مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية العراقية ، دون تغيير ، وجه ضربة موجعة الى حظوظ السيد المالكي ، المتراجعة اصلا ، في ولاية وزارية ثانية ، ليجعلها في حكم المستحيلة . ويبدو ان عامل الوقت ، الذي حاول المالكي بنفوذه كرئيس للوزراء ، توظيفه في الفترة التي تلت الانتخابات ، لم يعد كافيا لمنحه حالة اخرى من التسلل عبر خطوط تبدو اكثر تشابكا ، مع تيقظ اللاعبين والحكام والجمهور ، هذه المرة . فجهود المالكي الحثيثة ، لاكتساب الشرعية ، لم تفلح طيلة الفترة التي امتدت من السابع من اذار الماضي حتى اليوم ، في سحب الصدارة عن قائمة الدكتور اياد علاوي التي جاءت متقدمة بواحد وتسعين مقعدا ، كما لم تفلح في عقد تحالف مع الائتلاف الوطني العراقي بزعامة الحكيم والصدر . ففي الوقت الذي كان الائتلافان (القانون والوطني ) يختبران خطوات للتقارب لم يتورع المالكي ، وبشكل ينم عن موقف مبيت ، عن تقديم طعن بفوز نائب من قائمة مفاوضيه وحلفائه المحتملين لسحب احد مقاعدهم في البصرة الى قائمته . تلك المحاولة اعادت ، الى اذهان محاوريه المترددين ، سمة التنكر والخديعة التي طبعت مواقف المالكي وحزب الدعوة تجاه شركاءهم . يبدو ان اسقاطات وظيفة القائد العام للقوات المسلحة لزعيم دولة القانون على سياساته كرئيس لكتلة انتخابية ، هي التي تقف وراء افساد المواقف التفاوضية لائتلافه مع الاخرين . تلك السياسات التي تنزع الى التفرد والفوقية باتت تهدد بانفراط عقد ائتلاف دولة القانون ووحدة قيادة حزب الدعوة ، وفي الوقت ذاته تنسف حلم المالكي في التصدي لرئاسة الحكومة لدورة لاحقة . هذه التداعيات جعلت رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي يسجل نقاطا اضافية على خصمه المتراجع ، فعلاوي الذي شكل ظاهرة متصاعدة في الحياة السياسية العراقية لم يولد من رحم الطائفية السياسية التي اولدت المالكي . لذا فان التوجه نحو تشكيل حكومة لاطائفية لاتعطي المالكي اولوية في التصدي لتلك المهمة ، سيما وان علاوي جاء معضدا دستوريا بالاستحقاق الانتخابي كرئيس ومرشح للكتلة الفائزة الاكثر عددا . وحتى مع لحاظ التكوين الطائفي في تشكيل الحكومة القادمة واعتبار القائمة العراقية ذات اغلبية سنية ، فان لا ائتلاف دولة القانون ولا حزب الدعوة يمثلان الزعامة السياسية للشيعة الذين توزعت مقاعدهم بين قوائم الائتلاف الوطني والعراقية ودولة القانون بشكل يجعل مجموعهم داخل الائتلاف الوطني والعراقية معا ، اكثر منه داخل ائتلاف دولة القانون ، هذا اذا لم نأخذ في الحسبان ان مكونات الائتلاف الوطني السياسية وقياداته تمثل زعامات تقليدية تاريخية محترمة وحاضرة باستمرار لدى المكون الشيعي . علاوي ، المتفاؤل دائما والذي لاتفارق الابتسامة محياه ، يرتبط بعلاقات طيبة وممتدة مع تلك الزعامات ، والرجل الذي يثق الخصوم بوعوده ، لم يتوان عن ارسال اشارات مطمئنة لجميع الفرقاء ، وهو على خلاف مايوحي خصومه ، يحظى باحترام المرجعيات الدينية ، ومنها مرجعية السيد السيستاني في النجف الاشرف والتي اعلنت انها لاتضع خطا احمر على احد ، في اشارة تعتبر دعما صريحا لعلاوي ، بعد ان كانت حثت حكومة المالكي في مرات سابقة على تحسين الواقع المعاشي والخدماتي للمواطن ، ونبهت الى ضرورة تعزيز اللحمة الوطنية وتغليب الوحدة على هويات الاختلاف والتنازع ، دون ان تلقى اذانا صاغية . ولاتبدو القائمة العراقية بعيدة عن التحالف مع الكتلة الكردية بعد ان استطاعتا حل قضية اقتسام السلطة في نينوى وتسوية مشاكل عالقة في مناطق متنازع عليها ، وقد ظهر هذا التقارب في اكثر من تصريح للزعامات الكردية يدعم حق الدكتور علاوي في الشروع بتشكيل الحكومة ، اهمها ماصدر عن السيدين جلال الطالباني ومسعود البارزاني بهذا الشأن . ويتبنى السيد اياد علاوي منذ وقت مبكر سياسة انفتاح العراق على المحيط العربي والاسلامي كعمق ستراتيجي لايمكن الاستغناء عنه ، كما يرى ان خروج العراق من مأزقه التاريخي الحالي يرتبط بشكل اساس بطبيعة علاقاته مع دول الجوار التي لعبت دورا خطيرا في وصول العراق الى الوضع الراهن ، مما يمنح السيد علاوي دعما اقليميا مهما يسهم في حل الملفات الامنية والسيادية المتعلقة باخراج العراق من طائلة البند السابع . ان حظوظ الدكتور اياد علاوي وقائمته من الخبرات السياسية والمهنية توفر لهما زخما اضافيا في تشكيل حكومة شراكة وطنية تعتمد اسس المهنية والكفاءة لبناء دولة مدنية تتبنى قيم المواطنة والمساواة والعدل . فحكومة علاوي الاولى ، رغم قصر عهدها وضآلة امكاناتها ، تركت شواخص لاتزال قائمة ، مثلت مقدمات معتبرة ، كان يمكن البناء عليها للارتقاء بالدولة المدنية في كل المجالات الاقتصادية والامنية والسياسية والخدمية ، الا ان السياسات التي تبنتها الحكومات اللاحقة جعلت ارادة الدولة ومقدراتها ترتهن الى ارادات طائفية وحزبية وفئوية افرغت تلك المنجزات من محتواها ، واشاعت الفساد المدعوم والذي بلغ وضعا مخيفا بتوصيف المنظمات الدولية والمحلية المتخصصة ، وليس ادل على ذلك من الاف اوامر ومذكرات التوقيف والقبض التي لجأت هيئة النزاهة الى استصدارها ، في نهاية ولاية الحكومة الحالية ، بحق موظفين كبار . ان هذه الرؤية الاستشرافية لمستقبل العملية السياسية لاتقوم على فرضية تغليب المثالية في بناء المشهد القادم للحكومة المنتظرة ، اي انها لاتفترض تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية في شكل التحالف المكون للحكومة العتيدة ، الا انها ترى ان الكتل الفائزة ستجد نفسها مضطرة الى سلوك مسارات مقاربة للسيناريو المذكور تلتقي فيه مصالحها الذاتية مع المصلحة الوطنية ، او لاتتقاطعان على الاقل وذلك لايتحقق بالشكل الذي يضمن هذا التوافق الا من خلال تكليف العراقية برئيسها الدكتور اياد علاوي بتشكيل حكومة يجد الجميع فيها تمثيلهم ، ويأمنوا تقلباتها غير المحسوبة . هادي والي الظالمي