وجود عملاء السعودية و الحاقدين على مبدأ الثورة ضمن صفوف الثوار اليوم في مصر هو ثغرة خطيرة و خلل يشوه صورة الثورة الثانية الأقوى و الأكبر في تاريخ مصر ، و هذا الخط لا يهمه سوى خلط الأوراق و الانتقام من خلال ممارسة أعمال العنف و استخدام اساليب قذرة مثل النهب و السرقة و القتل و التخريب .. و في احسن الأحوال في حال نجحت الثورة الثانية في مصر و سقط مرسي فإن هذا الخط الانتقامي سيقدم نفسه بديلا عن الأخوان و يعود الى الحكم بعد ان تجد امريكا نفسها مضطرة للتخلي عن الأخوان الذين أصبح وجودهم عبئا عليها و على مشروعها الكبير في المنطقة لانهم لم يستطيعوا كسب الشارع ، أو بالأصح لم يستطيعوا تخدير الشارع و الضحك عليه و اسكاته كما كان سابقيهم يفعلون .
من الواضح ان المشروع الأمريكي برؤية قطر و تركيا استطاع ان يسيطر على الثورات العربية و يسرقها لصالح الأخوان ، و لكنه فشل في كسب الشارع العربي ، و كانت سوريا و مصر انموذجا .. و اليمن الى حد ما تحمل مؤشرات ذلك الفشل .
و الآن أصبح من اللافت أن المشروع الأمريكي برؤية السعودية و الإمارات بدأ في التحرك من خلال دخول بعض القوى الانتقامية و التي استقطتها ثورات 2011م ضمن صفوف الثورة الجديدة في مصر و ضمن التحركات في تركيا و سوريا و اليمن المناهضة للأخوان ، و هذا المشروع سوف يحاول أن يسيطر على مسارها و يسرق نتائجها ، و أتوقع بتفاؤل ان يفشل كما فشل أخوه القطري التركي بعد ميلاده بسنة .
كما أتمنى أن يعي ثوار مصر هذه المرة خطورة المندسين الممولين سعوديا و اماراتيا قبل أن يقعوا في نفس الحفرة التي أوقعهم فيها الأخوان الممولون قطريا ..
هؤلاء اللذين سقطوا في 2011م في اليمن و في مصر و في تونس يقفون اليوم مع اسقاط الأنظمة الأخوانية الفاشلة ، و بعضهم خرجوا ليتظاهروا مع الثوار في مصر .. مع انهم في اجنداتهم مستعدون ان يقدموا لأمريكا من الفشل و التنازلات أكثر من الأخوان خاصة بعد ان فهموا الدرس الذي لقنتهم امريكا و بعد ان شاهدوا تفاعل بعض الجماهير مع تنازلات الأخوان و انبطاحهم لأمريكا و تبريرهم لمشروعاتها الاستعمارية و دعواتهم الجهادية في صفها ، الأمر الذي سيشجع تلك القوى لتقديم تعهدات جديدة لأمريكا بتقديم تنازلات اكثر و بطرق اكثر فاعلية ، و هو ما يفسر احتفاظ امريكا بهم و عدم السماح بالقضاء عليهم و محاكمتهم كما هو مفترض نتيجة الثورات التي اسقطتهم .
و من المفهوم انهم خرجوا اليوم مع مطالب الثوار ، ليس لأنهم حريصون على الثورة و لكن لأنهم يريدون ان يقدموا انفسهم بديلا عن الاخوان و هم لا يختلفون عنهم في كونهم فقط ورقة بديلة بيد أمريكا و مشروعها الذي هو في الواقع مشروع يهدف في النهاية لتأمين اسرائيل و مصالحها ، و لعل هذا الحماس و هذا الاخلاص و هذه الهبة النشيطة يذكرنا بحماس و اخلاص الاصلاح و تضحياتهم و نشاطهم في 2011م .
لم يعد خافيا ان كل هذا " العك " و الشغل الأمريكي في المنطقة ليس الا في سبيل تأمين مصالحها العليا و التي يعد أمن و استقرار اسرائيل على رأسها .. سواء نشاطها في اسقاط الأنظمة الشمولية و دعم الأخوان عبر قطر و تركيا خلال العامين الماضيين – و هو ما يظهر فشله اليوم - أو نشاطها الان في الدفع من جديد بالقوى التي اسقطتها في 2011م عن طريق الشارع ، و نيتها لتقديمهم كبديل وحيد .
و في كل الأحوال يتحتم علينا أن نفهم بأن امريكا هي من يصنع البدائل للحكم في كل دول العالم العربي ، و تضعها لنا كأمر واقع لا مناص منه و لا بديل له الا الفوضى و الحروب الأهلية ، و لذا لن تنجح ثورة عربية في احداث اي تغيير حقيقي يفضي الى استقرار و سيادة و جيش قوي و ديموقراطية حقيقية و دولة مدنية الا اذا اتجهت بجدية و صدق لاسقاط الوصاية الأمريكية اولا .