العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    مانشستر سيتي يسحق ليفربول بثلاثية نظيفة في قمة الدوري الإنجليزي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الرحالة" فيلبي في كتاب عمشوش
نشر في هنا حضرموت يوم 08 - 08 - 2012

اختار د.مسعود سعيد عمشوش عنواناً لكتابه أسعفته فيه عبارة كُتبت على قبر فيلبي الموجود في بيروت وهي على النحو الآتي ((أعظم مستكشفي الجزيرة العربية ) وهذه العبارة نفسها أوصى فيلبي ان تُكتب على قبره وفق منطوق ابنه (كيم) ويبدو أن عمشوشاً جارى (كيم) واحترم الوصية وحتى نحفظ لعمشوش حقه في الإضافة للعنوان الرئيس لكتابه يقتضي ذلك أن نورد العنوان كما ارتضاه المؤلف نفسه وهو المستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته الى حضرموت) وحتى يلفت الكتاب القراء ويغويهم بالجديد في الكتاب يعلن الآتي ((أن رحلة فيلبي إلى حضرموت لم تحظَ حتى الآن بأية دراسة فقد رأينا أن نكرس هذا الجهد المتواضع الذي يندرج في إطار اهتمامنا بما كتبه الرحالة الغربيون عن حضرموت )) (6) .
إن العنوان الرئيس يمثل علامة مهمة في الكتاب وهذه العلامة تكمن أهميتها في كونها تحمل المضامين المحورية فيه وتعمل على توجيه القارئ . والكتاب المعني بالقراءة يلح على صفة المستكشف بوصفها الصفة التي ينماز بها فيلبي وتُعدّ الصفات الأخرى التي عُرف بها ثانوية بالقياس إلى هذه الصفة التي سلم بها عمشوش ولذلك يصرح في المقدمة بالآتي ((وفي اعتقادنا لم يكن الهدف الأول لمجيء فيلبي إلى الشرق الأوسط وإقامته فيه خدمة المصالح البريطانية أو ابن سعود بل أن يكون أعظم مستكشفي الجزيرة))(5) وفي الخاتمةِ يصل عمشوش إلى يقين بأن رحلة فيلبي إلى الجزيرة العربية لم تحمل أي مضامين تجسسية أو نوايا ماكرة بل إن الدافع هو الرغبة العارمة عند فيلبي للاستكشاف حسب وبمنطوقهِ (( الدافع الحقيقي لمجيء فيلبي إلى بلاد العرب: أي الاستكشاف . فمن خلال دراستنا لواقع رحلة فيلبي إلى حضرموت وردود الفعل التي أفرزتها استطعنا أن نتأكد أن هاجس فيلبي الحقيقي كان أن يستكشف قبل غيره من الغربيين أكبر قدر من أراضي الجزيرة العربية)) (105).
إن المعطيات المبسوطة في المتن تمضي قي اتجاه يخفف من ثقل البراءة والنزاهة العلمية التي يتضمنها العنوان الرئيس . وقبل أن نضع اليد على هذه المعطيات لعل سؤالاً يتبادر إلى ذهن القارئ يمكن أن يصاغ بالطريقة الآتية وهي : لماذا يريد السيد فيلبي أن يستكشف الجزيرة العربية؟ هل الدافع هو الرغبة العلمية المنزهة عن الأغراض؟ ثم أن السيد فيلبي لم يكن عالم آثار أو عالم نبات أو حشرات وأتى إلى شبه الجزيرة العربية ضمن بعثة علمية تتوخى أهدافاً معرفية بل ضمن مجموعة من العسكر وأدلاّء طُرق مدهُ بها الملك عبدالعزيز آل سعود , أما المعطيات التي تعزز الأبعاد الأخرى عند فيلبي والتي يمكن أن تدفع القارئ إلى أن يَعدّ الصفة الأولى لهذا السيد البريطاني هي صفة الجاسوس هي أنه (( سياسي ورجل استخبارات بارع … وتاجر ماهر . وقد كان السبب المباشر لمجيئه إلى الشرق الأوسط في عام 1914)) (5).
