لم يتفق المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح في هذه الفترة من الزمن السياسي لليمن إلا في أمرين اثنين .. رفض قانون العدالة الانتقالية وتصفية كوادر المؤتمر من مؤسسات الدولة وأجهزتها وتهجيرهم خارج أطر الحزب ومؤسساته . وإذا كان بعض فقهاء السياسة قد ذهب لاعتبار أن الأحزاب هي في حقيقتها صورة مكبره لجماعات الضغط والتمثيل السياسي واعتبر آخرون فكرة التنظيمات السياسية تطوراً عن أسلوب عمل "اللوبيات" وجماعات الضغط والتمثيل القائمة على أساس تجميع المصالح بين أعضائها ، فإن الأداء العام للمؤتمر الشعبي العام تجاه أعضاءه وكوادره تشعرهم بحالة من الغربة والشعور باللانتماء واللاتمثيل ما يدفع البعض منهم للهجرة منه دون اكتراث للباب الذي سيسلكونه طالما والمحصلة واحدة وبحثا عن الجماعة التي تحقق لهم مبدأ الانتماء والتمثيل والأهم من ذلك "الحماية" .
فاختيار الانضمام لتنظيم سياسي ما (والحديث هنا ليس عن التنظيمات والجمعيات الأيدلوجية) لا يكون هكذا عبثا لمجرد الإعجاب بشعاره أو تأثرا بكاريزما قيادته أو ولعا بشعاراته.. بل أن ذلك الانضواء يأتي تعبيرا عن مدى الشعور بالحاجة للانتماء لجماعة سياسية ما يشاركها الفرد أهدافها وتشاركه هي حاجاته وتطلعاته "وفق قاعدة الأخذ والعطاء" .
وإذا كان حزب الإصلاح "الإسلامي" قد قدم مؤخرا ومنذ وصوله للسلطة ومشاركته بالحكومة نموذجا في العلاقة التبادلية (التي نتحدث عنها) عبر الدفع بكوادره في مختلف أجهزة الدولة وإيصالهم لأعلى المراتب الوظيفية وفق قاعدة توزيع المصالح "المكاسب" التي يبدو جليا انتهاجه لها .. وتبنى في المقابل سياسة "اجتثاث" المؤتمريين من مؤسسات الدولة وأجهزتها التي يسيطر عليها وحتى التأثير على صانع القرار لاقتلاع الآخرين في المؤسسات التي لم تطالها يده ، فإن المؤتمر الشعبي العام بدا كمن لا حول له ولا قوة مع انه عمليا أكثر تغلغلا في مؤسسات الدولة ومنه رئيس الدولة وله النصيب الأكبر في الحكومة التوافقية .
لهذا عندما قلنا أن المؤتمر يأكل أبناءه لم نقل ذلك اعتباطا ولا تعبيرا عن حالة من النزق كما سيعدها البعض .. فالمؤتمر شارك الإصلاح مخطط اجتثاث كوادره مرتين بشعور منه أو بدون ، شارك بغض الطرف وتجاهل سياسة الإقصاء والإبعاد لكوادره في مؤسسات الدولة والتضييق عليهم وكأن الأمر لا يعنيه وعدم استغلال نصيبه في الوفاق والحكومة لإعادة الاعتبار للمبعدين وعدم تحريكه أوراقه للضغط على الطرف الآخر لوقف هذه السياسة مع امتلاكه لها ، وشارك بتنفيذ السياسة نفسها على البقية الباقية من كوادره التي وجدت نفسها ضحية حسابات وتجنحات وتقلبات داخل الحزب وأمزجه ساسته .
والمضحك المبكي هنا .. أنه وفي الوقت الذي كانت فيه كوادر المؤتمر تتعرض لتصفية شاملة في مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية ظل اهتمام ساسة الحزب وإعلامه ونخبته منصبا على القرارات التي تطال ما يعتبرونه "مناطق نفوذه في المؤسسة العسكرية" .. غير مدركين أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن الصراع القادم يرتكز على الأداة السياسية دزن غيرها .. وأن كوادر الحزب وأنصاره هم الرهان على حسم ذالك الصراع وليس معسكر الصمع ولا الصباحة .. والمؤسف أنه ومع كل هذا الاهتمام لم تنجح تحفظات المؤتمر في وقف روزنامة القرارات التي أخلت بموازين القوى عسكريا لصالح خصومه وخسر معها النصيب الأكبر من مواقعه تزامنا مع مضي مشروع تصفيته من الجهاز التنفيذي للدولة ، فلا هو حمى وجوده فيها ولا هو كف سيناريو فض بكارته ( لا ... ولا بش جراد ، ولا مسبي سلم) .
وإذا كانت القطه لا تأكل أبناءها إلا إذا جاعت ويقال أنها لا تأكل إلا رضيعها المريض الذي لم يكتمل نمووه ، فإن المؤتمر لا يأكل أبناءه في فترات ضعفه كما يفعلها في أوقات قوته وزهوه ليشعرهم بأنهم مجرد مناديل يستعين بها في وقت شدته وأوراق تواليت يستخدمها لقضاء حاجته .. كما أنه لا ينتقي إلا أكثرهم فعالية وديناميكية وكأنه يتعمد دفعهم للخروج عليه لصالح قلة من الانتهازيين والوصوليين الذي تركوه يوم كان حبل المشنقة ملفوفا على رقبته وعادوه لإمتصاص ما بقي منه بعد إن استعاد شيء من عافيته .
وكأنه (أي المؤتمر) لم يستفد من دروس الربيع ولا من أخطاءه .. ويصر عيانا بيانا على ان يلدغ من ذات الحجر مرتين وأكثر .. والسلام ختام ..