة الاخرى في طنجة جامع الجديدة والذي يعرف كذلك باسم جامع النخيل او جامع عيساوة، وكذلك جامع السوريين وقد اسسته مجموعة من الاسر السورية تخليداً للمشاركة المغربية في حرب تشرين أول (أكتوبر) عام 1973 على ارض الجولان السورية والتي لاتزال محتلة الى اليوم من قبل اسرائيل.
وفي طنجة توجد (قاعة للفنون المعاصرة). وقد اقيمت عام 1976م في مبنى مصمم على الطراز الاسباني الموريسيكي وبها خزانة عامة اي مكتبة للكتب الانجليزية واخرى للكتب العربية المختصة في التاريخ المغربي والاسلامي. وبها قاعات فرعية للدراسة والبحث والمحاضرات. وتقام فيها انشطة ثقافية وموسيقية. وفيما سبق فقد استخدم مبنى قاعة الفنون هذه كمقر لاول سفاره امريكية خارج الاراضي الامريكية عام 1821.
وقد افتتح مؤخراً (سبتمبر 2014م) معهداً للموسيقي في طنجة تحت اسم (معهد مارسيل خليفة للموسيقى) بقصد ربط الموسيقى العربية في مغرب الوطن العربي ومشرقه. وهذا المعهد هو ضمن القطاع الخاص ويشرف عليه الفنان والموسيقي اللبناني الشهير مارسيل خليفة صاحب المدرسة الملتزمة في الغناء العربي والتي تطرح قضايا وهموم الشعوب العربية في الحرية وإزالة المعاناة عن كاهلها.
وترك الاسبان في طنجة ساحة لمصارعة الثيران تعتبر اليوم من المعالم الاثرية فيها. كما ترك الاسبان فيها كنيسة كانت في ملكية اسرة يهودية واشتراها السلطان العلوي محمد بن عبدالله عام 1760م ثم اهداها الى مملكة السويد لتجعل منها مقراً لقنصليتها في طنجة عام 1788م. ولكن بعد حوالي تسعة عقود من الزمن اي في عام 1871م استولى عليها الاسبان وجعل منها الحاكم الاسباني في طنجة مقراً للبعثة الكاثوليكية المسيحية والتي اقامت فيها كنيسة كبيرة سميت (كنيسة لابور يشيما). ولكن مع قلة المسيحيين المترددين على هذه الكنيسة للصلاة فيها فقد اصبحت تهتم فقط بانشطة اجتماعية وخيرية ولم تعد هذه الكنيسة مكاناً للصلاة المنتظمة فيها.
واما عن النشاط الاقتصادي في طنجة فهي تعتبر قطباً اقتصادياً مهماً في المملكة المغربية، وتعد ثالثة مدن المغرب في النشاط الصناعي. وتوجد بها مصانع عديدة للملابس والاسمنت والحديد والصلب والاغذية والمواد الكيماوية. وهي تعتبرمن المدن المغربية الهامة في صناعة طباعة ونشر الكتب والمطبوعات. ويعد ميناء طنجة من اكبر موانئ المغرب حركة ونشاطاً. وبحسب تصنيف لعام 2007م لمستوى الدخل في مدن المملكة المغربية كانت طنجة هي الاولى في هذا المستوى، اي انها تعد من اغنى المدن المغربية من حيث الدخل، وخصوصاً في اوساط الجاليات الاوروبية القاطنة بها، مما يخلق تفاوتاً ملحوظ بين سكان المدينة في مستوى الدخل ومع وجود مظاهر وبؤر للفقر والفاقة في الاحياء القصديرية والعشوائية باطرافها.