وفضلاً عن أمنيات فيلبي فبداية حياته لم تتجاوز إطار المؤسسة الاستخباراتية لقد (( تحقق أولى أمنياته حينما طَلب منه الحاكم البريطاني بيرسي كوكس أن يكون مساعداً شخصياً له … وكلفه … بإعداد مذكرات عن الأوضاع في مركز شبه الجزيرة العربية .
ويبدو أن فيلبي قد استمر في تنفيذ هذا التكليف حتى آخر يوم من عمره ) (83).
وفي أثناء الصراع المحموم بين الدول الاستعمارية لافتراس جثة الرجل المريض (تركيا) بعد الحرب العالمية الأولى كان المدعو فيلبي (( ضابطاً نشطاً … في قاعدة للقوات البريطانية معنيا بالجانب الاقتصادي في وحدة المخابرات وكان على معظم الجواسيس الذين استخدمتهم بريطانيا من ذلك المعسكر أن يمروا بعمليات التدقيق المتوهج لعيون فيلبي الزرقاء والحديدية )) (13-14) ومعنى ذلك أن فيلبي محسوب على المؤسسةَ الاستخباراتية البريطانية إنه يُقدر تقديراً رفيعاً من هذه المؤسسة وهي تثق فيه وتقدر مواهبه في تجنيد مخبرين جدد لصالح هذه المؤسسة . وكشفت الصفحة الرابعة عشرة من الكتاب عن القدرات الممتازة لفيلبي في العمل التجسسي وقدرته على التخلص من خصومه في هذا المجال إذ كان هناك (( اثنان من الألمان الأذكياء, يعنيان الكثير للقوات البريطانية الأول هو المشهور ( وراسماس الذي تعامل مع جماعة من مقاتلي حرب العصابات عبر منطقة بلاد فارس في عمليات انقضاض مستمرة على حقول النفط … أما الألماني الأخير فهو (بريزر) الذي يقال عنه أنه سيد الخليج العربي . وكان على سانت جون فيلبي أن يراهن بعقله ضد هذين الرجلين الذكيين . وكانت النتيجة أمراً لا مفر منه فقد مات (بريزر) مطعوناً بطعنة من خنجر أعرابي فيما وجد (وراسماس) نفسه محاطاً عن قرب بعصابة في إيران وتمكن من الهرب في جنح الظلام … إلى آسيا الوسطى فلجأ إلى إحدى دولها وحين انتهت مهمة فيلبي اختفى)) وخلت له الساحة وتحرك بحرية لتنفيذ مراميه الاستخباراتية .
إن عمشوشاً في كتابه بادر وأورد معلومات عن اعتناق فيلبي للإسلام والدوافع الخفية وراء هذا الاعتقاد , فهو لم يخف على زوجته ( دورا) رغبته (( في اعتناق الدين الإسلامي ليُسهل عليه السفر عبر الصحراء والتعامل مع الملك عبدالعزيز في شئون التجارة .. وكتب رسالة إلى زوجته … قال فيها لو كنت فقط . أو أصبحت مسلماً . أعتقد أنني سأحصل على هذه الامتيازات بمجرد طلبها )) (21) ومن المفارقات العجيبة أن المؤسسة الاستخباراتية التي وجهت اللوم إليه لإصراره على الذهاب إلى الربع الخالي والدخول إلى حضرموت هي من استفادت من هذه الرحلة فهو الذي لفت انتباه الحكومة البريطانية إلى ضرورة الإسراع في تصحيح الوضع القائم في كثير من مناطق حضرموت فهو يؤكد أنه خلال زيارته لحضرموت لم ير أي أثر للحماية البريطانية بين بلدة هينن غرب وادي حضرموت وشبوة)) (59) .
وهذه الزيارة التي أدرجت في الكتاب تحت مسمى رحلة استكشافية إلى شبه الجزيرة العربية كان لها ردود أفعال ففيلبي اصطحب معه في رحلته (( أحد رعايا الإمام من قبيلة نهم والأمر الأهم هو أن الإمام يحيى ساوره الشك في أن بريطانيا والمملكة العربية على وشك الاتفاق بشان مستقبل حضرموت وقد رصدت المخابرات البريطانية مخاوف الإمام يحيى في هذه الوثيقة التي ضمنها إلى ملف فيلبي )) (60).
