رئيس الاتحاد العام للكونغ فو يؤكد ... واجب الشركات والمؤسسات الوطنية ضروري لدعم الشباب والرياضة    أمطار رعدية على عدد من المحافظات اليمنية.. وتحذيرات من الصواعق    إعلان حوثي رسمي عن عملية عسكرية في مارب.. عقب إسقاط طائرة أمريكية    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الرحالة" فيلبي في كتاب عمشوش
نشر في عدن الغد يوم 09 - 08 - 2012


د.عبده عبدالله بن بدر
اختار د.مسعود سعيد عمشوش عنواناً لكتابه أسعفته فيه عبارة كُتبت على قبر فيلبي الموجود في بيروت وهي على النحو الآتي ((أعظم مستكشفي الجزيرة العربية ) وهذه العبارة نفسها أوصى فيلبي ان تُكتب على قبره وفق منطوق ابنه (كيم) ويبدو أن عمشوشاً جارى (كيم) واحترم الوصية وحتى نحفظ لعمشوش حقه في الإضافة للعنوان الرئيس لكتابه يقتضي ذلك أن نورد العنوان كما ارتضاه المؤلف نفسه وهو :(المستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته الى حضرموت) وحتى يلفت الكتاب القراء ويغويهم بالجديد في الكتاب يعلن الآتي ((أن رحلة فيلبي إلى حضرموت لم تحظَ حتى الآن بأية دراسة فقد رأينا أن نكرس هذا الجهد المتواضع الذي يندرج في إطار اهتمامنا بما كتبه الرحالة الغربيون عن حضرموت )) (6) .
إن العنوان الرئيس يمثل علامة مهمة في الكتاب وهذه العلامة تكمن أهميتها في كونها تحمل المضامين المحورية فيه وتعمل على توجيه القارئ . والكتاب المعني بالقراءة يلح على صفة المستكشف بوصفها الصفة التي ينماز بها فيلبي وتُعدّ الصفات الأخرى التي عُرف بها ثانوية بالقياس إلى هذه الصفة التي سلم بها عمشوش ولذلك يصرح في المقدمة بالآتي ((وفي اعتقادنا لم يكن الهدف الأول لمجيء فيلبي إلى الشرق الأوسط وإقامته فيه خدمة المصالح البريطانية أو ابن سعود بل أن يكون أعظم مستكشفي الجزيرة))(5) وفي الخاتمةِ يصل عمشوش إلى يقين بأن رحلة فيلبي إلى الجزيرة العربية لم تحمل أي مضامين تجسسية أو نوايا ماكرة بل إن الدافع هو الرغبة العارمة عند فيلبي للاستكشاف حسب وبمنطوقهِ (( الدافع الحقيقي لمجيء فيلبي إلى بلاد العرب: أي الاستكشاف . فمن خلال دراستنا لواقع رحلة فيلبي إلى حضرموت وردود الفعل التي أفرزتها استطعنا أن نتأكد أن هاجس فيلبي الحقيقي كان أن يستكشف قبل غيره من الغربيين أكبر قدر من أراضي الجزيرة العربية)) (105).
إن المعطيات المبسوطة في المتن تمضي قي اتجاه يخفف من ثقل البراءة والنزاهة العلمية التي يتضمنها العنوان الرئيس . وقبل أن نضع اليد على هذه المعطيات لعل سؤالاً يتبادر إلى ذهن القارئ يمكن أن يصاغ بالطريقة الآتية وهي : لماذا يريد السيد فيلبي أن يستكشف الجزيرة العربية؟ هل الدافع هو الرغبة العلمية المنزهة عن الأغراض؟ ثم أن السيد فيلبي لم يكن عالم آثار أو عالم نبات أو حشرات وأتى إلى شبه الجزيرة العربية ضمن بعثة علمية تتوخى أهدافاً معرفية بل ضمن مجموعة من العسكر وأدلاّء طُرق مدهُ بها الملك عبدالعزيز آل سعود , أما المعطيات التي تعزز الأبعاد الأخرى عند فيلبي والتي يمكن أن تدفع القارئ إلى أن يَعدّ الصفة الأولى لهذا السيد البريطاني هي صفة الجاسوس هي أنه (( سياسي ورجل استخبارات بارع ... وتاجر ماهر . وقد كان السبب المباشر لمجيئه إلى الشرق الأوسط في عام 1914)) (5).