وتخدم الحركة السياحية في طنجة وسائل مواصلات برية وبحرية وجوية منتظمة وسريعة. وقد ربطت طنجة بخطوط بحرية منتظمة تصلها الى موانئ البحر المتوسط عبر مجموعة من العبارات البحرية وهي تصل الى موانئ اسبانيا وفرنسا وايطاليا والجزائر وتونس والاسكندرية بل والى ميناء جدة وغيرها. وهناك رحلة بحرية تنطلق كل ساعة من ميناء طنجة الى هذه الموانئ، فتصل الى ميناء (طريفة) في اسبانيا خلال نصف ساعة، والى ميناء (الجزيرة الخضراء) باسبانيا كذلك خلال ساعتين. ويعتبر مطار (طنجة ابن بطوطة الدولي) من اهم المطارات المغربية حركة ونشاطاً وهو من ضمن 12 مطاراً دولياً في المملكة المغربية. ولاشك ان طنجة تمتلك الكثير من مقومات الجذب السياحي واصبحت لها مكانتها السياحية مغربياً وعربياً وعالمياً، وهي تستقطب لوحدها حوالي ربع مليون سائح سنوياً، كما انها عضو في منظمة العواصم والمدن الاسلامية التي تضم عشرات من هذه العواصم والمدن. وتعد طنجة عاصمة لجهة ادارية بالمملكة المغربية تسمى (جبهة طنجةتطوان) وتضم اربعة اقاليم هي: تطوان ووزان وشفشاون والعرائش، وكذلك تضم ثلاث عمالات هي: طنجةاصيلة، والفحص انجرة، والمضيق، والمقصود به الساحل المغربي المطل على مضيق جبل طارق.
ومن ضمن الاهداف التي وضعتها لنفسي عند زيارتي لطنجة ان ازور منزل الرحالة المغربي ابن بطوطة ذو الجذور الا مازيغية، وكما فعلت في تونس بزيارة منزل ابن خلدون ذو الجذور الحضرمية. وسألت في طنجة عن امكانية زيارة منزل ابن بطوطة او بقاياه، فقيل لي انه في مدينة طنجة العتيقة، بل قيل لي كذلك ان له ضريحاً هناك. ولم يسعفني الوقت لزيارة ذاك المنزل والذي كنت اود ان اراه. ولكنني علمت فيما بعد ان في مدينة طنجة العتيقة وفي احد احيائها القديمة وهو حي جنان قبطان وحيث يوجد زقاق صغير يسمى ( زنقة ابن بطوطة) وبجوار مسجد في هذا الزقاق يقال له مسجد حسان يوجد مبنى صغير وضعت لوحة على بابه مكتوب عليها باللغتين العربية والفرنسية (ضريح ابن بطوطة). والغريب ان الكثير من الباحثين من ابناء طنجة ومن المغرب عموماً ممن يؤكد على ان ابن بطوطة لم يدفن في هذا الضريح. ويرجح البعض انه دفن في الدار البيضاء حيث كان يعمل قاضياً هناك وقضى آخر ايامه فيها، كما يرجح آخرون انه دفن في فاس اومراكش. وقد اكد على ذلك الباحث الاكاديمي المغربي والمؤرخ الدكتور عبدالهادي التازي والذي له عدة دراسات منشورة عن ابن بطوطة، وذلك في مقابلة معه بثت في قناة الجزيرة (القطرية) في 12أبريل 2008م واكد على ان ابن بطوطة مدفون في مدينة الدار البيضاء والتي كانت تسمى في زمنه (تمسنا) وكان يعمل قاضياً بها حتى آخر آيامه. وان هذا الضريح المزعوم لابن بطوطة في طنجة انما هو وهم من بعض ابناء طنجة الذين عزّ عليهم ان يكون جثمان احد عظماء طنجة مدفوناً خارجها. ولكن هذه حكمة الله عز وجل وقدرته ولا يعرف المرء اين تكون نهايته. والطريف انني علمت انه قد كتب على هذا الضريح المزعوم لابن بطوطة في طنجة عبارة (لاتبحثوا عن قبري في التراب وانما في قلوبكم). وربما تعزز هذه العبارة مقولة ان إبن بطوطة دفن خارج طنجة.
ولعله من المفيد لنا نحن الحضارمة ان نعرف ان الدكتور عبدالهادي التازي وهو من ابناء فاس يعد من اكثر الباحثين المغاربة وربما العرب اهتماماً بحضرموت وبالانجازات الكبيرة التي حققها الحضارمة حضارياً وانسانياً. وقد اكد على ذلك في تلك المقابلة التلفزية مع قناة الجزيرة (القطرية) والمشار اليها سابقاً، حيث قال بالنص (اهل حضرموت يعتبرون من العناصر البارزة التي اسهمت في بناء البيت العربي).
المكلا – حي السلام
9 ديسمبر 2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.