وإذا ما انتقل القارئ إلى بعض الآراء التي قيلت عن شخصية فيلبي وبخاصة ذلك الرأي الذي صدر من المفكر ادوارد سعيد نرى عمشوشاً لا يعلق عليه لا بالسلب ولا بالإيجاب ويقتضي وفق طبيعة الدراسة الموصوفة بالتحليلية أن تتجلى التحليلية في مثل هذه الآراء وغيرها فادوارد سعيد ذهب إلى أن فيلبي ( قرر أن يصبح مسلماً وصديقاً لابن سعود ويتوحد معه مصلحة وعقيدة وعاطفة ووجداناً, فهو لم يفعل ذلك إلا ليخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية على أحسن وجه . حتى إن فهمه بعض زملائه بشكل خاطئ وعلى الرغم من تقربه من الغرب والمسافة التي وضعها بينه وبين وجهة نظر بعض ممثلي حكومته يظل فيلبي ضمن من يسميهم ( ادوارد سعيد ) العملاء الامبرياليين من المستشرقين مثله مثل لورانس وهوغارث… إن المسألة بالنسبة لهؤلاء المستشرقين كانت أن يبقى الشرق والإسلام تحت سيطرة الرجل الأبيض )) (99).
وهناك رأي يرفع درجة الإحساس عند القارئ بأن فيلبي أينما اتجه وأينما حل ومهما ادعى من نوايا حسنة تجاه شبه الجزرة العربية وأهلها وأنهم أهل وفاء وكرم فإن ذلك لا يغير من حقيقة فيلبي (( رجل السياسة البريطاني الذي خلع على نفسه صفته الرسمية عندما أدرك ضرورة ذلك ليعمل تحت ستار من السرية والخفاء في تحقيق أهداف بلاده وخدمتها حتى اللحظة الأخيرة من حياته )) (101) , وبعيداً عن الدوافع التجسسية التي تحرك فيلبي وتجعله يتوارى تحت غطاء الرسمية واللا رسمية نرى ليبراليته واشتراكيته العجيبة التي لا ترى ضيراً في احتلال الآخرين واستعمارهم ففيلبي يقر بأنه (( أول اشتراكي ينضم لجهاز حكم الاحتلال البريطاني في الهند))(1) وتولى مناصب خطيرة في هذه البلدان المحتلة فقد كان رئيسا للمخابرات بحكومة الانتداب البريطاني بالأردن – كما تولى مناصب حكومية إذ (( عُين بعد احتلال بغداد في 17 مايو 1916م مساعداً ثانياً للحاكم هناك . فضلاً عن مهاراته التجارية وارتباطه بأكبر شركات البترول في شبه الجزيرة العربية وهذه الشركات هي القوة الاقتصادية التي تقرر مصائر المصالح السياسية وكانت معظم الاتصالات بين الشركات الأمريكية والسعودية تتم عبر فيلبي وعندما اندمجت شركة سوكال وتكساكو ممتلكاتها في الجزيرة العربية تحت اسم شركة سويس ثم أرامكو 1936 ظل فيلبي وكيلها في السعودية وذلك حتى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي . وقد وصفت وزارة الخارجية الأمريكية أرامكو أنها أثمن هدية تجارية قدمت لأمريكا في التاريخ )) 25
ويبتعد كتاب عمشوش قليلاً عن السياسة في الفصل الخامس وبخاصة في العنوان الصغير الذي اندرج تحت العنوان الكبير الموسوم ب (السرد في كتاب بنات سبأ) ويحسب لعمشوش عنايتهِ بهذا المجال وخصوصيته لكون النص المعني بالدرس ليس نصاً أدبيا أو روائياً وإنما مزيج من التاريخ والأدب أو ما اصطلح عليه ( أدب الرحلات ) وحين يمضي القارئ في قراءة عمشوش السردية لا يجد ما يروي ظمأهُ السردي بل لا يجد في بعض مواضع الكتاب سوى عبارات عامة لا تحمل مضامين وخصوصيات للسرد الموجود في كتاب ((بنات سبأ) فالقارئ حين يكون إزاء هذا السرد لا يمكن أن يحكم بأن لهُ هوية خاصة، ومثال على ذلك القول بأن