إن تاريخ الثورات حول العالم يعطينا مؤشراً واضحاً , بأنه لم يحدث أن تكررت ثورة عقب أخرى وتعطي نفس النتائج , وإذا حصل فهو تقليد , والمقلد دائما فاشل وبالتالي تفشل الثورة , وإذا كانت الثورات العربية قد توالت بعد ثورة يوليو 1952م بقيادة العظيم جمال عبدالناصر فلظروف المرحلة الاستعمارية والمد الثوري ضد الأحتلال , فمن يظن أن ثورة تونس الشعبية من أجل استرداد الكرامة الانسانية , سوف تكرر في اليمن أو في غيرها مخطئ وأيما خطأ , فلا يعني أن تسعة شبان جزائريين أحرقوا أنفسهم أسوة بمحمد البوعزيزي التونسي ولنفس السبب البطالة , وأخرون في مصر وموريتانيا وكلاهما أمام المجالس التشريعية الوطنية لتلك البلدان وبسبب البطالة , وموخرا شاب في اليمن وبسبب البطالة أيضا , ولا تعني المظاهرات الشبابية المؤيدة لإخواننا التوانسة في ثورتهم البيضاء ضد الفساد والاستعباد وامتهان الكرامة , أن الشباب يحاولون قلب نظام الحكم كما يروج لها البعض , البعض الذي ولد من رحم النظام نفسه , بل أن البعض منهم هم من قاموا بالمساهمة في التأسيس لهذا النظام الذي يصفونه اليوم بنظام الفساد بعد ان ضربت مصالحهم الشخصية , بعد ان شب براعم النظام وقوي عضدهم ,, وهذا هو حال المعارضة اليمنية التي تطالب أقطابها بتكرار ثورة تونس في اليمن , وان اليمنيين يستطيعون إشعال ثورة على غرار التوانسه , واليمنيين قادرين على ذلك فعلا ولكن يخصوصية الانسان اليمني والمعطيات غير متاحة حاليا , ولكن التوقيت والمعطيات مختلفة تماما عن تونس , فلماذا وبالامكان القيام بثورة شعبية دستورية وقانونية من خلال صناديق الاقتراع في ابريل القادم , وأظن ان الانتخابات القادمة ستفرز معطيات جديدة ستخرج السلطة والمعارضة من الاستفراد بالحكم وإتخاذ القرار دونما الرجوع لإحتياجات الشعب الأساسية , وأيما مقارنة عقلانية بين تونس واليمن سنجد فيها التالي ,,, 1- تونس دولة ذات مجتمع مدني صرف وعالي التعليم والثقافة , واليمن دولة كانت مدنية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وأصبحت اليوم دولة قبلية صرفة بفضل السلطة والمعارضة معا عندما كان أشخاص المعارضة بالأمس أما جزءً من النظام أو يستظلون بظل تجمع المؤتمر الشعبي العام آنذاك , وشبوا عن الطوق اليوم ,, 2- في تونس تندر الأمية والطبقة المتوسطة فيها هي الأعلى بنسبة 65% , أما في اليمن الأمية منتشرة والطبقة المتوسطة سحقت بسبب السياسات الأقتصادية الخاطئة للحكومات , وشخصنة الدولة من جهة , وبالاضافة إلى صراع رجال المال والأعمال وأبناءهم وخاصة التجار والمقاولين تحت العشرون عاما اللذين ظهروا بعد حرب صيف 1994م ,, 3- قبل إسقاط زين العابدين بن علي وتداعيات إحراق البوعزيزي نفسه , لم يخرج مواطن تونسي واحد بقطة سلاح ودافعوا عن أنفسهم بالعصي , بينما لايخلو بيت يمني من السلاح في المدن وتخزن الأسلحة بالأطنان في أقبية كل قبيلة , ويمتلك بعض مشايخ اليمن ترسانة سلاح أكثر من الدولة التونسية بأكملها باستثناء الدبابات وربما هناك من المشايخ من يمتلك دبابة هنا أو طائرة هناك. 4- إن دعوة بعض المعارضين العرب لتكرار ثورة الياسمين التونسية في أوطانهم متناسين ان ثورة تونس لاعلاقة للمعارضة بها من قريب أو بعيد , وكل تلك الدعوات لا تعدو العزف على قيتاره لجمهور لا يطرب لغير البرع او الرقص الشعبي, أن لكل بلد ظروفه وإمكانياته ولكي يدغدغ أي داعية شعب للخروج للشارع علية أولا النزول إلى الشارع بشحمة ولحمه , لا أن يدعوا الناس لإسقاط نظام على الأرض وهو يخاطبنا من طائرته في السماء. 5- إن مشكلة المعارض العربي هو أنه يعتقد جازماً انه هو البديل الناجع وعلى غيره وضعة مكان من يحكم , وهذا خطأ كبير, لاسيما في حالة بلادنا التي يمكن فيها للاغلبية الصامتة قلب المعادلة في الانتخايات ان هي شاركت فيها وتعدل كل الموازين في ثورة شرعية ان أستفاقت هذه الأغلبية , والتي عزفت عن المشاركة السياسية بسبب فساد السلطة من جهة , وسلبية المعارضة التي تقبل على الدوام التفاوض لحصد المكاسب وقبولها بديمقراطية شكلية تخدم بقاء السلطة أكثر مما تخدم الشعب.