عقدان من الزمن عانت خلالها مديرية صرواح التي تقطنها (قبيلة جهم) بمحافظة مأرب من أحداث دامية ومشاهد مأساوية وتعرض أفرادها للإعتقال والسجن ، ولا تزال آثار مواجهاتهم وحروبهم مع السلطات تلاحقهم حتى اللحظة ، وقد يكون تواجد أكثر من (10000) جندي في مواقع عسكرية استحدثت عقب تلك الصراعات الدامية وتطويق قراهم ومنازلهم بالدبابات والمدافع أبرز ما يثير استيائهم ، غير أنهم يتعاملون مع ذلك بصمت مطبق وقبولا بالأمر الواقع الذي لم تتعود عليه السلطة منهم ويدرءون بالسكوت أي مواجهات قد تجرهم إليها السلطة قد تجني على أسرهم وأطفالهم ومنازلهم ... وحتما لن يطول ذلك الصمت إذا لم تراجع الحكومة سياسة توزيع المعسكرات وإبعادها عن القرى الآهلة بالسكان . ووفقا لتقرير أعدته لجنة جمع وتوثيق أحداث صرواح قبل ثلاث سنوات فإن عدد الذين قتلوا من أبناء مديرية صرواح على أيدي جنود عسكريين هم سبعة عشر شخصا بينهم خمسة ضباط ومشائخ وثلاثة من رجال الأعمال وخمسة طلاب جامعيين وثلاثة من طلبة المدارس وامرأة واحدة ، أما القتلى بالسم فيقول التقرير إن عددهم ثلاثة أشخاص والجرحى (52) شخصا بينهم إمرأتان ، وبعض الجرحى أصيبوا بإعاقات وحالات تشوهات سببت لهم ولأسرهم حالات نفسية حيث بلغ عدد المصابين بأمراض نفسية وعصبية وعقلية حوالي سبعين شخصا . عقب تلك الأحداث وعدتهم الحكومة بتعويضات عما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية .. وكعادتها تحضر متأخرة وفي الوقت الضائع حيث قامت خلال الأسابيع الماضية بصرف مبلغ سبعين مليون ريال ، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بإحصائية لجنة جمع وتوثيق أحداث صرواح التي قدرت التعويضات المادية المطلوبة بأربعة مليار واربعمائة مليون ريال هي عبارة عن المبالغ المالية التي دفعها أولياء الدم أثناء مطالبتهم بالعدالة ، والنفقات المالية التي صرفت على الأيتام والأرامل والمعوقين والتي كان يدفعها لهم آخرون بعد قتل من كان يعولهم، وكذا الأموال التي صرفت لعلاج الجرحى ونفقات السجناء ومخاسير التجار والعمال ، وعلاج مرضى الحالات العقلية والنفسية والعصبية ومرضى حالات الإجهاض ، بالإضافة إلى تعويضات عن حالات الوفاة بسبب الإجهاض والوفيات بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة حصار المنطقة . كما أن تقرير لجنة التوثيق أشار إلى دفع أثمان الممتلكات التي تم نهبها من قبل الجيش وتكاليف المباني والمخيمات التي تم هدمها وحرقها والمزارع التي قام الجنود بإتلافها والأدوات الزراعية المنهوبة، مع تعويض المواطنين عن إخلاء منازلهم وذهابهم إلى شعاب الجبال ودفع مبالغ السيارات التي نهبها الجيش في أماكن مختلفة من الجمهورية وغير ذلك من البنود التي أشار إليها التقرير. التعويضات الحكومية وخلافات القبيلة: دأبت السلطة على عدم تقديم أي شيء إلا ولها أهداف معينة ،وقد صاحب وصول تعويضاتها لقبيلة جهم ظهور خلافات قبلية بين مختلف (فخوذ) القبيلة ، بعد أن ضاقوا ذرعا بتكرار الإساءات بدءا من ضآلة المبلغ مرورا بطريقة الصرف التي وصفت بأنها عشوائية ومزاجية ولم توزع وفقا للأضرار التي لحقت بقرى القبيلة. ولذلك فقد بادرت قبيلة (آل حسن بن زايد) إحدى فخوذ قبيلة الزايدي بالإجتماع وتوقيع (وثيقة صحب)بتاريخ26/4/2008م اتفقوا من خلالها على جملة من القواعد التي تحكم القبيلة ونصبوا الشيخ / محمد بن صالح شويل الزايدي شيخا وممثلا لهم لدى الدولة والقبائل، وقد أوضحت القبيلة في بيان صدر عنها عقب اللقاء أن ما قاموا به