يروي الضابط الانفصالي عبدالكريم النحلاوي انه دبر انقلابا في سوريا على النظام الوحدوي مع الجمهورية العربيةالمتحدة لأن هذا النظام “ ضرب التعددية السياسية والغى الديموقراطية في سوريا” ولان الوحدة جلبت تسلطا مصريا على الجيش السوري حيث كان الضباط المصريون يتمتعون بالكلمة الحاسمة في هذا الجيش على حد تعبيره. ويرى باحثون ان الاسباب الحقيقية للانقلاب الانفصالي تكمن في الاثار السلبية التي نجمت عن قوانين الاصلاح الزراعي الصادرة في العام 1958 بعد وقت قصير من اعلان الوحدة وقانون التاميم الاشتراكي الصادر عام 1961 قبل وقت قصير من اعلان الانفصال. ومعروف ان مجموع الضباط الانفصاليين لا يتعدى ال 37 ضابطا وكلهم من دمشق(شوام) اي من ناحية واحدة في سوريا كانت الأكثر تضررا من قرارات التأميم الاشتراكي والجدير ذكره ايضا ان الضباط الدمشقيين انفسهم ضاقوا ذرعابالنظام الانفصالي بعد شهور من الانفصال واعادة التعددية السسياسية فاعتقلوا الرئيس “الديموقراطي التعددي” ناظم القدسي ووضعوه في السجن وتوجهوا الى القاهرة لطلب الغفران من جمال عبدالناصر واعادة الوحدة بيد ان ناصر رد عليهم بالقول “ ان الوحدة التي انتهت بانقلاب لا يمكن ان تعود بانقلاب” واذ عادوا الى دمشق لم يطل المقام بنظامهم الديموقراطي المزعوم الذي اطاحه انقلاب بعثي في أذار مارس 1963 بقيادة امين الحافظ ومنذ ذلك الحين مازال البعث يحكم سوريا. يطرح الانقلاب الانفصالي السوري مجموعة من الاسئلة بعد مضي حوالي نصف قرن على وقوعه: اولا: هل يجرؤ احد في سوريا او في مصر على توجيه كلمة شكر علنية للضابط الانفصالي عبدالكريم النحلاوي جراء ما فعله؟ هل تجرؤ جامعة عربية او جمعية عربية او حزبا عربيا على منحه شهادة تكريم. ؟ هل يستطيع ان يلقي محاضرة علنية في جامعة او ناد او تجمع شعبي حول حسنات الانفصال وهل يجرؤ على الافتخار علنا بما قام به؟ هل يجرؤ اولاد النحلاوي او احفاده على التفاخر بما قام به والدهم او جدهم؟ الثابت ان ما قام به هذا الرجل لا يدعو الى الفخر ولعل اعادة تظهيره تلفزيونيا في الفترة الاخيرة ما هو الا محاولة لاعادة نفخ النار في الخلافات القديمة بين الناصريين والاخوان المسلمين وبالتالي منح هذا الرجل الاسباب التخفيفية للانقلاب الشنيع الذي نفذه ولكن ذلك لم يجدي نفعا بدليل ان النحلاوي عاد الى عزلته مباشرة بعد انطواء الحلقات المذكورة. ثانيا: نشأ بعد الانقلاب الانفصالي نظام تعددي وديموقراطي سرعان ما انقلب عليه النحلاوي في العام 1962 ومن ثم تعرض هو نفسه لانقلاب مضاد في العام 1963 وازيح عن الحكم وذهبت التعددية والديموقراطية الوهمية ادراج الرياح. ثالثا: اعاد البعث العمل بقرارات التأميم التي تسببت بالانفصال وهي مازالت سارية المفعول حتى ايامنا هذه رابعا: ان مجموعة ضباط دمشق الانفصاليين خسرت السلطة الى الأبد جراء الانفصال الذي اعتبر ومازال يعتبر في الثقافة السياسية السورية والعربية "كبيرة الكبائر". ولعل الناظر في التركيب العسكري السوري منذ ذلك الحين يلاحظ بوضوح ان الضباط الدمشقيين هم الاقل بروزا في الحكم في هذا البلد. اما اليوم وبعد مضي حوالي نصف قرن على الانفصال السوري عن الجمهورية العربية المتحدة لابد من طرح السؤال عن مزاعم الانفصاليين ومقارنتها بالواقع الراهن. الم يكن من الافضل القبول بحكم الضباط المصريين والحفاظ على الوحدة بدلا من الانفصال.؟ هل التعددية السياسية والديموقراطية الوهمية افضل مع الانفصال ام ان غيابها افضل مع الوحدة.؟ اما المقارنة بين النحلاوي وجمال عبدالناصر فهي لا تجوز لوجود فارق بين الرجلين هو كالفارق بين السماء والارض. منذ “كبيرة” النحلاوي ادرك معظم العرب ومازالوا حتى اليوم ان الانفصال لعنة لا يمكن حجبها بمطالب عادلة او "شرعية" كما فعل انقلابيو سوريا عندما تحدثوا عن استئثار الضباط المصريين وكأنما استئثار الضباط السوريين هو الحل؟ او لكأن المصري يختلف عن السوري في نظام اندماجي. منذ انقلابه الانفصالي عام 1961 اصبح النحلاوي وهو اليوم وسيظل الى الابد رمزا لا حد ايام العرب السوداء في القرن العشرين وربما لهذا السبب لا يجرؤ احد على الاقتراب منه او السير على رسمه وذلك لانه تجرأ على تحطيم الوحدة او الحلم الاكبر والاهم لكل عربي ومسلم والراجح ان هذا الرجل الذي يمضي خريف حياته قد اكتشف منذ ذلك الحين ان الوحدة تغفر العديد من السيئات فيما الانفصال يلحق الاذى بكل القضايا العادلة عندما يتلطى بها ويتذرع بعدالتها انتهى