سقطرى, لا نبالغ إذا قلنا إنها هبة السماء لليمن, وهدية الخالق العظيم لمحبي البيئة الطبيعية في العالم... حقا إنها لوحة فنية رسمت بريشة سماوية بديعة, فأصبحت بتفردها هذا عنوانا كبيرا قل أن يكون لها نظير في أي منطقة في العالم. فجوها متنوع, ومناخها يحكي الطبيعة المناخية لليمن كلها, شتاؤها الجاذب المعتدل, وصيفها المتدرج الحرارة, سقطرى الحاضنة لأمواج المحيط الهندي, ورأس الرجاء الصالح, والبحرين الأحمر والعربي, وخليج عدن, حيث تلتقي الأمواج لتتعايش في محيط أرخبيل سقطرى ... تحمل سقطرى من الحيوات ما هو متنوع ومتعدد, حيوات تتعايش وتتكاثر في نظام إيكولوجي متوازن, لتبقى حركة الحياة متواصلة متداخلة مع حركة إنسان سقطرى أولا, وامتداداتها مع جيرانها المحيطين ثانيا. خريفها جامع لأجواء وطبيعة إب -عاصمة السياحة اليمنية-, وصعدة وحجة والمحويت بالمقاربة, وشتاؤها متميز قلما يوجد له نظير بما يحمله من حيوية متفاعلة مع طبيعة سقطرى وما حولها. سقطرى بما تمثله من تراث تاريخي نادر جمعت معاني وأبعاد مدينة المخاء, ميناء تصدير البن في التاريخ اليمني, ومدينة الخوخة التاريخية, وبيت الفقيه مدينة العلم والفقه, وفي الوقت نفسه, سقطرى كما قلنا تتقاطع مع محافظة إب بما تمثله طبيعتها السياحية الجميلة وحماماتها الشفائية المتميزة كحمامات الحرضة ومديرية دمت, كما تجد سقطرى ذاتها متكاملة مع طبيعة حضرموت- الشحر, وسيئون التاريخ وكذا مع المهرة ومحمية "إرف" في محافظة لحج وكذلك مع حجة وجزرها الجميلة والبديعة كإرث تاريخي, وغيرها من المدن التي تتناغم معها طبيعة وبيئة سقطرى الجميلة. سقطرى الأرض... سقطرى الموقع... سقطرى البيئة... سقطرى الطبيعة النادرة, بأشجارها وحجارها وترابها ومناخها, وفوق هذا وذاك إنسانها البسيط المتواضع الكريم وما حوله من حيوانات متنوعة أليفة إذ لا توجد فيها حيوانات مفترسة أو كائنات مؤذية لحياة الإنسان, أليست هذه الحالة ملفتة للنظر, ومحفزةً اهتمام المؤرخين, والباحثين المتخصصين في البيئة الطبيعية بكل مكوناتها. إن الحديث عن سقطرى يشبه الحديث عن ألف ليلة وليلة مع اختلاف المدلولات والأبعاد في الالتقاء مع البعد الخيالي والإبداع الغني في تكوين الطبيعة, في شجرها النادر, ونباتاتها الفريدة, وفي لون صخورها, ولون ترابها, وطبيعة سواحلها وألوانها المتدرجة... ولهذا نقول إنها هبة سماوية وهدية من الخالق ليس لشعب اليمن فقط, وإنما للبشرية كلها لما تمثله من جمال بيئي, وتنوع في صور الطبيعة وحركة البحر بأمواجه والشروق والغروب. كل هذه الميزات انعكست إيجابا على ساكني سقطرى, إذ يتحلى أبناؤها بقيم التعايش والتسامح, ويتسم سلوكهم وتصرفاتهم بالطابع المسالم المعبر عن طبيعة الأرض. وانطلاقا من هذا كله فقد استحقت سقطرى أن نطلق عليها عاصمة للبيئة الطبيعية في العالم, ومن أجل هذا وذاك طالبنا ونطالب بالاهتمام بها ورعايتها والحفاظ عليها في إطار الحفاظ على طبيعتها وبيئتها والأخذ بأيدي أبنائها في حقول العلم المختلفة ليتمكنوا من الحفاظ على أغلى كنز إنساني على الأرض, والموجود في اليمن, ليشكل عنوانا نادرا لصورة البيئة الطبيعية التي تتطلب العناية الجادة, العناية كي تصبح فعلا عاصمة للسياحة البيئية الطبيعية العالمية. وأمام سحر وفتنة طبيعة أرخبيل سقطرى يستطيع القارئ استيعاب بعد القرار الذي اتخذته قيادة وزارة السياحة أثناء زيارتنا للمحافظة والإعلان عن "سقطرى عاصمة للسياحة البيئية العالمية". ويأتي القرار التاريخي الشجاع الذي أصدره فخامة الأخ رئيس الجمهورية المشير عبد ربه هادي بإعلان سقطرى محافظة إدارية في 15/10/2013, فالقرار كان بمثابة تعبير واقعي وترجمة عملية تؤكد أهمية سقطرى في منظور القرار السياسي