وسط هذا الاحتشاد غير المسبوق في مصر، لم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين برهة لتأمل المشهد وتقييم تجربتها القصيرة في الحكم، وإثارة الأسئلة العميقة، بل ذهبت وأنصارها إلى الطريق الأسهل : الحديث عن مؤامرة، لا تستهدف حكم الإخوان، بل والإسلام أيضا ! لا أظن الجماعة ستكترث للسياسات الخاطئة التي انتهجتها في التعامل مع واقع ما بعد الثورة، ولا في القرارات التي عبر عنها مرسي طيلة عام من الحكم، ولا أظنها مهيأة بطبيعة تكوينها السياسي والثقافي والفكري، لنقد الذات، أو على الأقل شخوص القيادات القابضة على القرار، الراسمة للجماعة مسار العمل، وللرئيس أجندة الحكم، وأولويات الرئاسة. كان على الجماعة أن تعي طبيعة التحدي من اللحظة الأولى عقب إعلان نتائج الانتخابات، فعلى أساسها غدا محمد مرسي رئيسا لمصر، بفارق ضئيل على منافسه شفيق، الممثل بالفعل، لنظام مبارك . لقد حسم مرشح الجماعة الانتخابات في الجولة الثانية بأصوات المعارضين، وقوى الثورة التي وضعت ثقتها في مرسي، لقطع الطريق أمام نظام مبارك من العودة عبر بوابة شفيق، رغم هواجس الخوف من أداء الجماعة ونواياها. غير أنه كان يتوجب عليها أن تسأل نفسها بصدق: لماذا حصد شفيق تلك النتيجة الكبيرة، وفي مرحلة ثورة رغم انه " فلول" ؟ لا يمكن بالطبع القول بأن أكثر من 14 مليون مصري كانوا يحبون نظام مبارك عندما صوتوا لشفيق، لكنه من شبه المؤكد أنهم كانوا يعبرون عن خوفهم من سلوك الإخوان السياسي، إما بفعل الصورة الذهنية التي خلفتها ممارسات الجماعة " المتشددة " خلال عقود من العمل، أو تأثرا ب" دعايات " الخصوم، الذين روجوا هذه الصورة " المخيفة ". وفي الواقع، لم تفعل الجماعة منذ صفقة " الانتخابات قبل الدستور" مع المجلس العسكري، وعقب صعودها إلى الحكم عبر محمد مرسي ، إلا تأكيد هذه المخاوف!