وجهت الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية مذكرة إلى القمة العربية الثانية والعشرين في سرت- ليبيا اقتصرت على رؤيتها للقضية الفلسطينية، وقد قام أعضاء الأمانة العامة بتسليمها إلى السفارات الليبية في أقطارهم وفيما يأتي نص المذكرة:- فتهدي لكم الأمانة العامة للمؤتمر العام للأحزاب العربية التي تمثل مئة وأربعين حزباً وتنظيماً سياسياً عربياً من سائر أقطار الوطن العربي التي تأخذ بالتعددية السياسية، أطيب تحياتها وتتمنى لكم باسم جماهيرها التوفيق في أعمال مؤتمركم العتيد لما فيه خدمة قضايا الأمة ومصالحها العليا، وهي إذ تدرك ثقل ازدحام جدول أعمالكم بالقضايا الهامة والمصيرية فإنها ستقتصر في مذكرتها هذه على طرح قضية واحدة تعتبرها أم القضايا وجذر المشاكل والمسائل، وترى أنها تستحق أن تكون أولوية الأولويات في معالجاتكم، وتؤمن أن نجاحكم في مواجهة استحقاقاتها وتصويب المسار والموقف منها سيكون النقلة التاريخية التي تجعل علاج كل ما سواها أكثر يسراً وأقل عسراً، وسيحدث اصطفافاً جامعاً، ويعيد الُّلحمة، وبالتالي القوة والمنعة، للموقف العربي الرسمي والشعبي، ما سيمكن لأقطارنا جميعاً التوجه للتنمية والازدهار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحضاري، في ظل أمن عربي قومي مستقر، عصيّ على الاختراقات والضغوط والإملاءات. منذ اتفاقية سايكس بيكو التقسيمية للوطن العربي عام 1916، ووعد بلفور المشؤوم عام 1917 وحتى يومنا هذا، وفلسطين تمثّل جوهر المشروع الصهيو-استعماري في الوطن العربي. ومنذ قيام الجامعة العربية عام 1945 وحتى اليوم، والقضية الفلسطينية حاضرة في الأجندة العربية، وقد تعاملت وتتعامل معها على المستوى الرسمي والشعبي، من أجل استعادة ما احتُلَّ عام 1948، ثم ما احتُلَّ عام 1967 ومعه الأرض العربية التي احتُلَّتْ آنذاك. وفي القمة العربية الأولى ثم الثانية, شتاء وخريف عام 1964, أُنشئتْ منظمة التحرير الفلسطينية لتكون عنوان عملية التحرير، بدعم من الجامعة ودولها. ومنذ اعتُمدتْ المنظمة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني (قمة الرباط عام 1974 ) فيما عرف بالقرار الفلسطيني المستقل، ساد شعار عربي عنوانه (نقبل بما يقبل به الفلسطينيون)، وها قد مضى على هذا القرار ثلث قرن, أي نصف عمر نكبة فلسطين. إنّ ترك القضية الفلسطينية وقرارها في يد الفلسطينيين وحدهم، أيّاً كانت ظروف ذلك ودوافعه، يجسد عنواناً انقلابياً في هوية القضية وتعريفها، فبعد أن كانت على امتداد تاريخها قضية (عربية فلسطينية)- وهذا هو جذرها الدولي الصهيوني ، كما هو أساسها العربي- أصبحت فلسطينية، وفي أحسن الحالات فلسطينية عربية. وإذا كانت الغاية من هذا القرار هي اجتهاد أو رؤية كانت غايتها الوصول إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، وهو ما صاحبته مبادرات عديدة، عربية وإقليمية ودولية، فلقد آن الأوان للنظر بكل جدية لما آلت إليه القضية في ظل هذا القرار، فإذا كانت القضية مقدسة، فما من قرار يكون مقدساً غير قابل للنظر والمراجعة إلا بمقدار ما يساهم في حماية القضية، والسير بها نحو الحل الذي يسترد الأرض ويعيد الحقوق لشعبها وأمتها. وليس بخافٍ أنّ القضية قد تراجعت وانحدرت بل وتآكلت وسارت نحو التصفية على مستوى الأرض والإنسان والكيان، لصالح التهويد الذي بلغ مداه، ويكاد يصل إلى منتهاه، تهويداً للأرض والمعالم والهوية والشخصية، متجاوزاً الحدود إلى الأقطار العربية في اختراق للأمن القومي العربي، بل وضاغط حتى على القرار العربي الرسمي في مواقف عديدة ظاهرة وباطنة.
