'مهند' ذلك اليافع الذي احتل حيزاً من الإعلام المصري والعربي في الأسبوع الماضي يحتاج هو ووالده لحملة تضامن تشد أزرهما وتضغط على أيديهما. ولمن لم يسمع بحكاية مهند إبن ال14 نختصر بأنه أُستدرج من قبل ثلاثة من زملائه الأكبر منه عمراً في المدرسة إلى غرفة منزوية ومعتمة ومهجورة وتم اغتصابه. عندما أفلت من أيدي المعتدين ذهب الى الناظر يشكو أمره. فهل تتصورون ماذا كانت ردة فعله مع غيره من المعنيين في المدرسة؟ تعرض مهند للضرب والتعنيف! بالتأكيد فإن الفعلة الثانية تتساوى في قساوتها مع الاغتصاب. فمهند الذي قصد من يفترض أن يحميه ويشكل بالنسبة له مظلة أمان، ويطبق القانون بحق مغتصبيه، تحول إلى ضحية للمرة الثانية وبفارق ثوانٍ. شاهدت على شاشة التلفزيون والد مهند يتحدث عن المحنة التي تعيشها العائلة، وعن التصرف الوحشي الذي صدر عن المسؤولين في المدرسة، وعن الأزمة النفسية التي يمر فيها إبنه. أكبرت في هذا الأب الذي أنشأ هذا اليافع أسلوب تربيته المنفتح وتلك الثقة التي زرعها في نفس ابنه بحيث لم يبتلع ذلك الأذى الفظيع الذي تعرض له، ولم يكبته في داخله ليقض مضجعه وحده. بل شكا أمره مباشرة، وإن كانت شكواه قد وصلت لجاهلين أطلق عليهم لقب مربين للأجيال زوراً وبهتاناً. شعرت بعمق جرحه عندما تهدج صوته وتدحرجت دموعه وهو يتحدث لمراسلة تلفزيون 'الجديد'. شعرت بما تعني له كلمة 'عرض' عندما تلفظ بها. مهند ووالده درس في التنشئة والتربية يجب أن يقتدي به كافة أولياء الأمور. فلو كان مهند صنيعة أب يرهبه تعنيفاً جسدياً ولفظياً لما تجرأ وشكا أمره للإدارة، المفترض أنها الأقرب له في محنته، ومن ثم لعائلته، ولكانت السكين تذبحه كل لحظة، ولصار فعل الاعتداء عليه متمادياً. صحيح أن الأب وجد في انتهاك عرض ابنه أمراً من الكبائر ويفوق قدرته على الاحتمال، لكنه لم يقفل الباب على ذاته وينزوي بعيداً عن العيون والآذان مداراة للفضيحة. بل هو تشارك مع المجتمع وعلى أوسع نطاق الأزمة التي ألمت به. ولا شك بأن ذلك يشكل بالنسبة له بعضاً من عزاء. التضامن المطلوب مع مهند ووالده يكون من خلال تهنئته على جرأته في مجتمع يداري ما يعتبره فضيحة. وكذلك يكون ذلك التضامن عملياً عندما يتطوع مختصون في علم النفس لمساعدة مهند على تجاوز محنته بأقل الأضرار الممكنة. هو تلميذ يجب أن يعود إلى دراسته وحياته الطبيعية عندما يكون قادراً على ذلك. أما المدرسة التي وقعت فيها الحادثة فلا يكفي تأديب المدير والناظر ونقلهما من مكانهما الوظيفي فقط، بل يجب أن تكون تلك المدرسة درساً لا ينسى. وكخطوة أولى من الطبيعي أن ينطلق من تولى المسؤولية بدل المدير والناظر الجاهلين من هذه الحادثة ليخاطب التلامذة ويقدم لهم درساً في التوعية الجنسية. كما من واجب هؤلاء المسؤولين تمهيد الطريق لعودة مهند إلى حياته الطبيعية وإعلاء شأنه وتقديره بين أترابه. وذلك يكون بإعطاء إفصاحه عن ما تعرض له ما يستحقه من أهمية، مع التشجيع ليكون سلوكاً معتمداً من الجميع في حال وقعت عليهم الواقعة. فمهند ليس الأول في هذه المحنة ولن يكون الأخير، يومياً في المجتمعات العربية المئات من الضحايا سواء كانوا فتياناً أم فتيات. بظننا أن التربية الجنسية في المدارس وكذلك عناية الأهل ورعايتهم الكاملة والواعية لأبنائهم يمكنها أن توفر عليهم تجارب مرة ومؤثرة في حياتهم وفي طفولتهم تحديداً. والأهم في التربية هو بإعطاء الأطفال واليافعين الأمان والإطمئنان لقول كل ما يتعرضون له خارج نطاق الأم والأب. ربما تشكل قضية مهند تعزية للفتيات بأن العرض ليس محصوراً في جنسهن وحدهن، بل كذلك يمكن لهذا العرض أن ينتهك لدى الجنس الآخر. لهذا علينا أن نخاف على أولادنا كما نخاف على بناتنا، وأن لا نسلم بالقول 'صبي وين بدو يروح'. فاتورة بسبع حلقات بأسلوب خفيف وظريف وممتع قدم برنامج 'بس مات وطن' اسكتشاً في حلقة الخميس الماضي على شاشة 'ال بي سي' شكا فيه من السيد حسن نصرالله للسيد نواف الموسوي. فأربعة من الأكثر هضامة في فريق بس مات وطن ذهبوا إلى النائب السيد نواف الموسوي يطلبون موعداً من السيد حسن نصرالله، وعندما أصر على معرفة سبب