•هل تقبل برئيس يمني مسلم وعلماني؟ لم أكن أتصور أن السؤال السابق هو بالفعل "سؤال صعب جدا", حتى عرفت ذلك من بعض الشباب وآخرين غيرهم.. كما لم أكن أظن أنه سيكون "سؤالاً محرجاً", لو لم أحصل على هذه المعلومة من البعض الآخر وحاولت أن أفهم منهم لماذا هو كذلك برأيهم.. ولكن الأهم والأغرب, في تقديري, هو أن محدثكم لم يكن يعلم, وما أظنه كان سيعلم في يوم من الأيام, أن السؤال السابق هو "سؤال غبي وسخيف", بعكس ما توقعت تماماً. لولا أن بعضاً ثالثاً قال لي ذلك وكان من الناصحين!! عالم الساحة في ساحة التغيير بصنعاء كل شيء مُتاح ومباح للأسئلة, على مقاس المستقبل الذي يتنوع ويتعدد وتتزاحم صوره, ومقاساته وألوان أخيلته في أذهان وعقول وتصورات اللاهجين بإسقاط النظام والثائرين عليه, المسكونين بلحظة النصر المؤزر. وهي ليست سوى لحظة (إسقاط/تنحي/رحيل) الرئيس.. هنا مُبتدأ ومنتهى جميع الأسئلة والإجابات, وهُنا أم الأهداف والغايات والوسائل. على أمل أن القادم أفضل أو سيكون أفضل, فقط عليه أن يسقط أو يرحل. يقال هذا بكثرة ويقابلك بكثرة في ساحات الساحة. فالصحيح أن تمدد الساحة الى ما بعد كلية الآداب والجامعة القديمة جنوبا وفي الاتجاهات الأخرى كان توالدا وتكاثرا بالانقسام الثنائي وهكذا, أكثر منه تمدداً واتساعاً في حجم ومساحة الشيء نفسه أو الواحد ذاته أو الساحة عينها. أحمد سيف حاشد صارت له ساحته ومنصته الخاصة, أخيرا. لم ينتم يوماً لساحة ومنصة الإخوان وإخوانهم, ولم يتقبلوا انتماءه أو يراجعوا أنفسهم فيه. مئات وآلاف الشباب والمعتصمين نزحوا الى مرافئ وخيام بعيدة عن "عاصمة المنسقية العليا الحاكمة بأمر الله" وبعيدا عن منصة الإخوان ودولة اللجان الأمنية وحراس "بكارة الثورة" من شهوات الثوار وغواية "الحرية المطلقة"! لنعد الى ما كنا فيه ونحن لم نذهب بعيدا فالصلة قائمة فيما بين أي شيء في الساحة وكل شيء فيها. أن تسأل عن رئيس علماني, فيجب أن تتحرى الساحة المناسبة داخل الساحة والإقليم الأبعد عن سلطة المركز ومركز السلطة... العليا. كان يجب أن نستوضح المدى الذي يبلغه طلاب التغيير والمدنية والحداثة, في عرضهم لفكرة التغيير, وإمكانية حصول ثورة حقيقية في الفكر والفكرة.. الأبعد شأوا من مجرد الدعوة الى إسقاط النظام ورحيل الرئيس, ليحل نظام آخر, هو نفسه تقريبا, ورئيس آخر لا نضمن أن يكون نفسه.. بل لا نضمن أن لا يكون أسوأ من السابق بكثير؟! صعب وجيد!! شباب رائعون وصادقون وجادون في الاندماج على فكرة الثورة وغاية التغيير, لم تكن لديهم إجابة محددة وكاملة أو حتى منقوصة عن سؤال "الرئيس العلماني, هل تقبل به؟", في المحصلة كان التوافق الغالب فيما بينهم أنه سؤال "صعب", البعض قال "محير" وآخر وصفه "سؤال عام واحتمالي"' أحدهم –أسامة الجماعي- قال إن السؤال جيد ومفاجئ والإجابة لديه هي:"نعم أقبل, ايش المشكلة؟". أما زميله كمال السلمي فيقبل بشروط أهمها أن يلتزم بكتاب الله ويحكم به (...). وهذه الإجابة تكاد تعني, أيضا, أن السؤال "صعب". أطرف إجابة حصلت عليها هنا أن السؤال صعب جدا و"ارجع لنا بعدما نذاكر"! علماني.. سنحاني!! في مكان آخر تنوعت الردود بين الرفض والامتناع والتحفظ والاستغراب وأحيانا التهكم, كلمة "محرج" سمعتها أكثر من مرة ومن لم يقل الكلمة عينها قالها بطريقة أخرى, "مش وقته" أو "متى ما ولد سميناه" أو "كل شيء ممكن". أما العم أحمد الفرجي الرجل الخمسيني فأجاب:"علماني.. بيحاني.. بعداني, يكون ما كان, المهم مش سنحاني"!! شاب وآخر رأيا أن أسئلة كهذه ربما تكون خلافية ولا تخدم الهدف والغاية من الاعتصام وتثير "الخلاف" بين "الثوار" ويفضلان تأجيلها والتركيز على ما يجمع ويخدم القضية الرئيسية, عقبت بأن المستقبل هو القضية الرئيسية والهدف الكبير بالفعل وما لم نفكر به لن نصل إليه. وإذا كان الناس سيختلفون حول فكرة بعينها اليوم, فإن تأجيلها لن يحل المشكلة وخلافهم غداً قد يكون أكبر وأسوأ. وسألت: ولماذا الخلاف والخشية والخوف أصلا, هل العلمانية خطيرة وجهنمية الى هذه الدرجة؟ لكن السؤال ليس مهما, أهم منه الإجابة الذكية التي قدمها عابد الميداني:"من الأفضل نقول مدنية بدل علمانية ورئيس مدني بدل رئيس علماني, البعض يتحسس ويمتعض من كلمة العلمانية ولما تقول له مدنية يقول لك تمام". غبي بالفطرة! أما لماذا هو سؤال "غبي وسخيف" كما يرى فريق ثالث ممن تحدثت معهم في الساحة حول القبول من عدمه برئيس علماني, فإن هناك من يعتقد أن العلمانية منهج غربي غير إسلامي وليس قابلاً للنقاش أو الحوار من أساسه. ولهذا فإن من الغباء السؤال عنها أو الاحتمال ولو لمجرد الاحتمال! وعندما تذكر لهؤلاء النموذج التركي وحزب العدالة والتنمية الإسلامي ورجب طيب أردغان وعبدالله غول, يردون عليك أن اردغان وإخوانه مثال بعيد في دولة كانت علمانية أصلا وهم جاءوا ليخلصوها من هذا الشر وقد انتصروا كثيرا ومكنهم الله من ذلك(!) المجادلة بهذه الطريقة لن توصل إلى نتيجة, طالما وأن أردغان وإخوانه انتصروا على العلمانية وليس أنهم التزموا بها ولم يروا أنها تتصادم مع الدين أو تتناقض مع العدالة التي تنشدها الشرائع والعقائد الدينية. مأزق الغموض بصورة عامة فكرة الدولة المدنية تجد رواجا إعلامياً وخطابيا, ولكن تفصيلات الفكرة والدولة المدنية ليست واضحة وهناك تصادم وتناقض حول الفكرة نفسها من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى. غموض الفكرة يعود أو يتطابق مع غموض فكرة التغيير نفسها التي تتبناها الساحة وتسمت باسمه. التفاصيل الغائبة وهي الأهم تشكل عيبا وتشوها جوهريا في برنامج أو شعار التغيير لأنه يقصد قوته وطاقته الحيوية ويصبح مجرد شعار فضفاض بلا مضمون وبلا روح. هناك من يستسهل مشروع التغيير ويتلخص لديه في إسقاط النظام وهنا من يمنع على نفسه التفكير فيما بعد وأبعد من هذا القدر والمستوى. ولكن في المقابل هناك عقول متفتحة وأفكار متداولة على المستوى الثنائي والنخبوي تدير نقاشا حيويا أفضل وأكثر عمقاً وجرأة. إلا أن هؤلاء بدورهم اكتفوا بأنفسهم ولأنفسهم بالتثاقف المدني والثوري, والساحة تمور وتتسع وتتوالد وتكثر وصوتهم يضيع تماماً لحساب توجه تقليدي وقوى تقليدية من الواضح أنها صاحبة الكلمة الأولى والتأثير الأكبر والسلطة الأقوى داخل الساحة.. فماذا عن خارجها؟! موجز الآراء: محرج و"خلافي".. صعب جداً, ارجع بعدما نذاكر.. "علماني, بيحاني, بعداني.. كله تمام, المهم مش سنحاني"!! غبي وسخيف, حتى اسأل أردغان..