فيلبي له مهارة وقدرة ((على مرج سرد أحداث رحلته ومشاهداته بانطباعاته الذاتية بشكل جلي في هذه المقاطع تحتويها الصفحات الأولى من الفصل الثاني الخروج))(86) وقول مثل هذا القول عن السرد هو قول عام ولا يرتقي إلى مصافي التحليل ومعروف لكل من له صلة بالسرد أن السارد يجمع بين الوصف والمشاعر والانطباعات الخاصة ولعل قيمة السرد تصدر من هذا المزج . والمهم في هذا المزج كيفية الشعرية والعمومية نفسها تكرر في الحديث عن الوصف عند فيلبي الذي يرى ((أن جمال الوصف عنده لا يرتقي إلى مستوى جمال الرومانتيكيين … لكننا لانعدم أن نجد في كتابه ( بنات سبأ) صفحات في غاية الجمال يصف فيها الصحراء العربية التي قضى جزءاً كبيراً من عمره في استكشافها))(92)
إن عمشوشاً لا ينقل لنا رأيه النقدي العلمي بل يكتفي بمثل هذا القول الانطباعي ((إن هذا الوصف في غاية الجمال )) ويمكن للقارئ أن يعود إلى هذا الوصف في المتن وسيرى أن الوصف يلعب فيه السارد لعبة الضوء واللون فيصف المروج الخضراء وينتقل إلى اللون الفاتح في أشجار الدخن إنه الوصف بالألوان وتأثيرات الضوء عليه وما يحدث من تقلبات في هذه الألوان فتجد اللون الخمري في الصخور في لحظة معينة من انبعاث الضوء وتجد الأسود يتحول ويصير أبيض حين تلقي الشمس أشعتها المتوهجة في الظهيرة . وكان يمكن لعمشوش أن يستثمر هذه المعطيات السردية ويجلي جمالها بطريقة أفضل مما فعل . ولا يتخلى عمشوش عن هذه العمومية وهو يتحدث عن أسلوب فيلبي في وصف شبوة القديمة فيقول (( ويبرز جمال الأسلوب الوصفي في كتابه (بنات سبأ)…)) (93) . ويمكن أن يلتقط القارئ صورة المرأة الحاضرة في الأسلوب والعنوان وتقلبات هذه الصورة بفعل الزمن من الشباب وإغوائه وإغرائه إلى الشيخوخة وذبولها وهذه ثنائية عزف عليها فيلبي فنجد الإغراء والإغواء والذبول من جهة أخرى في المكان الذي يشبهه بالمرأة ويستدعي فيلبي الرغبة في النظر إلى هذه المرأة التي كانت فاتنة وجذابة فأصبحت ذابلة . ووفق منطوق فيلبي (( كنت أول أجنبي يرى مفاتنها الذابلة ))(93) وبعد صورة المرأة المنبثة في الوصف تعكس وعلى الرغم من هذه الملاحظات التي لا تصل إلى ملاحظات الاختصاصي في هذا المجال إلا أن عمشوشاً أجتهد في بعض المواضع وانتصر على العمومية والانطباعية من هذه الاجتهادات أن الظواهر السردية في رحلة فيلبي تتضمن (( إشارات زمنية تُحيلنا إلى تواريخ تقع قبل الرحلة أو بعد انتهائها))(90) ثم يتابع عمشوش هذه الخصوصية في سرد فيلبي فيقول (( إن إكثار فيلبي في بعض الفصول – للإشارات الزمنية لاسيما تلك التي تتعلق بجزئيات اليوم تجعلنا نعتقد أن ما يقوم به مجرد عملية نسخ لما دون في يومياته أو مذكراته ))(91) وبعبارة مكثفة أن الإشارات الزمنية تؤثر في السرد وتوجهه وجهة معينة وإذا ما ترك القارئ الفصل الخاص بالسرد وانتقل إلى مستوى الخدمات التي يقدمها للقارئ سيرى أن المتن لا يعتني بشرح بعض العبارات ولا يَعرف بالبلدات والقرى التي ذكرها في المتن ومعروف أن القراء ليسوا على خط متساوٍ في المعرفة التاريخية وربما بعض القراء لم يسمع بهذه البلدان التي ذكرت ولا بأسماء القبائل التي تضمنها الكتاب ولا بأس أن