للدولة اليمنية الاتحادية التي أكدت عليها مخرجات الحوار الوطني الشامل. كما يعطيها الحق بامتياز أن تكون عاصمة السياحة البيئية, وتؤكد عمليا إدراكه لأبعاد ومعاني سقطرى بآفاقها التاريخية وأبعادها الإستراتيجية والاقتصادية والتراثية إضافة إلى موقعها الإستراتيجي في حسابات الحاضر والمستقبل. كما يجسد هذا القرار التاريخي الهام حرص القيادة السياسية على تطوير السياحة فيها وتأهيل كوادرها السياحية في مختلف الجوانب والاتجاهات كتعبير لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي أكدت ضرورة الاهتمام بسقطرى, والعمل الجاد من أجل النهوض بها, حتى تكون عنصرا فاعلا في اقتصاد الدولة اليمنية الاتحادية التي نعمل من أجل ترسيخ بنى الدولة الحديثة فيها. وانطلاقا من مرتكزات مخرجات الحوار الشامل تعمل وزارة السياحة على تطوير العمل السياحي فيها, والنهوض بالبنى التحتية لتمكنها من استقبال أكبر عدد من الوفود والسياح اليمنيين, العرب والأجانب وتهيئتها لأن تكون, وليس نظريا فقط, عاصمة سياحية عالمية للبيئة وخاصة بعد أن تم ترشيحها من قبل منظمة اليونسكو كرابع موقع بيئي عالمي, وإدراجها في قائمة التراث العالمي عام 2008. ويأتي هذا الترشيح بناء على دراسات تحتفظ بها وزارة السياحة لخبراء وعلماء بيئة دوليين من مختلف أنحاء العالم. كل هذه المعطيات تؤكد أحقية سقطرى لأن تكون عاصمة للتراث البيئي العالمي. وعليه فإن وزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي يسعيان بجدية مع حكومة الوفاق الوطني لبلورة هذه التسمية وترجمتها عمليا بما يسهم في لفت انتباه وأنظار المنظمات المعنية بالبيئة الطبيعية في العالم, وفي الوقت نفسه فإن الوزارة تبذل كل الجهود الحثيثة في التواصل معها من أجل كسب دعمها نحو بذل جهود أكبر لتطوير البيئة في الأرخبيل والحفاظ عليه وتوسيع حركة السياحة فيه.إن سقطرى بأرخبيلها تتصدر قائمة الاهتمام الدولي, إذ إن زيادة في عدد الزيارات لها من قبل عشاق السياحة البيئية قد تم رصدها, مما يجعلنا نؤكد على أهمية أن تتصدر قائمة اهتمام البرامج الحكومية الخاصة, بتطوير مشاريع البنى التحتية المختلفة في الأرخبيل وتحسين وتوسيع مناخ الاستثمارات السياحية والخدمات المقدمة فيها. كما نؤكد أيضا على أن الوزارة تحث الخطى جاهدة لتنفيذ الإستراتيجية المتكاملة لتطوير السياحة في المحافظة بما يشجع على جذب السياح كون السياحة موردا اقتصاديا لا ينضب. كما تشمل الإستراتيجية تطوير جميع البنى التحتية مع جميع المؤسسات والوزارات والقطاعات الخاصة والعامة, مع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة الخصوصية البيئية والطبيعية للجزيرة وأرخبيلها, وتجنب السياسات الارتجالية والخطط العشوائية, حرصا على المحافظة على النمط المعماري فيها ونمط محميات ومدن المحافظة وهو ما أكدناه وشددنا عليه في حواراتنا ولقاءاتنا مع قيادة المحافظة خلال زيارتنا لها مؤكدين بأن يكون هذا الجانب من أبرز الأولويات التي يجب على المحافظة تبنيها اليوم سواء في مشاريعها الخاصة أو مشاريع الوزارات والجهات المعنية, بما يشمل المستثمرين اليمنيين والعرب والأجانب دون تأخير وإعداد لائحة بهذا الخصوص, وإيقاف عمليات البناء العشوائي وأي تخطيط خارج عن سياق المخطط المركزي للمحافظة بأرخبيلها . كل ذلك ينطلق من فهمنا لأهمية سقطرى بما تمتلك من تراث بيئي وإنساني إلى جانب موقعها الإستراتيجي الهام والمتميز في حسابات بناء الدولة الاتحادية اليمنية الحديثة التي ينعم كل أبنائها بالمساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية.
* وزير السياحة - رئيس مجلس الترويج السياحي ** تصدير العدد 13 أغسطس 2014م، لمجلة السياحة اليمنية