وفضلاً عن أمنيات فيلبي فبداية حياته لم تتجاوز إطار المؤسسة الاستخباراتية لقد (( تحقق أولى أمنياته حينما طَلب منه الحاكم البريطاني بيرسي كوكس أن يكون مساعداً شخصياً له ... وكلفه ... بإعداد مذكرات عن الأوضاع في مركز شبه الجزيرة العربية .
ويبدو أن فيلبي قد استمر في تنفيذ هذا التكليف حتى آخر يوم من عمره ) (83).
وفي أثناء الصراع المحموم بين الدول الاستعمارية لافتراس جثة الرجل المريض (تركيا) بعد الحرب العالمية الأولى كان المدعو فيلبي (( ضابطاً نشطاً ... في قاعدة للقوات البريطانية معنيا بالجانب الاقتصادي في وحدة المخابرات وكان على معظم الجواسيس الذين استخدمتهم بريطانيا من ذلك المعسكر أن يمروا بعمليات التدقيق المتوهج لعيون فيلبي الزرقاء والحديدية )) (13-14) ومعنى ذلك أن فيلبي محسوب على المؤسسةَ الاستخباراتية البريطانية إنه يُقدر تقديراً رفيعاً من هذه المؤسسة وهي تثق فيه وتقدر مواهبه في تجنيد مخبرين جدد لصالح هذه المؤسسة . وكشفت الصفحة الرابعة عشرة من الكتاب عن القدرات الممتازة لفيلبي في العمل التجسسي وقدرته على التخلص من خصومه في هذا المجال إذ كان هناك (( اثنان من الألمان الأذكياء, يعنيان الكثير للقوات البريطانية الأول هو المشهور ( وراسماس الذي تعامل مع جماعة من مقاتلي حرب العصابات عبر منطقة بلاد فارس في عمليات انقضاض مستمرة على حقول النفط ... أما الألماني الأخير فهو (بريزر) الذي يقال عنه أنه سيد الخليج العربي . وكان على سانت جون فيلبي أن يراهن بعقله ضد هذين الرجلين الذكيين . وكانت النتيجة أمراً لا مفر منه فقد مات (بريزر) مطعوناً بطعنة من خنجر أعرابي فيما وجد (وراسماس) نفسه محاطاً عن قرب بعصابة في إيران وتمكن من الهرب في جنح الظلام ... إلى آسيا الوسطى فلجأ إلى إحدى دولها وحين انتهت مهمة فيلبي اختفى)) وخلت له الساحة وتحرك بحرية لتنفيذ مراميه الاستخباراتية .
إن عمشوشاً في كتابه بادر وأورد معلومات عن اعتناق فيلبي للإسلام والدوافع الخفية وراء هذا الاعتقاد , فهو لم يخف على زوجته ( دورا) رغبته (( في اعتناق الدين الإسلامي ليُسهل عليه السفر عبر الصحراء والتعامل مع الملك عبدالعزيز في شئون التجارة .. وكتب رسالة إلى زوجته ... قال فيها لو كنت فقط . أو أصبحت مسلماً . أعتقد أنني سأحصل على هذه الامتيازات بمجرد طلبها )) (21) ومن المفارقات العجيبة أن المؤسسة الاستخباراتية التي وجهت اللوم إليه لإصراره على الذهاب إلى الربع الخالي والدخول إلى حضرموت هي من استفادت من هذه الرحلة فهو الذي لفت انتباه الحكومة البريطانية إلى ضرورة الإسراع في تصحيح الوضع القائم في كثير من مناطق حضرموت فهو يؤكد أنه خلال زيارته لحضرموت لم ير أي أثر للحماية البريطانية بين بلدة هينن غرب وادي حضرموت وشبوة)) (59) .
وهذه الزيارة التي أدرجت في الكتاب تحت مسمى رحلة استكشافية إلى شبه الجزيرة العربية كان لها ردود أفعال ففيلبي اصطحب معه في رحلته (( أحد رعايا الإمام من قبيلة نهم والأمر الأهم هو أن الإمام يحيى ساوره الشك في أن بريطانيا والمملكة العربية على وشك الاتفاق بشان مستقبل حضرموت وقد رصدت المخابرات البريطانية مخاوف الإمام يحيى في هذه الوثيقة التي ضمنها إلى ملف فيلبي )) (60).
