قبل وصولنا إلى (مدينة) الجول بما يقارب ربع الساعة توقف السائق عند مطعم على الطريق لتناول وجبة الغذاء كنت أرغب في الوصول إلى محطتي الاخيرة لأستريح بعد هذه الرحلة المضنية، ولكن ما "باليد حيلة" كما يقال، فسائق السيارة هو في الغالب قائد الجميع وقد تفاوض نيابة عن الركاب مع صاحب المطعم. كانت المفاجئة بالنسبة لي هو الانتظار حتى يفرغ صاحب المطعم من الذبيحة ثم شوي اللحم، وطباخة الرز، بمعنى آخر علينا استغراق ما يقارب الساعتين لانتظار الوجبة، (والراضة من الرحمن والعجلة من الشيطان). في هذه الاستراحة الطويلة الاجبارية انشغل الناس بأمورهم وآثر البعض تزجية الوقت بلعبة الدمنة أو بالثرثرة في حين استمررت في لعب دور المتابع المستسلم لما يدور، من ابرز ما لفت نظري عفوية الناس وبساطتهم فمجموعتنا التي اختارت وجبة الرز مع اللحم قدم لها الغذاء بشكل جماعي وكأنها اسرة واحدة، او صحبة واحدة رغم اننا لانعرف بعضنا وقد حطمت هذه اللمّة الانسانية بنكهتها الدافئة ذلك الصمت الذي تقمصته خلال مدة الرحلة وتركت انطباعا مريحا في نفسي بدد من انزعاجي الداخلي جراء هذا الانتظار الطويل، وتم دفع ثمن الوجبة بالتساوي وبأسلوب ديمقراطي حضاري. وأخيراً وصلت إلى مدرستي ، ولأنني آخر المدرسين الواصلين فقد تم تسكيني مع زميل من منطقة الصدارة بحجر في غرفة مستقلة بعيدة بعض الشيء عن السكن الجماعي لبقية الأساتذة ورغم امتعاضي من هذا الوضع، والإفصاح عن رغبتي بالسكن الجماعي فإن زميلاً وصديقاً مكلاوياً نصحني بالقبول لكي ابتعد عن ما يدور في العزبة الكبيرة من مماحكات وتباينات. المدرسون المعزبون في السكن الجماعي كلهم من خارج مديرية حجر موزعون على ثلاث غرف بمعدل ثلاثة إلى أربعة في الغرفة الواحدة، ويعد هذا التقسيم بموجب قانون العزب حالة متقدمة. أما الشقة التي أسكنها مع زميلي هي في الأصل شقة ضمن سلسلة من الشقق المتلاصقة بنيت لتلبية حاجة كوادر المديرية وهي على نمط واحد تتكون من غرفة مساحتها 5×5 متر، وصالة مكشوفة ومطبخ وحمام. في عزبة الأصدقاء الكبيرة، أدركت من الوهلة الأولى بعض التباينات في وجهات النظر بين بعض الاصدقاء لهذا حرصت على النأي بنفسي عن ما يمكن احتسابه تكتلاً لجهة على أخرى، يساعد على ذلك ابتعاد مسكننا عن تلك الأجواء، بل حرصت لتكون علاقتي متوازنة مع الجميع دون أن يلغي ذلك العلاقات البينية بحسب الاهتمامات المشتركة، لكن هذه الروح التسامحية أو التوافقية أخفقت عندما التحمت بالواقع، وبهذا أصبحت بإرادتي أو بغيرها محسوبا على(جناح المكلا) كان نظام الأربع سنوات للتعليم الثانوي (النظام الحديث) هو المطبق في المدرسة كسائر المدارس في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد إلغاء نظام القسمين العلمي والأدبي لهذا امتدت مادة التاريخ في كل الصفوف الدراسية ،ولأن كل مستوى دراسي يتكون من صف واحد باستثناء المستوى الأول صار مدرس التاريخ ضيفا على فصول المدرسة كلها أي مدرسا أربع مقررات دراسية وفي ذلك من الصعوبة ما فيه. ثانوية الزبيري للبنين بالجول هي الوحيدة على مستوى مديرية حجر لهذا فهي تعد ملتقى لكل أبنائها وقد اختيرت(مدينة) الجول عاصمة للمديرية ومقر المدرسة لموقعها الجغرافي المتوسط في وادي حجر، ولتشجيع أبناء المناطق البعيدة على الدراسة فيها وفرت المدرسة للطلاب السكن والغذاء المجاني، وهذا التجمع ساعدنا إلى قدر ما في معرفة التركيب السكاني والخصائص المكانية، وربما الثقافية لمكونات (المجتمع) الحجري. سلوك التلاميذ بشكل عام ممتاز، وهو يعكس السلوك العام عند أبناء الريف الذين يظهرون احتراما لائقا للمدرسين، وانصياعا للوائح المدرسية. ويمكن تقدير نسبة الذكاء في المدرسة عموما بالمتوسطة ولا يخلو الأمر من وجود استثناءات هبوطا وارتفاعا. وكما سمحت لنفسي بتقدير مستوى التلاميذ سمحت للتلاميذ بتقييم أدائي التدريسي في أيامي الأخيرة في المدرسة من خلال مجموعة من الأسئلة الاستبيانية قدمتها لهم من قبيل: كيف ترى أداء المدرس؟ الصوت ، طريقة الاسئلة ، الحركة في الصف ، المعاملة ..الخ، ثم السؤال المفتوح في إبداء الملاحظة او النقد أو النصيحة.. كان التفاعل جيدا وقد أثارت اهتمامي أكثر الملاحظات السلبية.