حين استمعت إلى تصريح الدكتور ناصر العمر المسجل على موقع اليوتيوب ظننت للحظة الأولى أنني أستمع إلى خطاب صدام حسين حين شعر بأن الجيوش الأميركية تقف على بعد أمتار من العراق، فقد توهج الخطاب بوصف ما يحدث مؤامرة من أهل الباطل الذين يتآمرون ويخطّطون لتغريب المجتمع منذ سنوات طويلة، بينما أهل الخير طيبون، غافلون ولا يهتمون كثيراً للأمر. وصف العمر بأن فتوى منع النساء من العمل كاشيرة التي صدرت من لجنة الإفتاء هي تأكيد لبرنامج طلبة العلم الذين قمعوا واتهموا بعدم شرعية فتواهم، لذا على الناس أن يتعاونوا مع الفتوى عبر نشرها في كل مجلس وإنترنت وهاتف. قال كلاماً كثيراً عن النصر والحرب. قال كلاماً كثيراً عن الدعوة لمقاطعة المحال التي تشغل النساء، وشجع الناس على إرسال الرسائل والبرقيات الاحتجاجية وأقسم لهم أن لها قيمة. لم يفطن الشيخ الصالح أنه يدعو للاحتجاج وتقويض مشاريع تنموية مثل برنامج الابتعاث وتوظيف النساء وتوطين الوظائف، وكلها برامج تكفل حق الكسب والتعلم والعمل، وهذه المشاريع من حق الإنسان رجلاً كان أم امرأة، ولا أدري ماذا لو أن مصادر العيش على الأرض شحت كالماء مثلاً فهل سيحق للرجال أن يشربوا قبل النساء؟ يقول العمر إن أهل الباطل هم من أقفلوا مراكز تحفيظ القرآن ودعوا إليها على رغم أن ما أعلن عنه هو أن 30 ألف وظيفة ذهبت لغير السعوديين من دون أن تزلزل المؤامرة ضميرهم، فهم يجدون في الذكور حتى لو من خارج الوطن أخوّة لا يجدونها في النساء ولو كنّ من مواطناتهم، وما زاد من الخير - من وجهة نظرهم- فهو للباكستانيين والأفغانيين من ذكور المسلمين قبل النساء. يروي الشيخ القصص بروح أقرب إلى "الكاريكاتورية" منها الى الواقع الحقيقي، فيصور أن عمل المرأة مؤامرة، فهم يأتون للرجل الكاشير ويقولون له: "قم وخلّ المرة تجلس محلك"، الحياة بالنسبة إليهم كلها مؤامرات عليهم، وهم لا يتأمرون على النساء أبداً! ثم يورد قصة عن عبدالله بن مسعود بأن زوجته كانت غنية وهمّت بأن تخرج مالاً للصدقة فقال لها عبدالله بن مسعود إنه هو وابنه فقيران ويحق لهما أن تتصدق عليهما، فذهبت وسألت الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن هذا الأمر فقال أعطهم من الصدقة. حتى الآن لا خلاف حول هذه القصة لكن الشيخ العمر يقول: ماذا تتوقعون من هذا الرجل الذي أخذ من زوجته الصدقة، سيعود ليصرف عليها من صدقتها، لأنه هو القيّم عليها. فضيلة الأستاذ الدكتور ناصر العمر: هل هذا كلام معقول؟ وهل هذه مؤامرة أخرى حين لا تكملون الآية التي تقول (بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)؟ ثم هل خرجتَ يا فضيلة الدكتور يوماً إلى الشارع أو زرت بيوتاً لا يفهم أهلها لغة المؤامرات لتعرف أن حياتهم اليوم لم تعد تستقيم بدخل واحد وأن تلك العائلات التي تحثونها على كثرة الإنجاب ستصبح نهباً للفاقة والإعاقة؟ هل خرجتم لتزوروا الجمعيات النسائية الخيرية التي تغص بنساء من دون عائل ومواصفاتهن لا تصلح لزيجات المسيار، فهن لسن كما تذكرونهن في كل معرض عن تصوركم للنساء بأنهن (جميلات متعطرات فاتنات) بل شوهت الشمس والفقر وجوههن حتى صارت الابتسامة لا تعرف إليها طريقاً؟ هل زرتم البيوت التي بلغ عدد النساء فيها أكثر من عدد الذكور ولم يشملها بعدُ برنامج المسيار، ومن مرّ عليها ما زادها سوى بؤس وفاقة، لأنهم يتركونهن بعيال؟ هل خرجتَ مرة من صومعة التنظير وسيناريوات الرعب والمؤامرات ومشيتَ في الطرقات لتعرف أن الجيوش المتربصة بك ما هي سوى جيوش الفاقة والبطالة وقلة الحيلة؟