لا يستطيع الا المكابر، ان ينكر ان هناك تطوراً ملحوظاً في لهجة بيان اللجنة الرباعية الاخيرة، كما في مضمونه، سواء لجهة المطالبة الواضحة بوقف الاستيطان الصهيوني، لا سيّما في القدس، او لجهة الدعوة الى انهاء الحصار على غزة المستمر منذ سنوات، وهو حصار باركته اللجنة الرباعية التي لم تقبل حكوماتها "الديمقراطية" القبول بحكومة منتخبة ديمقراطياً في فلسطين قبل خمس سنوات. ولا يستطيع كذلك احد ممن استمع الى تصريحات بان كي مون "الحاسمة" في رام الله ومطالبته بازالة "المستوطنات" (واسمها الاصح المغتصبات)، وبالانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود 4 حزيران 1967، الا ويفرك عينيه مدهوشاً من "حليب السباع" الذي شربه فجأة امين عام الاممالمتحدة مؤخراً وربما من "بقرة التوتر" بين اوباما ونتنياهو وهو توتر مرشح للانحسار امام جهود يبذلها اللوبي الصهيوني وحلفاؤه في واشنطن عشية زيارة رئيس حكومة تل ابيب الى واشنطن. وبغض النظر عن الاسباب والخلفيات التي تقف وراء موقف اللجنة الرباعية وتصريحات مون، فان هذا التطور لا يمكن قراءته بمعزل عن عاملين متداخلين مترابطين: اولهما بلوغ التعنت الصهيوني المقرون بعجرفته وغطرسته واستعلائه على الجميع، بمن فيهم أقرب المقربين منه، منسوباً محرجاً للحلفاء الى ابعد الحدود، وثانيهما تنامي العزلة الدولية لا سيّما داخل الرأي العام الغربي ضد الممارسات الصهيونية، وهذا ما تكشفه اخر استطلاعات الرأي في اوروبا والولايات المتحدةالامريكية حيث يتصاعد عدد من يعتبر "الاستيطان" غير شرعي فيما يتزايد عدد المتساءلين عن جدوى ربط المصالح الامريكية بالمصالح الصهيونية، بل حتى عن جدوى القدرة العسكرية الصهيونية نفسها عن مساعدة القوات الامريكية بعد فشل العدوان على لبنان عام 2006 كما جاء في آخر التقارير الصادرة عن البنتاغون . لكن هل تكفي بيانات الرباعية، والاستطلاعات والاستبيانات والتقارير لزحزحة "مستوطن" صهيوني واحد عن ارض اغتصبها، او لإجبار حكومة تل ابيب على التراجع عن قرار اتخذته والجواب طبعاً بالنفي... لأن اللغة الوحيدة التي يفهمها الكيان الصهيوني هي لغة المقاومة والانتفاضة، كما تثبت التطورات كل يوم.. غير ان التأكيد الثابت على دور المقاومة المحوري في التصدي لمخططات العدو لا يعفينا من ان نتقدم على جهتين معاً. الجبهة الاولى هي الجبهة القانونية التي بموجبها لا نستطيع ان نلاحق مجرمي الحرب الصهاينة وداعميهم فحسب، بل نؤسس لثقافة عدم الافلات من العقاب التي تجعل مجرمي الحرب في كل انحاء العالم يفكرون الف مرة قبل الاقدام على مغامرة عدوانية كما رأينا في فلسطين والعراق ولبنان وصولاً الى افغانستان وباكستان. والجبهة الثانية هي جبهة ما يسمى "المجتمع الدولي"، اذ ينبغي ان تتحرك المجموعة العربية في الاممالمتحدة، وهي ممثلة اليوم بلبنان في مجلس الامن ، ومعها المجموعة الاسلامية ومجموعة عدم الانحياز ومجموعة امريكا اللاتينية وكل الدول الرافضة للتعنت الصهيوني من اجل تحويل "نداء" اللجنة الرباعية الى قرار صادر عن مجلس الامن، وتحت الفصل السابع اذا امكن، خصوصاً ان معظم الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن اعضاء في اللجنة الرباعية. فمثل هذا التحرك يكشف صدقية اللجنة الرباعية ويضعها على المحك، كما يضع العدو الصهيوني في مواجهة معركة عالمية لا تقل اهمية عن تلك التي واجهها مع حليفيه البريطاني والفرنسي في حرب السويس 1956، حيث تولت الجمعية العمومية بنفسها زمام الامور في مواجهة ذلك العدوان بعد ان فشل مجلس الامن في اتخاذ قرار بوقف الحرب آنذاك ويجبر المعتدين على الانسحاب، خصوصاً ان كل من بريطانيا وفرنسا تحملان حق النقض في المجلس. وبقدر ما يمكن لهذا التحرك ان يكشف صدقية نوايا اللجنة الرباعية وامين عام الاممالمتحدة، فان الجدية في اطلاق هذا التحرك على يد القمة العربية العتيدة يكشف بالمقابل جدّية النظام الرسمي العربي في تحمل مسؤولياته خصوصاً ان التحولات الاقليمية والدولية باتت مؤاتية لقرار جاد وعملي يتخذه هذا النظام في قمته المرتقبة. وبانتظار جدية هذا التحرك العربي، وجدية التجاوب الدولي معه، يبقى على الشعب الفلسطيني البطل ان يواصل انتفاضته القادمة التي تثبت بوضوح انه اذا كانت قيادات او حركات او حتى اجيال تتعب، فان الشعوب لا تتعب ما دامت تتجدد بفتية كالذين نراهم في شوارع مدن فلسطين ومخيماتها.