أعتذر إن بدا العنوان عنصري أو فيه تفريق وتمييز بين أبناء البلد الواحد, فنحن لازلنا بلدا موحدا ولذا لا يجوز أن نفرق بين أبنائه مناطقيا أبدا. ولكني أجد نفسي مضطرا لأن أقول هذه الحقيقة, نعم إنها حقيقة تمشي على أرضنا, تُقبِل معنا وتدبر, تنام وتصحو وإيانا, ترافقنا في كل مكان نذهب إليه في هذه البلاد. إن حاولت أن يكون حديثي موضوعيا وبعيدا عن أي إيحاءات سلبية في زمن أكثر حوادثه تعمق الانقسام والمناطقية والجهوية, فهو جهاد وجلد, ولكني أخشى أن قلمي لا يستطيع أن يقاوم هذا الطوفان الجارف من العنجهية والجاهلية التي تمارسها سلطات الدولة مع أبناء وطنها. إن من أكبر التحديات أن تكون الدولة هي من ترعى عملية التمييز والتحيز, وهي من تسعر نار التفرقة والجهوية, وهي من تعمق الانقسام والانفصال, فلا لوم على العامل البسيط والطالب الصغير وصاحب البقالة أن يردد ألفاظ مشبّعة بالعنصرية والتمييز. ِعجبا لهذا الحال المزري الذي ما فتئ يسارع الخطى نحو الانحدار والانهيار, انهيار القيم والمبادئ, وغياب الشعور بالمسؤولية والقوامة على الشعب. لكن عجبي أكبر عندما رأيت بني جلدتنا ومسؤولينا لا يملكون ذرة إحساس ولا أدنى مستويات الأخلاق ولا كلمة (يالوماه) التي عرفنا بها نحن الحضارم من قرون, حيث أصبحت مثل السيف الذي يحز الرقاب, بل حزّ رقبة الحضرمي أهون عليه من أن يقال في حقه ( يالوماه). إنهم يعيشون حالة تبلد مقرفة منتنة, تعكس عمق الانحدار الخلقي, والسقوط في مستنقع اللامبالاة المرذولة السخيفة, وكأنهم قوم أتونا من كوكب آخر, لا يعرفون لغتنا ولا أخلاقنا ولا قيمنا. لا لوم عليك أيها الجنرال الصنعاني حينما رأيت أن واجبك الإنساني قبل الإداري يحتم عليك أن تمشي في جنازة ثلاثة قتلى من رجالكم, لعلك تقول هذا أقل الواجب لهم, وهذا أدنى الحق الذي علينا لهم, بل هذا هو البروتوكول العسكري المتعارف عليه في السلك العسكري في أي دولة. أما قتلانا وهم أرفع درجة عسكرية من قتلاكم وأكثر عدد فقد واريناهم الثرى, فلا بروتوكول ولا تقدير ولا اعتبار من قيادة المنطقة ولا قيادة الأمن ولا السلطة المحلية. لا أدري حينها أين كانوا, هل كانوا في لهوٍ أم جد؟ هل كانوا بين أولادهم أم بين ندمائهم؟ هل كانت قلوبهم تنبض وتدق أم كانوا في حالة غيبوبة؟ هل كانوا حينها بشرا إنسيا, أم مسخت منهم البشرية وانسلخت منهم الإنسانية؟ حقا فأنا لا أدري. لن يضر أولئك الرجال الذين أفضوا إلى ربهم ان لم يمش في جنازتهم القائد المعني أو المسؤول الفلاني ومن على شاكلتهم, بل ربما كان أكرم لهم أن لم يحضروا, فكل واحد منا يتمنى أن لا يسير خلف جنازته إلا الأتقياء الأنقياء. رحم الله من لقي ربه, وحفظ الله من بقي, وأسأل الله أن يهدي أولئك الذين استمرؤوا قتل الناس باسم الجهاد والدفاع عن شريعة رب العباد, فكم من مريد للخير لم ينله.