وفي ظل ترك السلطة الفلسطينية رهينة المحبسيْن: الأسْر الصهيوني الذي أحالها سلطة أمن عبر التنسيق الأمني، والأسْر المالي الذي أحالها رهينة للمانحين، وحوّلها إلى أداة صراع مع أبناء شعبها من المقاومين، ووضعها في دائرة المفاوضات بلا حَوْل ولا قوة، وضغط عربي وأمريكي يدفع بها إلى البقاء في هذه الشرنقة القاتلة لتظل في الحلقة المفرغة، فيما العدو ينجز مشروعه بوتائر متسارعة تنذر بختام الكارثة التي نقرأ فيها ملامح اقتراب تصفية القضية الفلسطينية. إننا نعتقد جازمين أنّ هذا الخطر يضع مؤتمركم اليوم أمام المسؤولية الكبرى والحاسمة لاستدراكه قبل فوات الأوان الذي يوشك أن يفوت, وذلك من خلال ما يأتي:- 1- الإعلان عن أنّ القضية الفلسطينية هي قضية عربية فلسطينية وهي القضية المركزية للأمة. 2- أنّ تحرير فلسطين هو هدف الأمة ونضالاتها الذي تلتزم به الدول العربية كما شعوبها. 3- أنّ التصدي لحماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها وفي سائر فلسطين وفي مقدمها المسجد الأقصى المبارك، وإنقاذها من مخاطر التهويد التي توشك أن تجهز عليها، هي أولوية راهنة، وينبغي التعامل معها على هذا الأساس، لا مجرد بند من بنود الصراع. 4- أنّ الإمكانات العربية وأوراق القوة العربية مسخّرة لخدمة هذا الهدف. 5- أنّ أحداً لا يحق له التصرف منفرداً بهذه القضية. 6- سحب المبادرة العربية وما تلاها والتخلي عن ملهاة المفاوضات لأنّ ذلك كله شكَّل مظلة لمواصلة تحقيق المشروع الصهيوني على الأرض. 7- الدفع الجادُّ والمشترك باتجاه تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية شاملة قوامها حشد قُوى الشعب الفلسطيني لمواجهة الاحتلال، وفي ظل جمود مسار المصالحة فإن القمة مطالبة بنقل هذه المهمة إلى إطار عربي أوسع قادر على التعامل مع مواقف مختلف الفرقاء بما يخدم الحشد الوطني العام لمواجهة الاحتلال ، كما كان شأنه دائماً وعلى امتداد قرن من عمر القضية. 8- فكّ الحصار العربي عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتقديم كل أشكال الدعم له ليمارس حياته الإنسانية ونضاله الوطني. 9- رفض الضغوط الدولية والصهيونية التي تمارس على العرب للضغط على الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة الوطنية والإسلامية، وإبقائه في دائرة الحصار والانقسام، ورفع الحصار عن المقاومة التي حققت انتصارات مشهودة اعترف بها العدو في لبنان وغزة وستكون قادرة في ظل تحررها من الضغوط على إحراز المزيد. إننا نرى أنّ هذا القرار هو المقدمة الحقيقية والعملية لحلّ كل مشكلات الأمة، وهو ما نتطلع إلى أن تولوه اهتمامكم، وأن لا تتركوا الشعب الفلسطيني في كل حدبٍ وصوب ممزقاً بين سُلطة فريسة للعدو الصهيوني، ومقاومة وطنية وإسلامية أسيرة للحصار. تلك هي مسؤوليتكم التاريخية في هذه اللحظة التاريخية. وإننا وشعوب الأمة سنكون في مقدمة رَكْب حاملي هذا القرار جُنْداً للأمة ولكم.