جاء بعد التباين في وجهات النظر وعدم التوصل إلى وجهة نظر مشتركة تخدم الصالح العام ، وتنهي الخلافات التي سببتها تصرفات بعض عناصر القبيلة. وقال البيان أن القبيلة انطلقت في ذلك من حرصها على عدم إدخال القبيلة في متاهة الصراعات التي تنعكس سلبا على الأفراد وتضر بمصالحهم ومستقبلهم كأفراد في هذا المجتمع يتطلعون نحو البناء والتقدم والخروج من نطاق الولاءات الشخصية والعنصرية القبلية الضيقة والتعصب والتحيز الأعمى إلى آفاق أوسع وعدم الإنصياع وراء المصالح الشخصية الآنية ، بالإضافة إلى ما اتخذته بعض أجهزة الدولة من إجراءات ضد أبناء القبيلة مستخدمة المخالفات الفردية ذرائع واهية لتهميش ذوي الخبرات والكفاءات أصحاب المواقف الوطنية الشريفة ، وأكدت القبيلة بقائها مع قبيلة آل جهم في القضايا العامة ومع كافة أفراد المجتمع بما يخدم الصالح العام. بيان القبيلة حمل الجهات الرسمية المسئولية الكاملة عن كافة الممارسات العشوائية والإنتهاكات التي تعرض لها أفراد قبيلة آل حسن بن زايد كقبيلة محسوبة على آل زايد بشكل عام ، مطالبين فخامة رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح بإيجاد حلول للأضرار التي لحقت بأفراد قبيلة آل حسن بن زايد من تهميش في الوحدات العسكرية ومحاولات إقصاء من الوظائف العامة وغير ذلك من الممارسات العشوائية المخالفة لدستور الجمهورية والقوانين النافذة والمنتهكة لحقوق الإنسان وحريته ، علما أننا سنظل ملتزمين بالدستور والقانون ننبذ المخالفات الفردية أو الجماعية وسنحرص على اللجوء للوسائل والطرق السلمية للمطالبة بحقوقنا ورفع المظالم منددين بكل الممارسات العشوائية والإجراءات التعسفية التي اتخذها ويتخذها بعض مسئولي الدولة ضد أبناء القبيلة الأبرياءوسنضطر للجوء إلى القضاء في حال عدم الإنصاف كون القانون اليمني لا يسقط العقوبة بالتقادم. كما حذر بيان القبيلة من أي تمثيل لهم في أي موقف حيث أن كلا لا يمثل إلا نفسه أو إطاره الأسري أو القبلي. التعويض عن الجدران وتجاهل قيمة الإنسان الشيخ / محمد صالح شويل الزايدي قال ل"مأرب برس" أنه وعقب وصول التعويضات ونحن في صراع مع عدد من الشباب المتهورين الذين يريدون تفجير الوضع للوصول إلى حقهم في التعويضات. وأضاف: أنا باعتباري شيخا لقبيلة آل حسن بن زايد وممثلا لها لدى الدولة والقبيلة منعت التدخل في حقوق القبيلة حيث أنها من تقدر الأضرار التي لحقت بأفرادها وممتلكاتهم ، وقد أبلغت الشيخ / جابر الشبواني أمين عام المجلس المحلي بمأرب ، ودويد ، والغادر،وأي تبني لحقوق القبيلة من التعويضات في المزارع والمنازل وغيرها يعتبر باطلا، ونحتفظ لأنفسنا بحق المطالبة ولا نقبل أن يمثلنا أحد خارج إطار ما اتفقنا عليه. يعتبر الزايدي يحمل رتبة عميد متقاعد التعويض غير منصفا ويقول : يا أخي إذا تم دفع قيمة الجدران فأين تعويض قيمة الإنسان التي أهدرت خلال فترة المواجهات، المادة ليست كل شيء والكرامة فوق أي شيء، اليوم أولادنا إذا سمعوا الرعد خافوا ويهربوا إلى البيوت خشية أنها قد تكون قذيفة ، الأسر مليئة بالمرضى النفسانيين والأيتام والأرامل ، ما الذي يمكن أن يعوضه ذلك التعويض في قيمة الإنسان وأضرب لك مثالا أحد أفراد قبيلتي ناصر حسن نكير الزايدي تم تدمير بيته وإتلاف مزرعته وأعطوه مليون ونصف المليون ريال فقط ورفض استلام ذلك المبلغ الذي لن يبني له جزء بسيط من البيت فأي تعويض هذا؟ ويواصل الزايدي : مارست السلطة ضدنا عقاب جماعي ، لقد عملت على إبادتنا واجتثاثنا ، لقد أهدرت القيم وأحقت بنا أضرار مادية ومعنوية ، لذا فإننا نعلن عدم إعترافنا بذلك التعويض الغير عادل. مآسي لا تزال في الذاكرة: يتذكر الشيخ محمد شويل الزايدي أنه في الوقت الذي كان العالم يعيش مرحلة استنكار للعدوان الأمريكي على العراق ، وتعيش فلسطين مأساة مخيم جنين كنا نواجه قتل وحصار وانتهاكات واعتقالات من قبل أبناء ديننا وجلدتنا ، قتلوا طلاب مدارس في عمر الزهور دون أي مبرر وفي وسط مركز المديرية ، إحدى النساء أصيبت أمام المستشفى ، تم قصف القرى وتدمير وحرق البيوت والمزارع وتشريد النساء والأطفال والشيوخ ، وتم إغلاق المنافذ المؤدية من وإلى المديرية ، تعرضنا لعملية اعتقال جماعية من جميع محافظات الجمهورية وامتلأت بنا يومها سجون الأمن السياسي. كنت متجها في يوم الأربعاء 19/2/2003م إلى صنعاء وفوجئت بقيام إحدى النقاط العسكرية التابعة للواء 25ميكا بإنزالي من على سيارتي بمجرد قراءة اسم الزايدي في البطاقة الشخصية ، وحرمت من حقي في العلاج بأحد مستشفيات العاصمة لمعاناتي من أزمة في القلب ، ولم يكتفوا بذلك بل زجوا بي في أحد سجون الأمن السياسي لأجد أمامي حوالي 13شخصا من أبناء القبيلة تتراوح أعمارهم ما بين 12 70سنة وليس لنا ذنب سوى إنتمائنا إلى قبيلة تحمل اسم (الزايدي) ، وقد أبلغنا إدارة الأمن السياسي أننا مضربين عن الطعام لإطلاق سراحنا أو تحويلنا إلى النيابة ، لكنهم لم يستجيبوا لنا وبقينا رهن الإعتقال التعسفي والظالم قرابة أربعين يوما. وتابع متنهدا لشعور متوفر بداخلة جراءالظلم والاضطهاد بعثنا أكثر من شكوى لوزارة حقوق الإنسان أيام الوزيرة وهيبة فارع لأننا كنا نبحث عن الإنصاف والتضامن وتطبيق القانون بعدالة وبطرق حضارية لكننا أشبه بمن يبحث عن سراب . الحق لا يسقط بالتقادم يؤكد الزايدي أن الحقوق لا تسقط بالتقادم وسلنجأ إلى رفع دعوى قضائية ضد من انتهكوا حقوقنا الإنسانية ، كون جرائم الأفراد عقوبتها على الجاني وليس عقابا جماعيا والله سبحانه وتعالي يقول(ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وقد تطرقت إلى جزء بسيط مما واجهناه من الفضائح والانتهاكات والإرهاب والتعسف ، ناهيك عن معاناتنا من فرض تجهيل متعمد على المديرية وغيرها من صنوف الإهمال في مجال الطرقات والكهرباء والإتصالات والجوانب التعليمية والصحية. خطر التهور والغرور.. والحل بيد الحكومة أكثر من ألف وخمسمائة صفحة تحوي تقرير لجنة جمع وتوثيق أحداث صرواح معنون ب "صرواح وأحداث عقدين من الزمن" تم إهداؤه وفقا لمقدمة الإهداء إلى أبناء الحضارات والتاريخ ، وإلى من فقدوا آباءهم وأبنائهم ، وإلى الحوامل اللواتي أجهضن بحملهن ، وإلى كل المتضررين من أبناء مديرية صرواح التاريخية من تلك الأحداث الدامية التي تعرضت لها المنطقة على مدار العقدين الماضيين ، غير أن هناك (ألف حل وحل) بإمكان الحكومة القيام به للتخلص من آثار تلك الحروب والمواجهات المأساوية وهي غير عاجزة عن تطبيقها والأخذ بها وينبغي على الحكومة والنظام الحاكم في حال الإحجام عن المبادرة لإيصال حقوق الناس وتعويضهم التعويض العادل أن تقرأ بعناية المستقبل في تلك المنطقة التي لا تزال تتكبد ويلات مواجهات الماضي ، ويجب العمل الفوري على إقرار مصفوفة حلول لوضع المنطقة قبل أن يتفاقم الوضع جراء ارتفاع أصوات المظلومين والمحرومين ، حالا يجب أن تغلق الحكومة الباب بإحكام أمام نزوات المتهورين والطائشين ويجب ألا يعميها غرورها عن إيصال حقوق الناس ، وعليها أن تدرك جيدا أن " كل شيء هناك ليس على ما يرام ".