الزيارة كانت المفاجأة. فالسيد نصرالله يختار إطلالته على الجمهور في التاسعة من أيام الخميس. وهو التوقيت الذي يقع في مقتل من 'بس مات وطن' ويفرض عليه التأجيل إن لم يكن الإلغاء الكلي، لأن اسكتشات البرنامج تعتمد التعليق على ما هو أحداث آنية. يلغى البرنامج لأن كافة الأقنية اللبنانية المحلية تكون في نقل مباشر لكلمة السيد، كذلك تكون حال الأقنية الإخبارية العربية. تقدم فريق بس مات وطن بفاتورة تتضمن سبع حلقات ملغاة من البرنامج، مع كلفتها بالطبع. للسيد نواف الموسوي قلب رقيق ولا يرضى بخسائر تصيب المواطنين نتيجة إطلالة السيد العزيزة على قلوب الملايين. لذلك قرر التعويض الفوري على فريق بس مات وطن وسلم كل منهم رزمة دولارات أفرحت قلوبهم وجعلتهم يتذوقون طعم 'المال النظيف'. كانت التفاتة جميلة من برنامج بس مات وطن نحو السيد حسن نصر الله، ومحاولة شكوى مباشرة وليس بالواسطة. لربما تجد انتباهاً أو استجابة من قبله، لكن يبقى الخوف على برامج أخرى وفي محطات آخرى إن تمّ تعديل الموعد من مساء الخميس والذي لا نوافق بس مات وطن على أنه ثابت ودائم في كل إطلالات سيد المقاومة. يذكر أنه عندما تناول برنامج بس مات وطن السيد حسن نصر الله من ضمن اسكتش عن الواقع اللبناني لأول مرة منذ سنوات، أثار هذا التناول موجة من الغضب الشعبي عمت شوارع الضاحية. ومنذ ذلك الحين وحتى الخميس الماضي والسيد حسن نصر الله بعيد عن البرنامج كشخصية سياسية، وحضوره مؤخراً كان من خلال الاسم فقط لا غير. 'العربية' تبحث عن طيف إيراني في اليونان كان بين منتهى الرمحي على قناة العربية وبين ضيفها رئيس اتحاد الصحافيين العرب في لندن مسافة زمنية واضحة في القراءة والتحليل للعنوان الذي طرحته في برنامج بانوراما من قناة العربية وهو 'عودة اليسار المتطرف إلى اليونان'. أما استدعاءات القراءة في هذا العنوان فتمثلت بسلسلة الطرود المفخخة التي شهدتها اليونان في الأسبوع الماضي. بعد أن وضع الضيف الموضوع الذي هو بصدده في إطاره الطبيعي والتاريخي معاً، تنطحت منتهى الرمحي للسؤال وبإصرار: من أين يأتيهم الدعم؟ وكان الرد القاطع للشك باليقين والذي لم يقنع الرمحي: إنه غول البطالة. هذا الوضع المتردي هو الحافز الكبير لإعادة تنظيم صفوف هذا اليسار. قالها الضيف بكل مسؤولية. لكن الرمحي عادت لتبحث عن وجود 'أطراف أخرى غير داخلية'؟ والضيف يردد بأن ذلك غير مثبت، والاتحاد الأوروبي بحد ذاته قدم تقريراً إلى المعنيين عن تأثير الأزمة المالية على البشر، سواء كانوا ينتمون لليمين أو اليسار. وتعود ثالثة للسؤال: ما الذي يضمن عدم استغلال هؤلاء؟ والضيف يكرر: هو أمر لم يثبت حتى الآن. ربما كانت منتهى الرمحي تبحث عن طيف 'إيراني' في اليونان على وجه الخصوص أو في أوروبا على وجه العموم، أو ربما هي في بحث عن يسار يقض المضاجع لتبدأ مع معاونيها في العربية ومموليها في إعداد عدة من 'الجهاد' تقضي عليهم وتريح البشرية من شرورهم، كما حدث في أفغانستان في الثمانينات. إلى هناك أرسل الأفغان العرب لمحاربة الشيوعية. والجميع يعرف كيف عادوا وماذا كانت لهذه العودة ولا تزال من كوارث. وربما الغيرة على أهل أوروبا من 'غول' يساري يلوح في الأفق تدفع منتهى الرمحي وقناة العربية لنصرة سكانها وبالجهاد. زلط غزة يعزز صمودها تنوعت أشكال الحروب التي شنها الصهاينة على غزة ومنها إغراق أراضيهم الزراعية بالمياه. بالأمس إنحسرت تلك المياه وبانت تحتها ثروة من الزلط تحتاجها غزة في هذه المرحلة أكثر من حاجتها ربما لاكتشاف نفطي عظيم. معاناة غزة منذ العدوان الأخير عليها وتدمير قسم كبير من مبانيها وتشريد سكانها هي مع إعادة الإعمار. فمواد البناء جميعها يمنع دخولها إلى القطاع. لكن الحاجة أم الاختراع. وأهل غزة الصامدون الصابرون يحاولون إعادة البناء بشتى الوسائل حتى من الرمال كانت لهم مساكن صغيرة تكتنز كماً من عشق الحياة وبكرامة. الزلط الذي طالعتنا به وسائل الإعلام كان اكتشافاً مفرحاً. هو بالتأكيد يزيد من صمود الغزاويين، ويزيدهم تمسكاً بقرارهم السياسي الصحيح. ويعزز مواجهتم للعدو. يحيا الزلط الغزاوي. ' صحافية من لبنان