وإذا ما انتقل القارئ إلى بعض الآراء التي قيلت عن شخصية فيلبي وبخاصة ذلك الرأي الذي صدر من المفكر ادوارد سعيد نرى عمشوشاً لا يعلق عليه لا بالسلب ولا بالإيجاب ويقتضي وفق طبيعة الدراسة الموصوفة بالتحليلية أن تتجلى التحليلية في مثل هذه الآراء وغيرها فادوارد سعيد ذهب إلى أن فيلبي ( قرر أن يصبح مسلماً وصديقاً لابن سعود ويتوحد معه مصلحة وعقيدة وعاطفة ووجداناً, فهو لم يفعل ذلك إلا ليخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية على أحسن وجه . حتى إن فهمه بعض زملائه بشكل خاطئ وعلى الرغم من تقربه من الغرب والمسافة التي وضعها بينه وبين وجهة نظر بعض ممثلي حكومته يظل فيلبي ضمن من يسميهم ( ادوارد سعيد ) العملاء الامبرياليين من المستشرقين مثله مثل لورانس وهوغارث... إن المسألة بالنسبة لهؤلاء المستشرقين كانت أن يبقى الشرق والإسلام تحت سيطرة الرجل الأبيض )) (99).
وهناك رأي يرفع درجة الإحساس عند القارئ بأن فيلبي أينما اتجه وأينما حل ومهما ادعى من نوايا حسنة تجاه شبه الجزرة العربية وأهلها وأنهم أهل وفاء وكرم فإن ذلك لا يغير من حقيقة فيلبي (( رجل السياسة البريطاني الذي خلع على نفسه صفته الرسمية عندما أدرك ضرورة ذلك ليعمل تحت ستار من السرية والخفاء في تحقيق أهداف بلاده وخدمتها حتى اللحظة الأخيرة من حياته )) (101) , وبعيداً عن الدوافع التجسسية التي تحرك فيلبي وتجعله يتوارى تحت غطاء الرسمية واللا رسمية نرى ليبراليته واشتراكيته العجيبة التي لا ترى ضيراً في احتلال الآخرين واستعمارهم ففيلبي يقر بأنه (( أول اشتراكي ينضم لجهاز حكم الاحتلال البريطاني في الهند))(1) وتولى مناصب خطيرة في هذه البلدان المحتلة فقد كان رئيسا للمخابرات بحكومة الانتداب البريطاني بالأردن - كما تولى مناصب حكومية إذ (( عُين بعد احتلال بغداد في 17 مايو 1916م مساعداً ثانياً للحاكم هناك . فضلاً عن مهاراته التجارية وارتباطه بأكبر شركات البترول في شبه الجزيرة العربية وهذه الشركات هي القوة الاقتصادية التي تقرر مصائر المصالح السياسية وكانت معظم الاتصالات بين الشركات الأمريكية والسعودية تتم عبر فيلبي وعندما اندمجت شركة سوكال وتكساكو ممتلكاتها في الجزيرة العربية تحت اسم شركة سويس ثم أرامكو 1936 ظل فيلبي وكيلها في السعودية وذلك حتى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي . وقد وصفت وزارة الخارجية الأمريكية أرامكو أنها أثمن هدية تجارية قدمت لأمريكا في التاريخ )) 25
ويبتعد كتاب عمشوش قليلاً عن السياسة في الفصل الخامس وبخاصة في العنوان الصغير الذي اندرج تحت العنوان الكبير الموسوم ب (السرد في كتاب بنات سبأ) ويحسب لعمشوش عنايتهِ بهذا المجال وخصوصيته لكون النص المعني بالدرس ليس نصاً أدبيا أو روائياً وإنما مزيج من التاريخ والأدب أو ما اصطلح عليه ( أدب الرحلات ) وحين يمضي القارئ في قراءة عمشوش السردية لا يجد ما يروي ظمأهُ السردي بل لا يجد في بعض مواضع الكتاب سوى عبارات عامة لا تحمل مضامين وخصوصيات للسرد الموجود في كتاب ((بنات سبأ) فالقارئ حين يكون إزاء هذا السرد لا يمكن أن يحكم بأن لهُ هوية خاصة، ومثال على ذلك القول بأن فيلبي له مهارة وقدرة ((على مرج سرد أحداث رحلته ومشاهداته بانطباعاته الذاتية بشكل جلي في هذه المقاطع تحتويها الصفحات الأولى من الفصل الثاني الخروج))(86) وقول مثل هذا القول عن