يعتني المؤلف بكل ما يخص كتابه من أجل خدمة القراء وأن يشتغل في الهوامش لتقديم هذه الخدمة ويمكن له أن يستعين بالاختصاصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية وتاريخ حضرموت وعلى حد علمي أننا نفتقد إلى معجم مفصل تفصيلاً دقيقاً لبلدان وقرى حضرموت وإن كان ابن عبيد اللاه قد سبق أن اشتغل في هذا المجال في كتابه الموسوم ب (إدام القوت …) إن مجال (أدب الجغرافيا) قد عمل فيه من قبل صاحب الشامل علوي بن طاهر الحداد واليوم في ظل الضجيج الإعلامي والمعرفة الانفعالية عن حضرموت وثقافتها لم نجد أحداً من أهل الاختصاص من أبناء حضرموت يفكر في العناية بأدب الجغرافيا ويوجهه نحو العناية ببلدات وقرى حضرموت ومدنها كما فعل بن عبيداللاه وصاحب الشامل.إن الأسماء التي وردت في المتن مثل العقاد التي سماها الكتاب بالخطأ (العقدة)(45) والطريف أن عمشوش من سيؤون ووقع في هذا الخطأ فماذا عن القراء من خارج حضرموت ثم يذكر الكتاب بلدة سماها ( رنية)(73) وعدها من ضواحي حضرموت ولم يحدد الجهة الواقعة فيها وأظن أن اسم البلدة مشكوك في أمره . وهناك عبارة مضطربة في الصفحة التاسعة والثلاثين وهي على النحو الآتي (( وقد فيلبي خطابه ذلك في كتابه الذي قال …)) . وهناك أسماء لبلدات تحتاج إلى تحديد لجهاتها والتعريف بها مثل ( ببشه وقرية تربة)(31) . والطريف أن التحديد يحتاج إلى تحديد فمثلاً (( بدأ رحلته عبر الصحارى -يقصد فيلبي – جنوب قرية تربة ))(31) وتربة هذه أين موقعها في الخارطة ؟ ثم هناك أسماء تحتاج إلى تعريف مثل ابن جيلاوي في الهفوف وآل مرتع في هينن وبدو ضبوع . وهذه أمثلة على سبيل المثال ليست تفصيلية . وفي الأخير نريد أن نقول كلمة في حق هذا الرجل المتواضع والحاصل على لقب أستاذ الأدب العام والمقارن . الدكتور مسعود سعيد عمشوش الذي يُعدّ في نظرنا أُستاذاً مقتدراً في اختصاصه وهو من الذين يستحقون لقب الأستاذية بجدارة لأنه لم يكتف بالحصول عليها من أجل المباهاة والوجاهة الاجتماعية أو التأهيل من أجل الحصول على المناصب وكسب المغانم وأثبت أن اللقب العلمي حيث يُمنح يجعل صاحبه أكثر مسؤولية وقلق على المعرفة وكُتب عمشوش وأبحاثه تدلل على ذلك فهو يتلقط ما كُتب عن حضرموت في كتابات الرحالة الغربيين ويترجمه ترجمة واضحة لا عجمة فيها فألف تحية لجهود عمشوش ثم إن هذا الكتاب دلل على قدرة على تقديم معطيات ثرية ومعلومات منسقة عن حضرموت للقارئ الذي لا يعرف اللغات الأجنبية ولولا جهود عمشوش لما اطلع عليها . أما عن الملاحظات عن الكتاب فهي ملاحظات ستجد من يُقوم اعوجاجها ويصلح فسادها وليست هناك من كلمات حاسمة فقد يكون هناك من طرف معين ملاحظات على الملاحظات . ومرة أخرى نرى أن عمشوشاً يمثل نموذجاً للأكاديمي النشط والمثابر فهو لا ينقطع عن إصدار الكتب وكتابة الأبحاث وقد قُدرت أبحاثه وكُرم في داخل الوطن وخارجه وهو امتداد حقيقي لجهود سعيد عبدالخير النوبان وسعيد دحي ونجيب باوزير .
ملحوظة :
الكتاب من إصدارات جامعة عدن 2012 وعنوانه: المستكشف هاري سانت جون فيلبي, ورحلته إلى حضرموت (د مسعود سعيد عمشوش)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.