السرد هو قول عام ولا يرتقي إلى مصافي التحليل ومعروف لكل من له صلة بالسرد أن السارد يجمع بين الوصف والمشاعر والانطباعات الخاصة ولعل قيمة السرد تصدر من هذا المزج . والمهم في هذا المزج كيفية الشعرية والعمومية نفسها تكرر في الحديث عن الوصف عند فيلبي الذي يرى ((أن جمال الوصف عنده لا يرتقي إلى مستوى جمال الرومانتيكيين ... لكننا لانعدم أن نجد في كتابه ( بنات سبأ) صفحات في غاية الجمال يصف فيها الصحراء العربية التي قضى جزءاً كبيراً من عمره في استكشافها))(92)
إن عمشوشاً لا ينقل لنا رأيه النقدي العلمي بل يكتفي بمثل هذا القول الانطباعي ((إن هذا الوصف في غاية الجمال )) ويمكن للقارئ أن يعود إلى هذا الوصف في المتن وسيرى أن الوصف يلعب فيه السارد لعبة الضوء واللون فيصف المروج الخضراء وينتقل إلى اللون الفاتح في أشجار الدخن إنه الوصف بالألوان وتأثيرات الضوء عليه وما يحدث من تقلبات في هذه الألوان فتجد اللون الخمري في الصخور في لحظة معينة من انبعاث الضوء وتجد الأسود يتحول ويصير أبيض حين تلقي الشمس أشعتها المتوهجة في الظهيرة . وكان يمكن لعمشوش أن يستثمر هذه المعطيات السردية ويجلي جمالها بطريقة أفضل مما فعل . ولا يتخلى عمشوش عن هذه العمومية وهو يتحدث عن أسلوب فيلبي في وصف شبوة القديمة فيقول (( ويبرز جمال الأسلوب الوصفي في كتابه (بنات سبأ)...)) (93) .

ويمكن أن يلتقط القارئ صورة المرأة الحاضرة في الأسلوب والعنوان وتقلبات هذه الصورة بفعل الزمن من الشباب وإغوائه وإغرائه إلى الشيخوخة وذبولها وهذه ثنائية عزف عليها فيلبي فنجد الإغراء والإغواء والذبول من جهة أخرى في المكان الذي يشبهه بالمرأة ويستدعي فيلبي الرغبة في النظر إلى هذه المرأة التي كانت فاتنة وجذابة فأصبحت ذابلة . ووفق منطوق فيلبي (( كنت أول أجنبي يرى مفاتنها الذابلة ))(93) وبعد صورة المرأة المنبثة في الوصف تعكس وعلى الرغم من هذه الملاحظات التي لا تصل إلى ملاحظات الاختصاصي في هذا المجال إلا أن عمشوشاً أجتهد في بعض المواضع وانتصر على العمومية والانطباعية من هذه الاجتهادات أن الظواهر السردية في رحلة فيلبي تتضمن (( إشارات زمنية تُحيلنا إلى تواريخ تقع قبل الرحلة أو بعد انتهائها))(90) ثم يتابع عمشوش هذه الخصوصية في سرد فيلبي فيقول (( إن إكثار فيلبي في بعض الفصول - للإشارات الزمنية لاسيما تلك التي تتعلق بجزئيات اليوم تجعلنا نعتقد أن ما يقوم به مجرد عملية نسخ لما دون في يومياته أو مذكراته ))(91) وبعبارة مكثفة أن الإشارات الزمنية تؤثر في السرد وتوجهه وجهة معينة وإذا ما ترك القارئ الفصل الخاص بالسرد وانتقل إلى مستوى الخدمات التي يقدمها للقارئ سيرى أن المتن لا يعتني بشرح بعض العبارات ولا يَعرف بالبلدات والقرى التي ذكرها في المتن ومعروف أن القراء ليسوا على خط متساوٍ في المعرفة التاريخية وربما بعض القراء لم يسمع بهذه البلدان التي ذكرت ولا بأسماء القبائل التي تضمنها الكتاب ولا بأس أن يعتني المؤلف بكل ما يخص كتابه من أجل خدمة القراء وأن يشتغل في الهوامش لتقديم هذه الخدمة ويمكن له أن يستعين بالاختصاصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية وتاريخ حضرموت وعلى حد علمي أننا نفتقد إلى معجم مفصل تفصيلاً دقيقاً لبلدان وقرى حضرموت وإن كان ابن عبيد اللاه قد سبق أن اشتغل في هذا المجال في كتابه الموسوم ب (إدام القوت ...)

إن مجال (أدب الجغرافيا) قد عمل فيه من قبل صاحب الشامل علوي بن طاهر الحداد واليوم في ظل الضجيج الإعلامي والمعرفة الانفعالية عن حضرموت وثقافتها لم نجد أحداً من أهل الاختصاص من أبناء حضرموت يفكر في العناية بأدب الجغرافيا ويوجهه نحو العناية ببلدات وقرى حضرموت ومدنها كما فعل بن عبيداللاه وصاحب الشامل.إن الأسماء التي وردت في المتن مثل العقاد التي سماها الكتاب بالخطأ (العقدة)(45) والطريف أن عمشوش من سيؤون ووقع في هذا الخطأ فماذا عن القراء من خارج حضرموت ثم يذكر الكتاب بلدة سماها ( رنية)(73) وعدها من ضواحي حضرموت ولم يحدد الجهة الواقعة فيها وأظن أن اسم البلدة مشكوك في أمره . وهناك عبارة مضطربة في الصفحة التاسعة والثلاثين وهي على النحو الآتي (( وقد فيلبي خطابه ذلك في كتابه الذي قال ...)) . وهناك أسماء لبلدات تحتاج إلى تحديد لجهاتها والتعريف بها مثل ( ببشه وقرية تربة)(31) .

والطريف أن التحديد يحتاج إلى تحديد فمثلاً (( بدأ رحلته عبر الصحارى -يقصد فيلبي - جنوب قرية تربة ))(31) وتربة هذه أين موقعها في الخارطة ؟ ثم هناك أسماء تحتاج إلى تعريف مثل ابن جيلاوي في الهفوف وآل مرتع في هينن وبدو ضبوع . وهذه أمثلة على سبيل المثال ليست تفصيلية . وفي الأخير نريد أن نقول كلمة في حق هذا الرجل المتواضع والحاصل على لقب أستاذ الأدب العام والمقارن . الدكتور مسعود سعيد عمشوش الذي يُعدّ في نظرنا أُستاذاً مقتدراً في اختصاصه وهو من الذين يستحقون لقب الأستاذية بجدارة لأنه لم يكتف بالحصول عليها من أجل المباهاة والوجاهة الاجتماعية أو التأهيل من أجل الحصول على المناصب وكسب المغانم وأثبت أن اللقب العلمي حيث يُمنح يجعل صاحبه أكثر مسؤولية وقلق على المعرفة وكُتب عمشوش وأبحاثه تدلل على ذلك فهو يتلقط ما كُتب عن حضرموت في كتابات الرحالة الغربيين ويترجمه ترجمة واضحة لا عجمة فيها فألف تحية لجهود عمشوش ثم إن هذا الكتاب دلل على قدرة على تقديم معطيات ثرية ومعلومات منسقة عن حضرموت للقارئ الذي لا يعرف اللغات الأجنبية ولولا جهود عمشوش لما اطلع عليها . أما عن الملاحظات عن الكتاب فهي ملاحظات ستجد من يُقوم اعوجاجها ويصلح فسادها وليست هناك من كلمات حاسمة فقد يكون هناك من طرف معين ملاحظات على الملاحظات . ومرة أخرى نرى أن عمشوشاً يمثل نموذجاً للأكاديمي النشط والمثابر فهو لا ينقطع عن إصدار الكتب وكتابة الأبحاث وقد قُدرت أبحاثه وكُرم في داخل الوطن وخارجه وهو امتداد حقيقي لجهود سعيد عبدالخير النوبان وسعيد دحي ونجيب باوزير .


ملحوظة :
الكتاب من إصدارات جامعة عدن 2012 وعنوانه: المستكشف هاري سانت جون فيلبي, ورحلته إلى حضرموت (د مسعود سعيد عمشوش)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.